استلقى في وسط الطريق دون أن يأبه للسيارات من حوله وراح يحمل العلم الوطني بيد وجواز السفر باليد الأخرى يتكلم ويصرخ عاليا "..الدم ديالنا غالي.."، فيما كان مناصر آخر يلوح بصور الإعتداءات التي نشرتها الشروق على صفحتين وهو يردد عاليا "شوفو واش داروا في صحابنا .. رايحين للسودان ويالوكان نبيعوا ذهب أمهاتنا .. منعيدوش ونروحوا نجيب ثار أصحابنا..".
تعددت صور ملحمة مناصرة الخضر من باب الوادي إلى درارية، عين البنيان، اسطاوالي، القبة، حسين داي، باش جراح، الحراش .. الكل ذاهب لم تعد المباراة الفاصلة بالخرطوم تعني للمناصرين الظفر بتأشيرة الذهاب للمونديال بقدر ما أصبحت تعني مباراة العودة بعزة من أهينوا في الأرض التي يقولون عنها إنها أرض الحضارة.
الساعة التاسعة صباحا كل شوارع العاصمة مغلقة بما فيها الطرق السريعة حتى أن أعوان الأمن وجدوا صعوبة كبيرة في فك خناق الرواق الأصفر، كانت أرقام السيارات تشير إلى مختلف الولايات منها حتى الولايات الجنوبية، بعض من التقينا بهم كانوا يسأل عن إمكانية الذهاب إلى السودان برا منهم "خالد" كان رفقة أربعة من أصدقائه على سيارة رباعية الدفع يرد قائلا: "مستعد للذهاب برا المهم أن أصل السودان".
طوارئ في الدوائر والبلديات للحصول على جوازات السفر
وشهدت البلديات والدوائر حالة من الإستنفار حيث اكتظت الأكشاك الخاصة بمصالح استخراج جوازات السفر عن آخرها، وفيما سهلت بعض الدوائر إمكانية الحصول على جواز السفر في أقل من 24 ساعة تماطلت بعض الدوائر حيث قامت بمنح مدة يومين من أجل جاهزية الجواز مما خلق اجواء مشحونة أمام الدوائر على غرار دائرتي الدار البيضاء وبراقي، من جهة أخرى نقلت عملية بيع التذاكر الخاصة بنقل المناصرين باتجاه ملعب 05 جويلية لفك الخناق على مقرات الخطوط الجوية بشارع العربي بن مهيدي، قبل أن يتم فتح عملية أكشاك بيع التذاكر في مطار هواري بومدين بعد الواحدة زوالا.
لم يعد يهم بالنسبة للمناصرين الدوس على قوانين المرور، في شارع العربي بن مهيدي المعروف بـ "أودان" حركة المرور خانقة مشاهد تقشعر لها الأبدان وفي تعبير شعبي عن ما تعرض له الأنصار في مصر وبغض النظر عن الطريقة فإن غيرة الجزائريين والمناصرين ورؤيتهم لمشاهد "الحڤرة" في مصر دفعتهم لحمل بعض المناصرين لتابوت فارغ ووضعوا عليه العلم المصري وقاموا بحمله في صورة أشبه بالجنازة المهيبة مرددين "جيش شعب بالروح بالدم معاك يا الخضرا"، في إشارة واضحة إلى رد الثأر لكل من أهان وداس العلم الوطني، وجاب المناصرون بهذا التابوت على طول طريق شارع العربي بن مهيدي في أكبر شوارع العاصمة.
الساعة الحادية عشرة والنصف عندما انطلقنا من مقر جريدة الشروق اليومي باتجاه المطار كان صعبا علينا اختراق الطريق السريع، الحركة متوقفة مشاهد مرعبة صنعها المناصرون على طول الطريق وهم يحملون جوازات سفرهم بيد والراية الوطنية باليد الأخرى، يبدو الأمر وكأنه يتعلق بمعركة ستجري على أرض الخرطوم، حيث شكل المناصرون أنفسهم في جمعيات عبر الأحياء عمد بعضهم إلى تدوين أسامي كل الراغبين في الذهاب إلى السودان ولعل المفارقة الغريبة أن منظمي جمعية مناصري الخضر كانوا يقومون بتحديد مواصفات معينة للذهاب إلى السودان اشتراط السن، البنية الجسدية وموافقة الأهل على الذهاب يقول أحد المناصرين "..أحنا رجال ومنتهانوش رايحين باه نربحوا وانصفوا حساب خاوتنا إلي نظربو..".
