شدّد برلمانيون، هذا الثلاثاء، على أنّ الأولوية لضبط النشاط التجاري وكبح السوق الموازية، ويربط نواب المجلس الشعب الوطني ضبط أسعار المواد الواسعة الاستهلاك في الجزائر بالتحكم في ظاهرة السوق الموازية، إضافة إلى ضمان حق المستهلك في “الإعلام الاستهلاكي” وهو ما يضفي الشفافية ويجعل المواطن عونا للدولة في الرقابة بما ينمي الحس المدني.
حفلت مناقشة تعديلات القانون المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية وكذا القانون المعدّل والمتمّم المتعلق بالمنافسة، بتدخلات عديدة لممثلي مختلف الكتل البرلمانية على مستوى الغرفة التشريعية السفلى، حيث أجمع الأعضاء على كون التعديلات الجديدة مفصلية على صعيد محاربة المضاربة والمحاباة والغش، لكنهم دعوا إلى حتمية مجابهة ظاهرة السوق الموازية التي صارت حسب خبراء ومتعاملين وبالا ينهك الاقتصاد الوطني تبعا لتداول ناشطيه للمليارات بمعزل عن أي ضريبة أو جباية.
ونبّه ذهب النائبان حكيم لعماد والطاهر بسباس إلى ما تشكله السوق الموازية من خطر مزمن لطالما تسبب في شروخات منذ سنوات طويلة، ونادى كلاهما بتنظيم أكبر للأسواق العمومية، وتدعيم أعوان الرقابة على مستوى السوق الموازية، مع تسريع عملية تفعيل مجلس المنافسة، واعتبرا أنّ بقاء الأخير على الهامش، فضلا عن محدودية الروح التنافسية والجودة، تشكل أسبابا لإخفاقات الاقتصاد الوطني في السنوات الأخيرة.
بدوره، ذكر النائب “عبد الحميد عبد الله” أنّ الدولة ليس بإمكانها ضبط السوق إذا لم تحارب السوق الموازية التي تتم على مستواها أغلب التعاملات التجارية الوطنية، مبرزا في الوقت نفسه ضرورة مراقبة توزيع المنتوجات المستوردة التي غالبا ما تتم بغير فوترة للتهرب من الضرائب.
واحترز نواب آخرون على شروط القيد في السجل التجاري، ورأى أنّها تتناقض مع ما تنص عليه مؤسسات إعادة إدماج المساجين مهنيا، مشددا على تطبيق القوانين على السوق الموازية والمضاربين الذين يقفون ورائها، فضلا عن مراقبة الأسواق الوطنية وفق منطق العرض والطلب.
بينما ارتأى النائب “رشيد يايسي” عن كتلة حركة الإصلاح، اقتراح مقاربة منهجية يمكن من خلالها استيعاب السوق الموازية وجعلها تتناغم وتتجاوب مع الاتجاه العام للبلاد، كما ألّح يايسي في مداخلته على حساسية المنافسة وانعكاسها إيجابا على المستهلكين خصوصا على أهبة حلول شهر رمضان.
وفيما انتقد يايسي الدور الباهت لمجلس المنافسة وغياب تقاريره، لاحظ النائب “عبد القادر قاسم قوادري” عن كتلة حركة مجتمع السلم، أنّ بنود القانونين المُشار إليهما موجّهة أساسا لصغار التجار وتجار التجزئة، بينما الاختلالات يتسبب فيها كبار التجار ومن نعتهم (البارونات) مستدلا بما يحدث في سوق الاسمنت والحديد، فضلا عن احتكار البعض لسبعين بالمائة من واردات المواد الأساسية، وهم المسقفون الأساسيون للأسعار، مثلما قال، ورأى أنّه ما لم يعالج أصل المرض، فإنّ المضاربات والانحرافات ستستمر، على حد تعبيره.
من جهته، ثمّن “رمضان تعزيبت” عن كتلة العمال، قانوني المنافسة والتجارة، وقال إنّهما تصحيحيان وصائبان على منوال قانون المالية التكميلي 2009 وقيام الأخير بتقويم المسار الاقتصادي الوطني، وهو ما أيّده النائب كمال بوكرش الذي ألّح كذلك على إذكاء المنافسة وتعزيز قدرات المنتجين.
من جانبه، رأى النائب “العربي علاّل” من كتلة حمس، أنّه من الأجدى عدم اعتماد الأساليب (البوليسية)، مثلما ورد على لسانه، في معالجة ممارسات السوق الموازية، وقال أنّ الحل في حل قانوني تدريجي يؤطر هذه السوق، ما يقتضي قدرا أكبر من التصحيحات من خلال إعادة فتح المساحات الكبرى ووسمه بـ”القرار السيادي”.
واتفق”أمين علوش” مع “حكيم صاحب” عن كتلة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، في حتمية الاحتكام إلى آلية العرض والطلب، والإشكال يكمن حسبهما في الافتقاد إلى استيراتجية واضحة، وأشارا إلى كون قانون حماية المستهلك الذي دخل حيز التنفيذ منذ العام الماضي، لم يحل دون وقف الفوضى.
وألهب “علي بن سبقاق” عن كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، سجال المداخلات بتأكيده على استيعاب التجار الحقيقيين واستبعاد من سماهم (التجار المزيفين)، ملحا إلى التقليل من أعداد الوسطاء الذين يضاربون في الأسعار، بما يربك القواعد المطبقة على الممارسات التجارية.
واتسعت المناقشات البرلمانية اليوم، لتتطرق إلى ضبط المنظومة التجارية دون المساس بمبدأ حرية اقتصاد السوق، إذ بارك غالبية النواب الميكانيزمات المُرتقب اعتمادها لمحاربة حالات ارتفاع الأسعار غير المبررة للمواد الاستيراتجية، لكنهم طالبوا بتقوية أداء أعوان الرقابة، معتبرين تطبيق هذه الآليات في الميدان لإيقاف اضطرابات السوق، مرهونا بصرامة الرقابة التي تخضع في الكثير من الأحيان للمحاباة والرشوة.
ورأى فريق من النواب، أنّ الحل يكمن بالنسبة للحكومة في التموين الدائم للسوق عن طريق الإنتاج والاستيراد، معتبرين أنّ إشكال غلاء الأسعار حاليا يرجع إلى عدم وجود تصور واضح لسياسة ضبط السوق ولعدم تفعيل آليات الرقابة.