زكى المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني مساء هذا الجمعة بالجزائر العاصمة عبد العزيز بلخادم أمينا عام للحزب لعهدة ثانية.
كما تم خلال ذات الجلسة تنصيب لجنة إثبات العضوية التي سوف تقدم تقريرها في وقت لاحق للمصادقة عليه في انتظار تنصيب باقي اللجان.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر التاسع للأفالان دعا بلخادم مناضليه إلى تقوية العمل السياسي والنهوض بمستوى الهياكل والأداءات بغرض البقاء كقوة سياسية أولى.وقال ” إنّ الأفالان بحاجة إلى تحيين سياسي وتنظيمي”.
وفي خطاب مطوّل ألقاه بالقاعة البيضاوية بالعاصمة، ركّز بلخادم على كون جبهة التحرير بحاجة إلى بعد استراتجي يرتكز على المرجعيات الثورية والفكرية والتعددية، مشيرا إلى أنّ الأزمة التي هزت الحزب قبل سنوات كانت حافزا سمح للأفالان بالعودة بقوة إلى واجهة الحياة السياسية الوطنية، على حد قوله.
ورأى بلخادم اأنّ الأخير ظلّ بيته حاميا للجميع من النوازل رغم سعي البعض في السابق لوضعه على صفيح ساخن، مشيدا بروح التوافق وانسجام الرؤى وتغليب صوت العقل الذي ساد المؤتمر الثامن الجامع قبل خمس سنوات، بما مكّن – يضيف بلخادم – من تصحيح الأخطاء بعيدا عن التعصب والرفض والمواجهة والإقصاء، وساهم حسب بلخادم في جعل جراح الجزائر تندمل بعيدا عن الأحكام الخاطئة والمزيفة.
وذكر مسؤول الحزب العتيد أنّ الأخير يسعى من خلال “عرسه التاسع” لمواكبة الحاضر واستشراف المستقبل، تمهيدا لتمكين الدولة الجزائرية من تحقيق انتصارات أكبر وجدد دعوة حزبه مطالبة فرنسا بالاعتذار عما اقترفته في حق الشعب الجزائري إبان احتلالها للجزائر:.
دعوة لإنجاح رهان إشراك الشباب والنساء
في الشأن الجبهوي، انتقد بلخادم ما سماه “الإفراط في الطموح” من البعض، بما أجج أحقادا وأثار نعرات وأماط اللثام عما نعتها “الزمر والعصب ، وقدّر مسؤول الأفالان أنّ مسوغات الخلاف على مستوى بعض القواعد كانت واهية، وصاحبها صرف “أموال السُحت” ومجموعة من العوامل الشخصية كانت سببا في تشكيل عُقد عطلت دواليب الحزب في مواعيد انتخابية ماضية، لكنّه أوعز أنّه ما إن أزيح الستار عما كان منبوذا، حتى توفر الجو المواتي لتوحيد المناضلين ودفعهم للاستماتة دفاعا عن قيم الأفالان.
ولدى مخاطبته 3560 مندوب، أورد بلخادم أهمية مكافحة الانحراف ومواجهة ما سماه “شراء الذمم”، كما أهاب بمناضليه لمحاربة السلوكات الخاطئة التي انتشرت حسبه في الساحة السياسية، وإنجاح رهان الاعتماد على عنصري الشباب والنساء باعتبارهم يمثلان بمنظاره رمز القوة والحيوية، في صورة ستمائة شاب تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة يتواجدون في المؤتمر، ويتطلع هؤلاء للتواجد ضمن تركيبة اللجنة المركزية التي سيتم انتخابها في اليوم الأخير للمؤتمر.
كما نادى بلخادم بضرورة تمكين المرأة من لعب أدوار أكبر على مستوى المجلس المنتخبة وكذا الهيئات القيادية للحزب، مبديا ارتياحه للمؤتمرات الجهوية الأخيرة التي شهدت – مثلما قال – حركة إيجابية سمحت باستيعاب سائر القواعد النضالية.
ولم يتردد بلخادم عن تثمين عهدته السابقة على رأس الجبهة، قائلا إنّ الأفالان كسر طابوهات تجميد الرواتب، وكان له دور حاسم في معالجة عديد الملفات ظلت رهينة الأدراج، وتصوّر أنّ المؤتمر التاسع مناسبة مواتية للتفكير في مواصلة التجديد، لبناء جزائر أكثر قوة وأكثر عزة وكرامة كواقع حي تلمسه الأجيال القادمة.
في هذا الصدد، أبدى بلخادم تفاؤلا مع قرب تخلص الجزائر من المديونية الداخلية، بعدما تخلصت من الدين الخارجي قبل سنوات، متوقعا تحقيق وثبة نوعية برسم المخطط الرئاسية المقبل (2010 – 2014) على نحو يكفل تدعيم التوازن الجهوي ويسمح بمزيد من تطوير مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، متمنيا الوصول إلى تحقيق تكامل مؤسساتي في الجزائر.
الجزائر في منأى عن بأس القبضة
بالمقابل، ألّح بلخادم على حتمية إعلاء البناء الديمقراطي في الجزائر، مسجّلا أنّه لم يكن سهلا ترسيخ الوحدة ورص الصفوف، لكن الرهانان تجسدا، مشيدا بالمبادرة التاريخية لميثاق السلم والمصالحة التي أطلقها الرئيس بوتفليقة في خريف 2005، وبايعها الشعب الجزائري بقوة آنذاك، بما ساهم في تكريس فضيلة التسامح بين أبناء الوطن الواحد وتعبيد الطريق أمام الإقلاع التنموي واسترجاع الجزائر لمكانتها على الساحة الدولية.
