صحيح أن شبيبة القبائل فازت وأقنعت أنصارها.. صحيح أن لقاءها مع الأهلي انتهى كما نحب ونشتهي كجزائريين.. صحيح أننا قضينا سهرة جميلة بعد اللقاء ونمنا بكل فرح وسرور.. ولكن هذا كله لا يعفينا من سؤال نطرحه بكل هدوء وبدون أية حسابات.. السؤال يقول: ما هي جنسية مخرج المباراة؟
يعلم الكل أن إخراج مباريات كرة القدم فن قائم بذاته، وأن له مختصين وطرقا معينة للتعامل مع كل لقطة، كما يعلم الجميع أيضا أن التلفزيون الجزائري امتلك في الآونة الأخيرة كافة التسهيلات والإمكانات المادية والتقنية التي تتيح له أن يوفر نقلا تلفزيونيا محترما لمقابلة كرة قدم، خصوصا في " ملعب أول نوفمبر " حيث الأجواء المناخية جيدة وحيث توجد مساحات معقولة لتنصيب الكاميرات .
ومع الحساسية البالغة للمباراة، وما سبقها من ادعاءات من بعض الإعلاميين المصريين، فإن أي مهتم بكرة القدم سيفترض أن مخرج المباراة سيكون حريصا جدا لدى نقله للقاء، ويجيد التحكم في أدواته وإنتقاء صوره ليوفر للمشاهد أفضل فرصة للاطلاع على كافة جوانب اللقاء.
للأسف هذا لم يحصل، فهدف النادي الأهلي كان تسللا واضحا ويسمع به من ختم الله على آذانهم، لكن مخرجنا العزيز استغرق وقتا ليكتشف هذا، واستغرق مثله ليبحث عن الصورة على المباشر وبطريقة العرض السريع، ثم استغرق وقتا أطول ليعرض حالة التسلل، ويبدو أنه ربما شك في حدوث التسلل فأعاد عرض اللقطة بشكل ثانٍ يغطي حالة التسلل !
ولم تكن هذه هي الفقرة الوحيدة المقررة علينا في العشاء الرياضي أمس، بل إن اللاعب "البلطجي" وائل جمعة لم يكتف بشتم حكم التماس بل صفعه، ولم يكتف بذلك أيضا بل صفع رجل أمن جزائري، وتعاون معه أصدقاؤه المحترمون في باقي المهمة التي لا تشرف كرة القدم، وفي هذه الأثناء كان مخرج اللقاء خارج التغطية، فقد التقط صورة عامة بعيدة لا توضح شيئا بل تظهر وكأن لاعبي الأهلي يتلقون هجوما !
قد يكون صعبا على مشاهد عادي أن يفهم حقيقة ما حدث، ولكن المخرج الذي لديه كاميرا من أحدث ما يكون على خط التماس يكون قد شاهد الاعتداء على حكم التماس فور وقوعه، وكان يكفي المخرج أن يأخذ صورة الاعتداء ويعرضها كي يفهم جميع المشاهدين ما حدث، ولأن مخرجنا العزيز قد تجاوزته الأحداث فقد صور أشياء أخرى، من الجماهير إلى أرضية الميدان، إلى نقاشات لاعبين بعيدين عن الموضوع.. لكن الصورة المهمة واللقطة الحاسمة ظلت غائبة، واضطررنا كمشاهدين إلى انتظار أن يتفطن مخرج قناة "الجزيرة" لما حدث ويعيد بث الصور من الاستوديو! ولولا أن مخرج " الجزيرة " كان حاذقا لكنا على الأرجح اقتنعنا أن " البلطجي " تعرض لاعتداء !
طبعا لن نتحدث عن مهازل إخراجية أخرى في اللقاء، ولا عن عدم إدارة التصوير بالشكل اللازم، ولا عن البطء في التنقل بين الكاميرات وتصوير لقطات هامشية لا معنى لها.. لن نتحدث عن هذا كله، ولكننا سنتحدث عن دور المخرج في التفاعل مع صور الاعتداء على حكم التماس، فهذا التعامل يضرب في الصميم احترافية المخرج، ويعني أنه لم يكن حاضرا نفسيا ولا ذهنيا لإدارة هذه المباراة تلفزيونيا، وقد تسبّب في أن يعتقد كثير من المشاهدين أن "البلطجي" ضحية قوات الأمن الجزائرية.. مع أن هؤلاء قد حاولوا حماية حكم التماس.. وكانوا ضحايا لـ"بلطجة" لاعب لا يفرق بين الاحتجاج والمصارعة.. ولسنا نفهم كيف أمكن لمخرج خارج نطاق التغطية أن يكلَّف بتغطية لقاء بمثل هذه الحساسية؟ كما لا نفهم أن يكون المخرج متأخرا سنوات ضوئية عن أبجديات التعامل السليم مع الوضعيات التي وجد فيها نفسه، كما لا نفهم في أي مكان كان عقله والمباراة تكاد تفقد معنى كرة القدم لتتحول إلى حلبة مصارعة.. إن الذين يفهمون دور الإعلام يدركون تماما أن صور الاعتداء على المنتخب الوطني في القاهرة هي التي أدانت المتسببين في تلك المأساة رغم أنها التقطت في ظروف صعبة ومن طرف فريق صحفي كان عرضة للهجوم، ثم اللاعب الدولي سابقا رفيق صايفي كان مخرجا فوق العادة في تلك الأحداث بل وأكثر حنكة من مخرج مباراة أول أمس، لكن المتأخرين عن الفهم يمكنهم أن يغطوا مقابلة مثل لقاء شبيبة القبائل بالنادي الأهلي ثم لا يستطيعون أن يعرضوا أهم لقطاتها رغم أن كل ظروف نجاح التغطية كانت حاضرة .. إنها قلة مسؤولية وقلة كفاءة وفوق ذلك هي عدم مهنية وعدم معرفة وعدم احترام للجمهور وبكلمة واحدة هي رداءة !