يكثرفي شهر الصوم تناول الأطعمة الدسمة والمقلية، ويواجه الكثيرون صعوبات في عملهم على جعل الغذاء وسيلة لخفض الارتفاع في نسبة كولسترول الدم، وتقليل احتمالات إصابتهم بأمراض شرايين القلب.
ولكن هناك العديد من الحلول الغذائية، والتي تتناسب جدا مع تناول وجبات الإفطار والسحور. وهو ما يجعل من صوم نهار أيام هذا الشهر فرصة للعمل بنجاح على خفض الكولسترول..
وأساس فهم الأمر هو إدراك أن 80 في المائة من الكولسترول الموجود في الدم مصدره إنتاج الكبد لهذه المادة الشمعية، و20 في المائة الباقية تدخل الدم قادمة مع الطعام الذي نتناوله، أي مع أكل منتجات غذائية تحتوي كميات عالية أو متوسطة من مادة الكولسترول..
وعلينا الإدراك أيضا أن السلوك الغذائي، أو الحمية الغذائية، المطلوب من الإنسان إتباعها بغية خفض نسبة كولسترول الدم، تشمل ثلاثة مسارات يهدف أولاها إلى تقليل إنتاج الكبد لمادة الكولسترول، أي تقليل تناول المواد الغذائية التي تثير عادة عملية إنتاج الكبد للكولسترول، مثل الدهون الحيوانية المشبعة، الموجودة في اللحوم والشحوم، وكذلك الدهون المتحولة، الموجودة في الزيوت النباتية المهدرجة، التي تكون متوفرة في المقليات والحلويات وغيرها. ولذا فإن أولى وأهم خطوات خفض الكولسترول، عدم تناول الدهون المتحولة تماما، وتقليل تناول الدهون المشبعة. وهذه الخطوة أهم بكثير من تقليل تناول كولسترول الطعام.
ويستهدف الطريق الثاني إلى تقليل فرصة دخول كولسترول الطعام إلى الجسم، أي تقليل تناول المنتجات الغذائية المحتوية بشكل مباشر على مادة الكولسترول.
والكولسترول موجود فقط في المنتجات الحيوانية، من لحوم ومشتقات ألبان وبيض وأسماك وحيوانات بحرية، ولا يوجد في المنتجات النباتية بجميع أنواعها، وتحديدا لا يوجد في أي نوع من الزيوت النباتية الطبيعية على الإطلاق. مع ملاحظة أن الكولسترول لا تمتصه الأمعاء إلا إذا كان مصاحبا للدهون المشبعة. ولذا هناك فرق بين تناول لحم الضأن أو البقر أو الحليب، وتناول البيض أو الروبيان. ذلك أن البيض والروبيان في حد ذاتهما يحتويان على كولسترول ولكنهما لا يحتويان على دهون مشبعة. بينما في اللحم الحيواني ومشتقات الألبان يمتزج الكولسترول مع الدهون المشبعة..
أما الاتجاه الثالث فيقودنا بنا إلى تناول المنتجات الغذائية المحتوية على مواد تسهم في خفض نسبة كولسترول الدم، إما عبر عملها على تقليل امتصاص الأمعاء للكولسترول وغيره من المواد التي تثير الكبد لإنتاج مزيد من الكولسترول، وإما عملها المباشر على خفض إنتاج الكبد للكولسترول، أو عملها بتقليل فرص ترسيب الكولسترول داخل الشرايين ومنع تراكم الكولسترول فيها. والعناصر التي تؤدي إلى هذه الفوائد هي الدهون غير المشبعة، بنوعيها الأحادي والعديد، ونوع الألياف النباتية الذائبة، ومواد ستانول النباتية، ودهون «أوميغا ـ 3» في زيت السمك.
وتعتبر حبوب الشوفان، وبذور الكتان، وزيت الزيتون، والجوز والمكسرات الأطعمة الأربعة الأكثر احتواء لهذه العناصر، وتساهم بشكل فاعل في خفض نسبة كولسترول الدم، هي:
حبوب الشوفان:
الت الرابطة الأميركية للتغذية عنه انه معروف جدا بفوائد الصحية على القلب، والتي تشمل خفض كولسترول الدم، وفيه مواد تقلل ارتفاع ضغط الدم. وعَزَت ذلك في جانب منه إلى المحتوى العالي من الألياف الذائبة في حبوب الشوفان. كما أنه يساعد في المحافظة على وزن الجسم ضمن المعدل الطبيعي، لأن تناوله يشعر الإنسان بالشبع لفترات طويلة. ونصحت الرابطة الأميركية للتغذية بإضافة الشوفان للحم الهمبرغر أو اللحم المفروم أو وجبات الخضراوات أو قطع حلوى المفن وغيرها. ويقول الباحثون من «مايوكلينك» إن الشوفان يحتوي على الألياف الذائبة، وهي التي تقلل نسبة الكولسترول الخفيف، والضار، في الدم. كما أنها تقلل من امتصاص الأمعاء للكولسترول.. .