شباب يسددون تكاليف تذاكر أصدقائهم وآباء يستغنون عن كبش العيد
وارتفعت حمى مساندة الخضر لنهار أمس بعد قرار رئيس الجمهورية تخفيض سعر التذكرة من 90 ألف إلى 20 ألف دينار مع مجانية الدخول إلى الملعب وإلغاء التأشيرة على الجزائريين بالنسبة للسفارة السودانية، غير أن الكثير من المناصرين ممن وجد صعوبة في الحصول على سعر التذكرة اضطر إلى الإستدانة أو بيع هاتف النقال ومن المناصرين منهم حتى من استغنى على ثمن شراء كبش العيد، فالكثير ممن التقينا بهم وهم في طريقهم إلى المطار قالوا لنا إن عيد الأضحى لهذا الموسم لن يكون له طعم إلا إذا انتصر الخضر.
وخلال الجولة التي قادت الشروق اليومي لنهار أمس في شوارع العاصمة لاحظنا الحشود الجماهيرية وهي تغزو مكاتب الخطوط الجوية والوكالات التابعة لها من أجل الحصول على التذكرة الكم الهائل من المناصرين وهم في طريقهم نحو العاصمة السودانية الخرطوم، أوحى بمؤشرات أولى على وجود دعم قوي للمباراة في ملعب المريخ، حيث لم يتردد المناصرون من الذهاب إلى الخرطوم بالرغم من صور الإعتداء الذي تعرض له المناصرون الجزائرون في القاهرة.
كما قام بعض الشباب المناصر بنشر وتوزيع مجانا على المناصرين مناشير دونت عليها أسامي الوكالات السياحية بأرقامها الهاتفية وعناوينها لضمان راحة المناصرين في الخرطوم، وقام هؤلاء المناصرون أيضا بتقديم خدمات الوكالات السياحية وتوزيع خرائط تظهر المناطق الجغرافية وملعب المريخ في السودان وتحديد المسافة بيننا وبين السودان، وهي المعلومات التي تم استقاؤها من السفارة السودانية المتواجدة بأعالي حيدرة.
المصريون في الجزائر في آمان
عكس ما روجت له وسائل الإعلام الخاصة المصرية من تعرض المصريين في الجزائر للضرب والإعتداء كذب سكان كل من حي الجرف وسوركال، والصومام بباب الزوار تعرض المصريين للضرب، أو الإعتداء عليهم وبأنهم هم الجبناء ممن فضلوا غلق الباب على أنفسهم والصراخ مثل النساء يقول أحد المناصرين بالجرف ممن اتصل بالشروق قائلا: "نحن رجال أولاد الثوار لا أحد سيمس المصريين بأذى هم من أغلقوا باب منازلهم وراحوا يصرخون مثل النساء نريد الشرطة نريد الذهاب إلى مصر .. ". وعند سماعنا لصراخهم اعتقدنا أن الأمر يتعلق بالإعتداء عليهم حيث قاموا بأنفسهم بتخريب المنازل التي استأجروها عند حصولهم على تذاكر مغادرة الجزائر باتجاه مصر، انه نفس السيناريو الذي صنعوه للفريق الوطني عندما اتهموا اللاعبين بتكسير زجاج الحافلة وضرب أنفسهم".
وفتحت ليلة أمس في ساعات متأخرة من الليل قناة الحياة الخاصة المصرية حصة خاصة باستقبال مكالمات النجدة من المصريين المتواجدين في الجزائر، حيث كان يتحدث هؤلاء المصريون عن مضايقات وتكسير الجزائريين للأبواب عليهم والإعتداء عليهم وهم يبكون ويصرخون، وهو ما كذبه في الصباح السكان معتبرين أن ما سمعوه كان تمثيلية هزلية من قبل المصريين، حيث أن بعض المحلات المصرية تعرضت للاعتداء دون أن يلمس الجزائريون المصريون بأذى.