دأبت دول العالم على الاحتفال سنويا باليوم العالمي للغة الأم وذلك منذ شهر فيفري 2000 يعدما أعلنت اليونسكو في مؤتمرها العام في شهر نوفمبر من عام 1999 في الواحد والعشرين من شهر فيفري، وذلك لتحسيس الناس بأهمية تنوع وتعدد اللغات .
وفي هذا الإطار يتخذ تعزيز التعدد اللغوي داخل النظام المدرسي من أهم القضايا الكبرى التي تسعى اليونسكو إليها ، وذلك من خلال تشجيع الاعتراف بحق الجميع في اكتساب ثلاثة مستويات من المهارة اللغوية تشمل: اللغة الأم أو اللغة الأولى، واللغة الوطنية، ولغة التعليم.
ويقترن تعزيز التنوع اللغوي والثقافي بالتزام بدعم الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات، كما أن التنوع والحوار والذاتية والغيرية هي العناصر الأساسية للتكامل الوظيفي الذي ينبغي تحقيقه، من خلال التعدد اللغوي، بكل جوانبه.
وتكتسي أهمية اللغات في كونها الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراثنا الملموس وغير الملموس، بالإضافة إلى مساعدتها على تطوير وعي أكمل للتقاليد اللغوية والثقافية في كافة أنحاء العالم، كما ستساهم على تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار .
كما أنه في ظل تسارع العولمة فإن أي أصبح من المستحيل على أي دولة أن تعيش في عزلة من هذه التطورات، الأمر الذي يؤكد الحاجة لتعلم لغات أخرى تيسر للفرد والمجتمع سبل التفاهم مع العالم، وتساعده على الاندماج فيه والاستفادة من إنجازاته وكذلك المساهمة في زيادة مبتكرات، وذلك إلى جانب تعلم أداة الاتصال الأساسية الممثلة في اللغة الأم.
ويوجد اليوم ثلاثة آلاف لغة مهددة بالخطر في العالم، بمستويات مختلفة، أي ما يعادل نصف لغات الارض.
ويعتبر العلماء أن اللغة تدخل مرحلة الخطر حين يتوقف أكثر من ثلاثين في المائة من أبناء الجماعة الناطقة بها عن تعلمها. فقد توارى عدد كبير من اللغات في القرون الثلاثة الماضية، لاسيما في أميركا واستراليا.
ففي إفريقيا – مهد البشرية- تشكل اللغات المستخدمة فيها ثلث لغات العالم. ومعظم هذه اللغات لا تستخدم على الإطلاق في المدرسة أو الإدارة أو القضاء أو الصحافة العامة بالرغم من أن السكان يتقنونها تماما نظرا لأنها تشكل وسيلة التعبير التي يستخدمونها في حياتهم اليومية.
ويسعى الاتحاد الأفريقي في هذا الإطار إلى وضع خطة إقليمية للنهوض باللغات من شأنها أن توفق بين ما هو محلي وما هو عالمي لمصلحة الجميع. ويجري العمل على تعزيز الاستراتيجيات اللغوية الوطنية والإقليمية بطريقة تهيئ بيئة ملائمة لجميع اللغات في العالم.
وفي القارة الأوروبية توجد هناك خمسين لغة مهددة ، بعضها في عداد اللغات المختصرة كما هو الحال في شمال روسيا والبلدان الاسكندينافية.
وفي فرنسا وحدها هناك 14 لغة تعيش مرحلة الخطر الحقيقي، أما في سيبيريا فان كل اللغات المحلية، وعددها يقارب الأربعين، هي في طريقها إلى الانقراض..
وفي آسيا، لا يزال الوضع غامضا في عدد من مناطق الصين. أما في شبه القارة الهندية، المعروفة بثرائها اللغوي، فقد حافظت معظم اللغات على حيويتها بفضل التوثيق الجيد، والسياسات المتبعة في مجال احترام التنوع الثقافي. مع هذا فان هناك عددا محدودا من اللغات الآيلة الى الانقراض في الهمالايا وجبال بامير، في آسيا الوسطى وافغانستان.
وفي منطقة البحر الهادي التي تمتد من اليابان الى استراليا، يتركز ثلث لغات العالم، اغلبها ما زالت حية ونشطة. بيد ان افريقيا هي القارة المجهولة في المجال اللغوي. وما زالت السلطات في عدد من بلدان القارة السوداء تعمل على تعزيز هيمنة اللغات السائدة، مثل السواحيلية في شرق إفريقيا، واللغات الموروثة من المراحل الاستعمارية.
ويقدر الأطلس بان هناك حوالي 250 لغة مهددة في إفريقيا، وبين 500 إلى 600 لغة في مرحلة تقهقر من اصل 1400 لغة محلية.
وفي أميركا الشمالية تمكنت لغات قليلة من الصمود أمام زحف الانجليزية والفرنسية. غير أن كندا تعمل منذ سنوات على تشجيع سياسة الحفاظ على اللغات القديمة. ومن اصل 104 لغات هندية ـ أميركية هناك 19 في حالة احتضار و28 لغة مهددة.
ولا تزال في الولايات المتحدة 150 لغة هندية قديمة في حالة تشبه الموت، رغم أن سياسة تهميش هذه اللغات آخذت تتراجع في السبعينات من القرن الماضي، قبل أن تعاود هيمنتها خلال الثمانينات مع سياسة الانجليزية فقط.
وتؤكد تجارب العلماء أن بالإمكان إنقاذ اللغات المهددة أو التي في طريقها إلى الانقراض، أو حتى الميتة، عبر اعتماد سياسة ايجابية، كما حصل في اليابان وانجلترا. لقد كان عدد الناطقين بلغة “الاينو” في جزيرة هوكايرو اليابانية ثمانية أشخاص فقط في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. لكن هذه اللغة بدأت تنتعش مجددا بعد سنوات من الإقصاء والتجاهل، وجرى افتتاح متحف للغة “الاينو” يقدم دروسا للشبان والشابات المقبلين على تعلمها. وفي انجلترا انقرضت لغة “كورنيك” منذ عام 1777، وتم إحياؤها في السنوات الماضية. وهناك اليوم ألف ناطق بها كلغة ثانية.