تنتهي سنة كاملة من التحولات المالية الإقليمية والعالمية التي وازتها سياسة اقتصادية متزنة للدولة الجزائرية من اجل ضمان نهج ثابت لمسيرة التنمية في البلاد،في ظل أزمة اقتصادية عالمية لا تزال تعصف بعواصم المال والأعمال.
وفي سباق مع الزمن ومن اجل بناء اقتصاد وطني متنوع لا تتحكم فيه عائدات المحروقات، نهجت الدولة الجزائرية مسارا حمائيا من خلال تطبيق إستراتيجية تشجع الإنتاج الوطني وتقلص من نسبة الواردات مع دعم مستمر للتوازن الاجتماعي، وقد جسدت هذه الإستراتيجية على مراحل كانت أولاها المصادقة على قانون المالية التكميلي لسنة 2009.
تشجيع الإنتاج الوطني محور قانون المالية التكميلي 2009
تضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009 مجموعة من الإجراءات التي ترمي إلى تشجيع الإنتاج الوطني و التقليص من الاستيراد و محاربة ظاهرة الغش الضريبي التي أضرت بالاقتصاد الوطني لسنوات عديدة كما تضمن القانون التكميلي تدابير لتكييف القانون الضريبي مع المقاييس المحاسبية وذلك من اجل ضمان حياد المخطط المحاسبي و التمويل من الموارد الجبائية للدولة .
ومن بين أهم الإجراءات التي تم استحداثها من اجل محاربة الغش الجبائي:
* فرض الحصول على رقم التعريف الجبائي لكل عمليات التوطين البنكي و الجمركة .
* وقف تصدير نفايات المعادن غير الحديدية.
* منع استيراد الآلات أو التجهيزات المستعملة أو المجددة بضمان و فرض استيراد منتجات التجهيز في حالتها الجديدة.
*تقوم إدارة الجمارك بمراقبة مطابقة البضائع مع التصاريح في الجمارك قبل إرسالها باتجاه المنطقة الجمركية و تقوم بهذه المراقبة شركات معتمدة طبقا للقانون الساري المفعول، وذلك بهدف الوقاية من الاختناق لأي أسباب كانت على مستوى المناطق المينائية و خارج الموانئ و كذا من الآثار المترتبة في معالجة البضائع.
وعن الإجراءات الرامية إلى تقليص الواردات :
* تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على مصدري بعض البلدان وفرض نفس التدابير و الإجراءات التي تطبق على المصدرين الجزائريين في بلدانهم .
المادة 58 – الفقرة 04:
*لا يمكن لأي شخص مادي أو معنوي القيام بنشاط تجاري خارج شراكة تمثل نسبة المساهمة الوطنية فيها ما لا يقل عن 30 بالمائة .
المادة 32:
*تطبيق نسبة الضريبة الخاصة بالهاتف النقال على قيمة التعبئة بالنسبة للشهر.
*يسدد المنتوج من قبل المتعاملين لقابض الضرائب المختص اقيليميا خلال عشرين يوما من الشهر الموالي .
* لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تنعكس قيمة الضريبة على سعر البطاقة أو قيمة التعبئة.
المادة 63:
* حيث تحتسب الضريبة التوطين البنكي لمستوردي الخدمات على قيمة كل فاتورة أو كل وثيقة مع أخذ مكان توطينها بعين الاعتبار.
* تخص الضريبة كل تحويل للتوطين تم ابتداء من 30 جويلية 2009 بما فيها ما يتعلق بعقود استيراد الخدمات الموطنة قبل هذا التاريخ.
* تطبق الضريبة كذلك على تحويل التوطين لحساب الدفع في إطار “الهندسة و التموين و البناء” من قبل المؤسسات المستقرة في إطار اتفاقيات جبائية بين البلدين وكذا الشركات الأجنبية لصالح مقرها.
المادة 66 :الفقرة الثانية
* وجوب حضور صاحب السجل التجاري أو مسير المؤسسة المستوردة لتطبيق جملة الإجراءات المصرفية المتعلقة بنشاط الاستيراد و المراقبة على مستوى الحدود.
المادة67:
*فرض استعمال القرض الوثائقي فقط، و يقتصر تطبيق هذه المادة على واردات السلع التي تفوق قيمتها 100.000 دج خالص مع الشحن المباشرة من قبل متعاملين اقتصاديين خواص.
المواد 50 و 67 و 69 الفقرة الثانية:
*الاستمرار في التكفل بعمليات استيراد السلع التي تمت مباشرتها قبل تاريخ 4 أوت 2009 بإثبات وثائق التحويل.
المادة 75:
*لا يسمح للبنوك و المؤسسات المصرفية منح قروض للخواص إلا في إطار القروض العقارية.
* كلمة “بنك” يجب أن تأخذ بالمفهوم الواسع للعبارة و يجب أن تعني “بنك ومؤسسات مصرفية”، و من ثم فان المؤسسات المصرفية معنية هي الأخرى بتطبيق هذه المادة.
