اوريشاك - في قبو معتم يحتفظ ساندو وليليانا ما يكفيهما من الطعام المصنع منزليا حتى يمكنهما البقاء على قيد الحياة مهما حل بقريتهم الجبلية سواء كان الكساد أو شتاء بارد.
وبغض النظر عن مستوى المعيشة والمكانة الاجتماعية ما من عائلة بلغارية لا تحتفظ ببرطمان من المخللات المصنعة منزليا وهو ما كان يفضله شخصيا الدكتاتور الراحل تودور جيفكوف ورئيس الوزراء الحالي بويكو بوريسوف.
وتفيد بيانات مؤسسة استطلاعات الرأي المستقلة ميديانا ان سكان بلغاريا البالغ تعدادهم 7.6 مليون نسمة ينفقون على الطعام 40 في المئة من اجورهم وانهم صنعوا نحو 208 ملايين برطمان من المؤن المختلفة اي مئة برطمان لكل أسرة في المتوسط عام 2008 .
وقالت ليليانا ترينتشيفا (60 عاما) وهي تفتح برطمانا لعصير الطماطم واخر من الخيار المخلل للصحفيين لتذوقهما "لا شيء يفوق الاطعمة المصنعة منزليا."
وقال زوجها ساندو (60 عاما) وهو يفتح زجاجة يعلوها التراب من البراندي المصنع منزليا من البرقوق "لا نشتري من السوق سوى الجبن والزيت والسكر والخبز والكوكاكولا."
وعادة تخزين الاطعمة في الشتاء باللغة البلغارية هي " زيمنينا" وهي مشتقة من كلمة زيما ومعناها الشتاء وترجع لقرون عديدة مرتبطة بالحاجة والروابط العائلية والشعور الوطني.
وساعدت هذه العادة شعوب شرق اوروبا على تجاوز عقود من التقشف في الحقبة الشيوعية وما اعقبها من ازمات اقتصادية وارتفاع هائل لنسبة التضخم في التسعينات.
وبالنسبة لكثير من البلغار الذين يبلغ متوسط اجورهم الشهرية 300 يورو (430 دولارا) ومعاشات تقاعدهم 80 يورو وهي الاقل في الاتحاد الاوروبي تظل هذه العادة شريان حياة خاصة بعد ان انهى الكساد نموا دام 12 عاما.
وقال جورجي جورجييف (52 عاما) بائع الخضر في أكبر سوق في شوارع العاصمة صوفيا "حين تذبح خنزيرين وتملا برميلا بالكرنب المخلل وتصنع الفواكه المحفوظة والبراندي المصنع من الفاكهة والنبيذ يمكنك البقاء على قيد الحياة."
وبلغت عمليات تخزين الطعام في الشتاء ذروتها في الحقبة الشيوعية حين كان نقص الغذاء والطوابير الطويلة من الامور الشائعة. وابتكر البلغار شواية فلفل كهربائية خاصة تستخدم على نطاق واسع في شرفات المنازل مع تجمع الاسر لطهي مخزونها من صلصة الطماطم والفلفل وتعرف باسم "ليوتنيتسا".
ويقول نيكولاي فوكوف من معهد الفولكلور الشعبي في اكاديمية العلوم البلغارية "تحضير مؤن الشتاء له اهمية كبرى في الاقتصاد الاشتراكي.
"رفاهية تناول فاكهة (خلال الشتاء) لم تكن واردة ما لم تكن محفوظة."
وازدهرت صناعة الاغذية المعلبة. وساعدت صادرات الاغذية المحفوظة بلغاريا على اطعام جيوش حلف وارسو وباعت 800 الف طن للكتلة السوفيتية والمانيا وانجلترا سنويا. وتربت عدة اجيال من الروس على الخضروات البلغارية المطهية المعلبة.
واليوم لا تزيد الصادرات عن 100 الف طن سنويا وتذهب الى المانيا واستراليا والولايات المتحدة لتلبية الطلب من المهاجرين البلغار والروس.
وتراجع في العقد الاخير انتاج المؤن الشتوية بصفة خاصة في المدن مع ارتفاع مستوى المعيشة.
وتراجعت حصة المربى المصنعة منزليا والفلفل والباذنجان المشوي والمخللات وغيرها من اجمالي استهلاك الغذاء لنحو 15 في المئة في العام الماضي من 39 في المئة عام 1998 .
ولكن حتى من لا يقومون بتجهيز المؤن الشتوية بانفسهم يشترون من المتاجر تلك التي تحمل علامة مصنعة منزليا او يحصلون عليها من اقاربهم في الريف. واعتاد الناس الوصفات التي لا تعتمد على المواد الحافظة.
ويقول اسن تشاوشيف من اكبر طهاة الحقبة الشيوعية والذي يدرس الان فن الطهي في اشهر كلية فندقية في بلغاريا "لا يتعلق الامر بالميزانية ولا النقود.. لكن يريد الناس تناول ما اعتادوا عليه."
وفي اوريشاك التي تقع وسط سلسلة جبال البلقان بوسط بلغاريا يقول ساندو وليليانا ان المنتجات الصناعية لا تضاهي جودة الاغذية المصنعة منزليا.
وتقول ليليانا "انها شهية.. نحب ان نحتفظ بمخزون جيد فأنت لا تعرف ما سيحدث العام التالي."
ويذهب عدد كبير من البرطمانات للخارج لافراد الاسرة الذين يقولون ان ما من شيء يضارع المنتج المحلي.
وتقول انكا كانيفا (62 عاما) من اوريشاك ايضا "تحمل ابنتي بذورا بلغارية لاسبانيا لتزرع الطماطم والفلفل بنفسها. لا تحب الطماطم والفلفل الاسباني."