و يحتاج الشخص البالغ إلى تناول 30 غراما من الألياف يوميا، ومن بين أنواع الألياف، تحتوي حبوب الشوفان على ألياف بيتا غلوكان ، وهي التي تخفض بالذات نسبة الكولسترول الخفيف في الدم. إضافة إلى احتواء الشوفان على المواد المضادة للأكسدة، والتي تخفف من ترسيب الكولسترول في جدران الشرايين القلبية..
وعلى الرغم من أن كمية الطاقة في كوب من الشوفان تقارب ما هو في موزة ونصف، فإن السكريات التي فيه تمتاز بأنها أقل سرعة في رفع نسبة سكر الدم مقارنة بما الحال عليه في الخبز من دقيق القمح الأبيض أو في حالة تناول الأرز الأبيض. وهذا الاختلاف يعتمد على مصطلح مهم في علم الغذاء وهو مؤشر السكر ، فالمنتجات الغذائية لا يُنظر إلى كمية ما تحتويه من سكريات بل أيضا إلى قدرتها على رفع نسبة سكر الدم عبر العوامل المتوفرة فيها إضافة إلى السكر والتي تتحكم في وتيرة امتصاصه. ومؤشر السكر في الشوفان متدنٍّ لوجود مادة بيتا غلوكين.
والصائم حينما يختار عناصر وجبة السحور، عليه أن ينتقي الأطعمة التي تظل وقتا طويلا في المعدة وتمتص الأمعاء محتوياتها من السكريات ببطء، كي يتم إمداد الجسم بالفوائد لأوقات طويلة، ولا يدخل سريعا إليه الشعور بالجوع.
ومن هنا تنبع أهمية تناول الشوفان أو جريش القمح في وجبة السحور، بعكس الأطعمة السريعة الامتصاص كالتمر وغيره المناسبة للإفطار. ولذا فإن لكل وجبة في أثناء صوم أيام هذا الشهر الكريم مواصفات، كي لا نشعر بالتعب من الصوم.
. الجوز والمكسرات :
وفق ما تقوله إدارة الغذاء والدواء الأميركية فإن تناول ما يملأ تقريبا الكف، أي نحو 40 غراما، يوميا من غالبية المكسرات، كالجوز أو اللوز أو الفستق الحلبي أو الصنوبر، يمكنه أن يقلل من خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب.
وما يميز المكسرات، احتواؤها على نوعية خفيفة وصحية من الزيوت النباتية غير المشبعة، وغناها بالألياف النباتية الذائبة، ووجود كمية من مواد ستانول النباتية والمضادة في عملها للكولسترول، ووفرة أنواع المواد المضادة للأكسدة بها. إضافة إلى المعادن والأملاح والفيتامينات الطبيعية والصحية للشرايين القلبية.
وكانت مجلة الكلية الأميركية لطب القلب قد نشرت في أكتوبر 2006 نتائج دراسة إسبانية لاحظت أن تناول ما يملأ الكف من الجوز، أو عين الجمل، مع الوجبات الغنية بالدهون الحيوانية المشبعة، يؤدي إلى حماية الشرايين القلبية من الآثار السلبية المحتملة لتك الشحوم الحيوانية. وقال الباحثون إن المحتوى العالي لـ«الدهون العديدة غير المشبعة» في الجوز، ومحتواها من المواد المضادة للأكسدة، ومركبات أرجنين ، يسهم في جعل الشرايين أكثر مرونة ويخفف من حدة عمليات الالتهابات فيها، ويقلل من احتمالات ترسب الكولسترول داخل جدرانها، ويخفض نسبة كولسترول الدم. ومركَّبات أرجنين هي الأساس في تكوين مركب أكسيد النتريك، وهو مادة موسّعة للشرايين.
وللذين يواجهون صعوبات في النوم في رمضان، نشرت مجلة التغذية الإكلينيكية الأميركية في سبتمبر 2005 نتائج دراسة الباحثين من جامعة تكساس حول دور الجوز في تسهيل الخلود للنوم. وأشارت إلى أن تناول أربع ثمار من الجوز يسهم في رفع نسبة هرمون ميلاتونين، وهو الهرمون الذي يساعدنا على النوم الطبيعي.
زيت الزيتون :
زيت الزيتون أحد أفضل المنتجات الغذائية في سبيل صحة القلب وغيره من أجهزته وأنظمته الحيوية. ومن المستبعد أن يكون هناك غذاء كزيت الزيتون في هذا الشأن. والميزة الأهم لزيت الزيتون، احتواؤه على نوعية عالية الجودة الصحية، وهي الدهون الأحادية غير المشبعة. إضافة إلى احتوائه على مركبات فينول ومجموعة أخرى من مضادات الأكسدة ومركَّبات مضادة للالتهابات والفيتامينات والمعادن. وكلما كان الزيت من النوعية البكر الممتازة، أي التي هي العصارة الأولية الطازجة والخالصة لثمار الزيتون، كانت الفوائد الصحية المباشرة على القلب والأوعية الدموية أعلى..