قانون المالية 2010.. محاربة البطالة ودعم الاستثمار
و يقوم تاطير الاقتصاد الكلي للقانون على نسبة نمو متوقعة للناتج الداخلي الخام قيمتها 4 بالمائة (5ر5 بالمائة خارج المحروقات) و سعر متوسط لبرميل البترول قدره 37 دولارا و نسبة تضخم 5ر3 بالمائة و واردات تقارب ال37 مليار دولار،كما يتوقع نص القانون نفقات قدرها 5860 مليار دج و عائدات قيمتها 3081 مليار دج .
ويتضمن القانون أيضا ميزانية تسيير قدرها 2838 مليار دج و نفقات تجهيز و استثمار ب3332 مليار دج، أما نسبة التضخم فيتوقع أن تصل إلى 3,5 % بينما ستبلغ الواردات حوالي 37 مليار دولار خلال سنة 2010، وستتم تغطية العجز الميزاني المتوقع من المتوفر من أموال صندوق ضبط الإيرادات الذي يفوق رصيده 4000 مليار دج، وفيما يخص الإجراءات القانونية الواردة في مشروع القانون فإنها تتمثل أساسا في تسهيلات دفع الضريبة على الدخل الإجمالي وتطبيق النظام المحاسبي المالي الجديد إلى جانب جملة من التدابير لفائدة الاستثمار.
و وزع الغلاف الخاص بالسياسة الاجتماعية والمقدر ب 1000 مليار دج إلى:
* 453 مليار دج لدعم للمؤسسات الاستشفائية بزيادة تفوق 8%.
* 37مليار دج للمساهمة السنوية في صندوق احتياطي التقاعد.
* 190 مليار دج للمساعدات العمومية الموجهة لدفع منح التقاعد والمنح الضعيفة وللتعويضات الإضافية الموجهة للمتقاعدين وأصحاب المعاشات من مختلف الشرائح الاجتماعية.
* 260 مليار دج لدعم أسعار الحبوب والحليب والماء ونقل البضائع إلى جانب الخدمات التي تقدمها مؤسسات عمومية ذات طابع اقتصادي لفائدة السكان من خلال.
* 29 مليار دج لفائدة المتمدرسين من أبناء الأسر المحرومة والزيادات في منح الطلبة والمتربصين ابتداء من دخول 6.
*10 ملايير دج لتعويضات ضحايا الإرهاب والمأساة الوطنية.
* 230 مليار دج لتبعات مراجعة الأجر الوطني الأدنى المضمون وتطبيق النظام الجديد لتعويضات الموظفين.
* ما يزيد عن 100 مليار دج منها 84 مليار دج لتمويل منح التضامن الجزافية وإنشاء مناصب شغل مؤقتة و24 مليار دج لجهاز المساعدة على الاندماج المهني.
*10 ملايير دج موجهة لصناديق الضمان الاجتماعي تعويضا عن تخفيضات الاشتراك التي يستفيد منها أرباب العمل في إطار إجراءات تشجيع المؤسسات على إنشاء مناصب الشغل.
* 250 مليار دج لتشجيع تشغيل الشباب والاستثمار الاقتصادي منها 38 مليار دج مساعدات لإنشاء مناصب الشغل من قبل الشباب
* 106 ملايير دج لمساعدات الاستثمار الفلاحي .
* 100 مليار دج لدعم الاستثمار الصناعي.
ومما ساهم في توفير الموارد المالية الضرورية لتنفيذ برنامج التنمية المسطر في قانون المالية لسنة 2010 :
*تخلص البلاد من المديونية الخارجية.
*تقليصها من الديون الداخلية .
*استغلالها للموارد المالية والمتولدة من تراكمات بقايا الميزانيات المالية منذ سنة 2000 م.
وعلى غرار بلدان العالم أثرت الأزمة العالمية على الوضع الاقتصادي الاجتماعي للجزائر الذي تسيطر مدا خيل المحروقات عليه بنسبة 98 في المائة، حيث كشفت الأرقام الأخيرة عن تراجع الصادرات خلال الشهور التسعة الأخيرة لهذه السنة بنسبة 40,45 في المائة مسجلة 5,39 مليار دولار بدل41,72 مليار دولار،كما تراجع فائض الميزان التجاري إلى 2,4 مليار دولار، بدل 35,36 مليار دولار، وجاء هذا التراجع نتيجة انخفاض أسعار البترول في الأسواق الدولية بعدما بلغت عتبة 149 مليار دولار في مرحلة سابقة.
ثمار الإصلاح:
بالرغم من هذه الآثار عرف الاقتصاد الوطني سنة 2009 تحسنا ملحوظا بفضل النتائج الإيجابية المحققة في قطاعات الفلاحة، الصناعة، البناء، الأشغال العمومية، السكن والخدمات حسبما أكده تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، الذي أشار إلى أن الجزائر استطاعت تجنب هذه الأزمة بفضل احتياطي النقد الذي مكنها من تغطية ثلاث سنوات من الواردات وبفضل الأموال المحفوظة في صندوق ضبط الإيرادات التي بإمكانها امتصاص عجز الميزانيات لمدة لا تقل عن سنتين.
