2010.11.17 قادة بن عمار/جمال / أ /توفيق عمارة
ملحمة أم درمان
السحر انقلب على الساحر ... وجنرالات الفتنة شربوا من كأسهم المرّ
المتجوّل في بعض مناطق وولايات الوطن، يدرك أن قصة أم درمان لم تكتب حلقتها النهائية بعد، حتى وإن أسدلنا الستار على معارك المونديال وما بعده، وانسحب العديد من شخوص الملحمة، من الواجهة، وتخلوا عن بطولتهم المطلقة لصالح الآخرين، وفي مقدمة هؤلاء المدرب رابح سعدان.
لكن القصة لم تنته بعد، بل إنها فتحت الفضاء واسعا للحديث في عدة تغييرات بالمجالين الإعلامي والرياضي، وأطلقت العنان لمناقشة واقع العلاقات العربية، حين تتسبب مباراة في كرة القدم بخدشها، وتتحول بنظر شعبين من أكبر الشعوب في المنطقة، إلى فيصل للعيش معا، أو الطلاق بالتراض؟ !
علاء صادق الصوت الإعلامي الأكثر عقلا وتفتحا على الحدث بكل تفاصيله، لامس المشكلة من العمق، ونكأ في جراحها بكل هدوء، مستندا على خبرة سنوات طويلة في تحليل واقع ما تعيشه العلاقة بين الجزائر ومصر، حيث قال للشروق على هامش تكريمه قبل أسبوع، "لقد بدأت المشكلة في مصر، لكنها تضخمت بمرور الأيام، حتى بات من أطلقوها لا يعرفون كيف يوقفونها، خصوصا بعدما جاء رد الفعل قويا من الجزائر". هكذا يحلل علاء صادق بدايات الأزمة، معترفا أن مصريين يقفون وراء إطلاق المارد من قمقمه، وتحديدا، عمرو أديب، إبراهيم حجازي، مدحت شلبي، مصطفى عبده، محمد فؤاد، تامر أمين، وغيرهم من الفنانين والرياضيين، قبل أن يلتحق بهم بصورة مفاجئة، الكابتن أحمد شوبير سعيا لكسب ود أبناء الرئيس مبارك في معركة انتخابية لاحقة؟ !
أين هم رموز الفتنة؟ !
والغريب أنه في الوقت الذي كان من المفروض أن يعاقب فيه رموز الفتنة، جاءت قرارات وزير الإعلام، أنس الفقي، ليلاحق صوت العقل، ممثلا في الدكتور علاء صادق، الذي قال مبشرا المصريين والجزائريين، من دعاة الحوار، وإعادة ترميم العلاقات الطبيعية بين الشعبين، أن مرحلة مدحت شلبي، ذاهبة إلى زوال، وسيبقى العقل والحكمة، وحدهما من يحدد العلاقة بين الجزائريين والمصريين " .
لكن دعاء الجزائريين على جنرالات الفتنة، أتى بثماره، فعمرو أديب، يوجد الآن متشردا بين القنوات، عقب إغلاق فضائية الأوربت وطرده من أستديوهات القاهرة، ومدحت شلبي يواجه تهما بالفساد رفقة عرّابه الأول وولي نعمته، علاء زاهر، ومصطفى عبده يبدو المرشح الأقرب لوقف برنامجه من طرف وزارة الإعلام في إطار ترشيد البرامج الرياضية، وغضب صاحب قناة دريم أحمد بهجت عليه، وأحمد شوبير مرشح لفضيحة انتخابية صاخبة في دائرته طنطا عقب ترشح منافس قوي ضده، ناهيك على أن مشاكله مع القاضي السابق مرتضى منصور لم تنته بعد في ساحات القضاء؟!... ولكن ماذا بعد؟ !
الجزائريون مع الصلح ... بشروط !
يرى الجزائريون، أو فئات واسعة منهم، خصوصا أولئك الذين ترد تعليقاتهم على موقع الشروق أون لاين، أن إعادة ترميم العلاقة بين مصر والجزائر، ما يزال حلا قائما، لكنه لن ينجح، إلا بتقوية وتعزيز أصوات العقل لمعسكرهم في وسائل الإعلام، مقابل خفت أصوات البقية، أو منعهم من إثارة الشغب الإعلامي مجددا؟ !
وفي هذا الصدد، يرى خبراء الإعلام في العالم العربي، أن أصوات إعلامية على غرار مصطفى عبده وإبراهيم حجازي، وغيرهما، ليست خطرا على الجزائر، وإنما تمثل خطرا على مصر في المقام الأول، والدليل أن هذه الأصوات أثارت بعد أم درمان، فتنا مع دول وشعوب أخرى، على غرار السعودية والكويت، والسودان ومؤخرا تونس؟ !
ماذا غيّرت فينا أم درمان؟ !
غيّرت ملحمة أم درمان في سلوك الجزائريين كثيرا، أعادت إحياء علاقتهم مع كرة القدم التي كانوا قد فقدوا نشوة الفرح بها، أو انتظار نتائجها، كما أنها مهدّت لكثير من التغييرات في حياتهم العادية، نلخصها في بعض الأمور التالية..
- قبل أم درمان، لم يكن الجزائريون ينتبهون لأحوال منتخبهم الوطني، وقبل تصفيات كأس العالم مع مصر، والمقابلة الأولى في جوان، كانت أخبار الخضر، حبيسة المناصرين الأوفياء، لكن ملحمة أم درمان، صالحت بين الجزائريين والكرة، وبينهم وبين الفريق الوطني بشكل جديد، ومثير للانتباه .
- تسببت ملحمة أم درمان في مقاطعة الجزائريين لكل ما هو مصري، وهي المقاطعة المستمرة حتى الآن لأصوات الفتنة، بعدما كانت عامة، والدليل أن الجزائريين يرحبون بأصوات العقل إذا تكلمت، على غرار علاء صادق، علما أن المقاطعة الفنية عبر التلفزيون والإذاعة، ما تزال قائمة ورسمية حتى إشعار آخر. كما عززت في المقابل، هذه الأحداث علاقة الجزائريين بصحافتهم، وفي مقدمتها الشروق التي وصلت إلى أكبر سحب في تاريخ الجزائر المستقلة، بمليوني نسخة يوميا، وهو الأمر الذي عكس توافق الأطروحات التي دافعت عنها الشروق مع معظم الجزائريين الذين لامسوا فيها فخرهم وخط الدفاع الأول عن كرامتهم .
-أم درمان أنعشت علاقة الجزائريين بتاريخهم، وأعادت الشهداء مجددا إلى واقع الجزائريين وحاضرهم، بعدما كانت استعادة ذكراهم لا تتم إلا في المناسبات، حيث بينت الأحداث الأخيرة، التي تلت هجوم عدد من المصريين على تاريخ الجزائريين، تعلق هؤلاء بكل التفاصيل الدقيقة فيه، وبات البعض يشكر المصريين صراحة على أنهم نبشوا في ذاكرتنا، ولو بمعاول الهدم، حيث أدى تراكم الهدم إلى إعادة بناء الجزائريين لعلاقتهم بتاريخ بلادهم .
-أدت أحداث أم درمان، لإعادة رفع الأصوات المنادية بترشيد البرامج الرياضية في القنوات الفضائية، حيث تأكد الجميع، أن الوضع حين تفجر الأحداث ليس شبيها بالوضع الآن، بل إن الكثير من أصوات الفتنة، تراجعت إلى جحرها، وباتت تنادي بالتعقل، ولا تغامر كثيرا في نبش الخلافات، لأنها أدركت أن أي نار تشعلها ستكون لها آثارا خطيرة عليها أولا .