ويؤدي تناوُل زيت الزيتون إلى خفض نسبة الكولسترول الكلي في الدم، وإلى خفض نسبة الكولسترول الخفيف الضار، وإلى رفع نسبة الكولسترول الثقيل الحميد. وتعمل المواد المضادة للالتهابات في هذا الزيت، والشبيهة في عملها بأدوية الأسبرين والبروفين، على تهدئة نشاط عمليات الالتهابات داخل الشرايين القلبية التي حصلت فيها من قِبل ترسبات للكولسترول ،كما أن تناوله وسيلة ثابتة في خفض مقدار ضغط الدم بنسبة متوسطة، وهذا الخفض في مقدار ضغط الدم إن كان أقل من ذلك الذي يحصل مع الكولسترول، فإنه ذو تأثير مفيد للقلب والأوعية الدموية. وجزء من هذا الانخفاض في ضغط الدم ناجم عن احتواء زيت الزيتون على مركبات فينول. ومركبات فينول تزيد من فاعلية مركبات أوكسيد النتريك الموسعة أساسا للشرايين ،كما تسهم المواد المضادة للأكسدة الموجودة في زيت الزيتون في منع أكسدة الكولسترول المترسب داخل الشرايين، أي أنها تمنع ترسيخ وتثبت ترسيب الكولسترول هناك. وتعمل المواد المضادة للالتهابات على منع سهولة ترسب والتصاق الصفائح الدموية بعضها على بعض، وبخاصة داخل شرايين القلب، أي أشبه بالذي يقوم به دواء الأسبرين..
ونظرا لكل هذه الفوائد تنصح إدارة الغذاء والدواء الأميركية بتناول ملعقتين من زيت الزيتون، بوزن 23 غراما، كل يوم كي يمكن الحصول على فوائده الصحية. وعقّب باحثو «مايوكلينك» على هذه العبارة بالقول: وبعض الدراسات اقترحت أن تأثير خفض الكولسترول الناتج عن تناول زيت الزيتون، سيكون أعظم وأكبر إذا ما انتقيت الأنواع التي توصف بأنها «عصرة بكر ممتازة» ، وذلك لأنها أكثر احتواء على مضادات الأكسدة ذات التأثيرات الصحية على القلب..
بذور الكتان :
وهذه البذور الصغيرة غنية جدا بـ«الدهون العديدة غير المشبعة»، وغالبيتها من نوعية دهون «أوميغا ـ 3» لتي توجد بوفرة في الأسماك وزيت السمك. و«أوميغا ـ 3» هي من الدهون الأساسية، أي الدهون التي يحتاجها الجسم لا محالة، ولكنه لا يستطيع إنتاجها، ولذا يجب على الإنسان تناولها والحصول عليها من الغذاء، كي يستقيم عمل أجهزة الجسم. وبخلاف الأسماك والحيوانات البحرية التي تعد المصدر الأغنى لدهون «أوميغا ـ 3»، فإن بذور الكتان هي أعلى المنتجات النباتية احتواء على هذه النوعية المهمة من الدهون،.
ولدهون «أوميغا ـ 3» أعمال متعددة داخل الجسم. ذلك أنها تخفّ نسبة الدهون الثلاثية بالدم، وتقلل مقدار ضغط الدم، وتقلل نزعة الصفائح الدموية إلى التصاق بعضها بالبعض، وتخفف من حدة عمليات الالتهابات داخل مناطق الجسم المختلف
والمحتوى العالي لبذور الكتان من الألياف النباتية الذائبة يسهّل خفض الكولسترول الكلي للدم وخفض الكولسترول الخفيف الضار..
ولهذا فإن الإرشادات الغذائية للهيئات الطبية المعنية بصحة القلب، تضع بذور الكتان ضمن المنتجات الغذائية ذات القدرة على خفض الكولسترول، وعلى حماية الشرايين القلبية ،ويشير بعض الباحثين إلى تناول مطحون البذور بكمية ملعقتين من ملاعق الشاي يوميا دون أن يؤدي هذا إلى آثار جانبية على الأمعاء لكن بشكل متدرج. ويؤكد العديد من الأطباء في نشرات هارفارد وكليفلاند كلينك على فائدة تناول بذور الكتان لخفض الكولسترول، ولكنهم ينصحون المرضى بعدم التوقف عن تناول أدوية خفض الكولسترول عند تناول مسحوق بذور الكتان، بل يستمران معا.
يمكن إضافة بذور الكتان على الطبقة الخارجية للخبز، ويمكن إضافة مطحونها إلى السلطات والشوربة وأنواع من أطباق الخضار المطبوخة، وإلى معجنات الحلويات.
ولغناها بالألياف، فإن إضافتها إلى الأطباق المتناولة وقت السحور يفيد لجهة إبطاء الشعور بالشبع وإبطاء السرعة في امتصاص السكريات، ما يعني إطالة أمد استفادة أحدنا من وجبة السحور لساعات أطول.