واعتبر المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي أن نسبة النمو خارج المحروقات التي تراوحت ما بين 5ر10 بالمائة و11 بالمائة نسبة معتبرة موضحا أن النفقات العمومية المكثفة وقطاع البناء والأشغال العمومية ساعدت على دفع هذا النمو. مشيرا إلى أن الإنتاج الصناعي يبقى معتدلا نوعا ما وهذا بالرغم من الزيادة الكبيرة في الطلب الداخلي، بحيث يعرف الإنتاج الصناعي في القطاع العمومي تطورا كبيرا منذ 2008 بتسجيله نموا بـ3.5بالمائة في نوفمبر 2009 مثلما هو الشأن في قطاع النسيج الذي بلغت نسبة نموه 4.3 بالمائة.
وقد أكد المجلس أن الدولة ستركز جهودها لتعزيز وتنويع القاعدة الاقتصادية الجزائرية بالاهتمام بترقية الاستثمارات في قطاع الفلاحة والصناعة وكذا الاهتمام بالمحروقات من خلال البحث والتنقيب عن استكشافات جديدة للنفط والغاز وفقا لما يقره قانون المالية التكميلي لسنة 2009 الذي يمنح امتيازات للبحث والتنمية.
وقد عرف قطاع السكن ديناميكية سجلت نسبة نمو به ناهزت 7,22 في المائة، حيث سلمت 827565 وحدة سكنية عام ، 2008 وهي مدرجة في البرنامج الخماسي السابق في انتظار تسليم أزيد من 01 مليون سكن نهاية السنة الجارية.
كما عرف قطاع الفلاحة انتعاشا استثنائيا هذا العام ميزه وفرة إنتاج الحبوب والبطاطا بفعل تحفيزات السياسة الوطنية الخاصة بتطوير القطاع والتجديد الريفي لأول مرة يصل إنتاج الحبوب إلى 2,61 مليون قنطار، بدل 17 مليون قنطار للموسم السابق 2007 -2008 وساهم القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية بمحو مديونية الفلاحين المقدرة بـ 41 مليار دينار في هذا الانتعاش أيضا .
وفي نفس السياق كشفت أرقام المركز الوطني للإعلام الآلي التابع للجمارك عن انخفاض في حجم الواردات المتعلقة بالمواد الغذائية حيث ناهزت 384 مليون دولار خلال نوفمبر المنصرم بعدما كانت تقارب 572 مليون دولار متراجعة بنسبة 87,32 في المائة، وشملت مسالة تراجع فاتورة الاستيراد الخاصة بالحليب ومشتقاته والحبوب والسميد والبقول حيث هبطت قيمة الأولى إلى 28 مليون دولار بدل 74 مليون دولار متراجعة بنسبة 16,62 في المائة في وقت بلغت الثانية على التوالي 106 مليون دولار بدل 272 مليون دولار و31 مليون دولار بدل 40 مليون دولار.
هذا وأشار تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي إلى تراجع البطالة تواصل في 2009 بنسبة تراوحت من 10.9 إلى11 بالمائة بفضل نجاعة النشاطات خارج المحروقات التي قد تبلغ نسبة نموها إلى 11 بالمائة وكذا مواصلة برامج دعم التشغيل التي بادرت بها الحكومة منذ 2009 ،حيث تم خلال السداسي الأول من خلق 758.000 منصب شغل النصف منها أي 377.431 تابعة لقطاع الأشغال ذات المنفعة العمومية، ويسيطر على مناصب الشغل التي تم خلقها خلال نفس الفترة مناصب الانتظار مع تسجيل تحسن في مساهمة المؤسسات العمومية.
كما أكد التقرير أنه قد تم بين سنة 2000 و2008 رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون ثلاث مرات وبالتالي ارتفع بمعدل سنوي بـ9.8 بالمائة فيما ارتفعت نسبة التضخم بمعدل سنوي يقدر بـ3.2 بالمائة، علما أن المعدل السنوي لوتيرة الارتفاع خلال هذه الفترة أعلى من معدل التضخم، حيث ارتفع هذا الأجر بمعدل سنوي يقدر بـ7.8 بالمائة فيما ارتفع المعدل السنوي للتضخم بـ4.4 بالمائة.
ويبقى الرهان الأساسي بالنسبة للاقتصاد الجزائري في إمكانية تحقيق تنويع في مصادر المداخيل سواء كانت داخلية اوخارجية من اجل التقليص من الاعتماد على المحروقات كمدا خيل رئيسية، وهو ما سيتواصل مع البرنامج الحكومي الذي يعمل على حث المؤسسات الجزائرية على التسلح بالتأهيل والرفع من الإنتاج الوطني ليس فقط من اجل إشباع السوق الجزائرية بل للتصدير أيضا.