ولاحظ وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، أنّ تعديل الدستور في 12 نوفمبر 2008، منح ثراء مميزا للاستحقاق الرئاسي الأخير، معتبرا التحالف الرئاسي إضافة مثمرة على صعيد الأداء السياسي، وقطع الطريق على من سماهم “ممارسي الرعونة السياسية” و”زارعي ثقافة الريب والمقاطعة”، مضيفا:”أفسدنا على البعض تعطيل عجلة المسار السياسي والاقتصادي وتسويد الصورة العامة للجزائر”.
وحيى بلخادم دق طبول الحرب على الارتخاء والتسيب والفساد واللامبالاة والطوباوية الزائدة، معتبرا أنّ ذلك ليس أمرا عسيرا، مشيرا إلى كون عوامل النجاح متوفرة، لا سيما بمراعاة العدالة الاجتماعية وقيم المساواة وتوخي النية السليمة، مشددا أنّ الجزائر في منأى الآن عن بأس القبضة وستبقى كذلك.
واستغل بلخادم المناسبة، ليهاجم أولئك الذين يتظاهرون حسبه على الوطن بالإثم والعدوان، مضيفا:”نكيل لغلاة الاستعمار الصاع صاعين والمعاملة بالمثل، كما نطالب فرنسا الرسمية بالاعتذار عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها المحتل الفرنسي القديم في الجزائر”.
وانتهى بلخادم إلى تجديد تمسك جبهة التحرير ببناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي، بجانب تمكين الشعب الصحراوي لتقرير مصيره وفقا لقرارات الأمم المتحدة والهيئات الإقليمية ذات الصلة، كما أبرز دعم الأفالان لكفاح الشعب الفلسطيني وتنديده بمخطط تهويد القدس وضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى الآثار الإسرائيلية في اعتداء فاضح وهو رهان إسرائيلي خاسر لا محالة، على حد تعبيره.
وبالتوازي مع انعقاد جلسة صلح فلسطينية بين وفدي فتح وحماس بواسطة جبهوية، شجب بلخادم حالة الانقسام الفلسطيني ودعا الفلسطينيين لوضع القضية الأم فوق كل اعتبار، وإزالة كل الشوائب التي تعثر بسببها الحوار الفلسطيني.
وأشار بلخادم أيضا إلى احتلال العراق وما ترتب عن ذلك من تداعيات واضحة للعيان، معربا عن أمله في أن تقود الانتخابات التشريعية العراقية المنظمة مؤخرا إلى إخراج العراق من محنته بعيدا عن الطائفية والعنف، تماما مثل إعرابه عن قلق الجبهويين حيال ما يجري على أرض الصومال، وما يُحاك ضدّ السودان الشقيق وأرض الجولان السورية العربية، إضافة إلى ما يُمارس من تهميش ضدّ تركيا ودول إسلامية أخرى كأفغانستان وباكستان وغيرهما، والخلط المقصود بين حق الشعوب في المقاومة والتحرر وآفة الإرهاب.
وجدّد بلخادم تنديده بالإجراءات التمييزية الغربية الأخيرة ضدّ الجزائر، وصنّف ذلك ضمن خلفية غربية تريد المساس بالكرامة والضغط المباشر وغير المباشر للسيطرة على ثروات الدول تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
حضور لافت لوجوه بارزة وطنيا ودوليا
شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التاسع لجبهة التحرير، حضورا مكثفا لعديد الوجوه البارزة وطنيا ودوليا، حيث حضر الوزير الأول “احمد أويحيى” الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، وغالبية الوزراء، فضلا عن الرئيس السابق “الشاذلي بن جديد”، “لويزة حنون” الأمينة العامة لحزب العمال و”نور الدين بن براهم”، “أبو جرة سلطاني” رئيس حركة مجتمع السلم، “نور الدين بن براهم” القائد العام للكشافة الجزائرية، إضافة إلى وجوه معروفة إقليميا ودوليا على غرار الرئيس الصحراوي” محمد عبد العزيز”، الدكتور مصطفى إسماعيل مستشار الرئيس السوداني “عمر البشير”، “أسامة حمدان” و”زكي مشعل” القياديان في حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين، وكذا “عبد الله الأحمر” الأمين العام المساعد لحزب البعث الاشتراكي السوري، والأمين العام للتجمع الدستوري التونسي، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، ووفود عن حركة أمل اللبنانية وأحزاب ليبية وموريتانية ويمنية، وكذا الحزب الشيوعي الصيني والحزب الفيتنامي وكوريا الشمالية وكوبا واليونان وتانزانيا والموزمبيق.
هذا ويُرتقب أن يشهد المؤتمر التاسع مناقشة ست لوائح هي:القانون الأساسي، الهياكل، البرنامج العام، العلاقات الخارجية، المنطلقات الفكرية، ورسالة الفاتح نوفمبر، علما أنّه جرى ضبط هذه اللوائح الشهر الماضي من لدن الهيئة التنفيذية والمجلس الوطني واللجنة التحضيرية للمؤتمر، هذه الأخيرة كشفت مؤخرا عن تمسك الأفالان ببيان الفاتح نوفمبر كمرجعية رئيسة للحزب ومناداتها بتكريس الوطنية المحررة، وسيبحث المؤتمرون سبل تفعيلها.