تعهد وفد المساعدين التشريعيين للكونغرس الأمريكي، هذا الأربعاء، بمراجعة الإجراءات التمييزية الأخيرة ضدّ الجزائر. كما اعترف الوفد المؤلف من 13 عضوا بإحراز الجزائر تقدما على عدة مستويات، وإعجابهم بتجربتها الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي حلقة نقاش نظّمها مركز الشعب للدراسات الإستراتجية، صرّح “ميكاييل ألكسندر” الأمين العام للجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية على مستوى مجلس الشيوخ الأمريكي، إنّ الوفد البرلماني الأمريكي سينقل جميع انشغالات الجزائر، خصوصا تلك المتعلقة بالموقف الأمريكي الخاص بتشديد الرقابة على مستوى المطارات ضدّ رعايا عديد الدول بينها الجزائر.
وأفاد “ميكاييل ألكسندر” أنّ وزارة الداخلية الأمريكية ستنظر بعين الاهتمام، واعدا بإعادة النظر في التدابير المستحدثة ضدّ المواطنين الجزائريين.
بدوره، شدّد “محند برقوق”، رئيس مركز الشعب للدراسات الإستراتجية، على رفض الجزائر القاطع لقرار السلطات الأمريكية القاضي بإدراج الرعايا الجزائريين ضمن قائمة البلدان التي سيتم إخضاع مواطنيها لإجراءات مراقبة خاصة نحو أو من نقاط الدخول الجوية الأمريكية.
وأضاف برقوق أنّ بلدا مثل الجزائر عانى من الإرهاب لا يقبل بأي حال أن يوضع على قائمة سوداء، خصوصا وأنّ الجزائر لم تسجل أي اعتداء منذ الحادي عشر ديسمبر 2007، خلافا لأمريكا التي طالتها محاولة اعتداء في 25 ديسمبر الفائت.
في جانب آخر، ركّز أعضاء الوفد الأمريكي الذين يزورون الجزائر حاليا، على أنّ جولتهم سمحت لهم بالاطلاع على مواقف الدولة الجزائرية من عدة قضايا حسّاسة غداة لقاءات جمعت الوفد برئيس مجلس الأمة “عبد القادر بن صالح” ورئيس المجلس الشعبي الوطني “عبد العزيز زياري”، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالعائلة وقضايا المرأة “نوّارة سعدية جعفر”، إضافة إلى “مصطفى فاروق قسنطيني” رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان وكذا ممثلين عن مختلف الوزارات وأعضاء مؤسسين للحركة النسوية الجزائرية للتضامن مع العائلة الريفية.
وأبدى “ميكاييل ألكسندر” رغبة الجانب الأمريكي لتبادل الخبرات مع الجزائر، ونقل ما وصفها “التجربة الديمقراطية الأمريكية العريقة في مجال التشريع”، وفيما ألّح ألكسندر على تجذير التعاون التقليدي القائم بين المؤسستين التشريعيتين للبلدين منذ عدة سنوات، أكّد “ديفيد كوبرن” العضو في الكونغرس على المنحى المتطوّر للشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، إذ اعتبره مشجعا ولا يقتصر على الجانب الأمني ومكافحة الإرهاب، بل يتعداهما إلى مجالات أخرى.
حتمية لعب واشنطن دورا حاسما في قضية الصحراء
خاض الخبير السياسي الجزائري د/محند برقوق في حيثيات القضية الصحراوية وما يتعرض له الصحراويون، مبرزا أنّ الأمر يتعلق بقضية تصفية استعمار تمس عضوا مؤسسا للاتحاد الإفريقي، وأضاف أنّ الجزائر تساند الصحراويين في مسعاهم إلى التحرر كما فعلت مع بلدان مستعمرة أخرى.
وفي سياق ردّه عن انشغالات الوفد الأمريكي، شدّد برقوق، على أنّ الجزائر ليست طرفا في القضية الصحراوية بل هي بلد مراقب مثل موريتانيا للأوضاع السائدة في جمهورية الصحراء الغربية وما يحدث هناك من ممارسات مغربية غير إنسانية في صورة مسلسل الانتهاكات ضدّ الصحراويين وآخرهم ما حدث للمناضلة الرمز “أميناتو حيدر”، بالتزامن مع مخططات توطين مغاربة داخل الأراضي الصحراوية، وما يرافقها من تضاعف قيمة النفقات العسكرية المغربية، حيث أنفقت الرباط ما يربو عن 5.1 مليارات دولار على التسلح.
واعتبر برقوق أنّ المسألة الراهنة تخص سبل حماية شعب محاصر، قائلا إنّ 175 ألف رجل أمن مغربي يفرضون قيودا ومضايقات ضدّ شعب صحراوي أعزل، في وقت ضربت الرباط عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية جنيف، ما دعا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر إلى الجزم بأنّ الولايات المتحدة فشلت في حماية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، مهيبا بواشنطن للعب دورها في حماية حقوق الإنسان بالصحراء الغربية.
كما لاحظ برقوق أنّ ليس هناك أي بلد اعترف بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية بما فيها فرنسا ذاتها، مثمّنا جولة روس الأخيرة إلى المنطقة، والتي نسجت على منوال الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للعاهل المغربي “محمد السادس” في جويلية المنقضي، وما رافقها – يسجّل برقوق – من زوال مجموعات الضغط التي كانت مسيطرة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.
والتقى برقوق مع أعضاء الوفد الأمريكي في كون روس الذي يمتلك شخصية متميّزة، يمكنه تسجيل تقدّم نوعي، خصوصا مع التصريحات الأخيرة للعديد من ممثلي الإدارة الأمريكية وتركيز المسؤولين الأمريكيين على حتمية تطبيق القانون الدولي، حتى وإن كانت الأشياء حسب برقوق، رهينة القانون الدولي واللعبة الدبلوماسية وقضية حماية المصالح، في إشارة منه إلى تهديد فرنسا بإشهار حق النقض، إذا ما جرى ترسيم مادة تخص حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
اهتمام أمريكي بالتجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
أظهر الوفد الأمريكي اهتماما بالغا بالاستفادة من التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب، حيث وصفتها رئيسة الوفد بـ”الثرية والمفيدة للعالم”، ما دفعهم لإبداء رغبة واشنطن للحصول على مزيد من تفاصيل هذه التجربة التي رأى د/ برقوق أنّها ترتكز إستيراتجيا على ثلاثة أسس: عملية ووقائية وإستباقية.
وتعليقا على كلمة “ديفيد كوبرن” عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، ذكر الدكتور برقوق أنّ الجزائر التي عانت مطوّلا من ظاهرة الإرهاب، سعت منذ سنة 1993 إلى دعوة المجتمع الدولي إلى تبني اتفاقية عالمية حول مكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة لتعزيز التعاون الدولي في مواجهة الآفة، بجانب إلحاح الجزائر على ضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة والكفاح ضدّ التحرّر.
وبمقابل إبرازهم دور الجزائر الطلائعي وخبرتها الكبرى في مكافحة الإرهاب، فضلا عن دورها الحاسم في إصدار الهيئة الأممية قرارا يجرّم تقديم الفدية للإرهابيين، شدّد مسؤولو مركز الشعب على أنّ الإرهاب لا يكتسي طابعا دينيا أو عرقيا، بل هو “ظاهرة عابرة للقارات” تتطلب شراكة دولية فعّالة.
واستدلّ برقوق بتواجد 1400 إرهابي في أفغانستان، إضافة إلى تنفيذ هجمات الحادي عشر سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف مجموعة أجنبية، وفسّر برقوق هذه الظاهرة بالتداخل الموجود بين قوى دولية في مناطق ساخنة ومجموعات متطرّفة، محذرا من أشكال أخرى للإرهاب مستقبلا سيتسّع فيها مفعول العنف والتطرّف لاسيما في حال استمرار احتلال العراق.
وانتقد برقوق محاولات البعض لربط الإرهاب بنقص الديمقراطية والفقر، معبّرا عن مخاوف من أن يتحول ما يحدث الآن في اليمن إلى بؤرة للإرهاب، خصوصا إذا ما ظهرت مجموعة منشقة عن القاعدة ما سيزيد من تعقيد الأوضاع على حد تعبيره.
مشكلة منطقة الساحل جهوية حلها كامن في إطار جهوي
ردا على استفسار “فانس شيرسوك” المساعد القانوني للسيناتور “جوزيف ليبرمان”، أورد د/برقوق أنّ منطقة الساحل منطقة متشعبة ومفتوحة على محاذير الجريمة المنظمّة والاتجّار بالبشر والإرهاب، زادها توترا تنامي الحركات الإجرامية القادمة من إفريقيا السوداء.
وإذ لاحظ برقوق أنّ مجتمعات الساحل صوفية لا سلفية، فإنّه ألّح على أنّ المشكلة جهوية ويجب حلّها في إطار جهوي مع الاعتراف بالدور الريادي للجزائر.