معاناة من أجل ايصال المعلومة
لن ينسى الصحفيون الجزائريون ما عاشوه طيلة ثلاثة أيام في العاصمة الأنغولية لواندا التي وصلوها مساء الخميس الماضي لتغطية فعاليات كأس أمم إفريقيا السابعة والعشرين. والواقع أن عددا من الإعلاميين الجزائريين اختاروا السفر إلى أنغولا عبر وكالة سياحية تدعى "دام تور " ، لكنهم اكتشفوا بمجرد وصولهم أن كلام الوكالة شيء وواقع الأرض شيء مخالف تماما، ليقعوا في النهاية فريسة " مافيا " انغولية خطيرة لا تعرف الرحمة .
لما تغيب الإحترافية تحضر المهازل
المفاجأة الأولى التي صدمت الإعلاميين الذين اختاروا السفر مع الوكالة فوجئوا بغياب ممثل الوكالة الذي بقي في العاصمة ولم يرسل ممثلا واحدا عنه ولم يكن يعرف ربما أن زبائنه متوجهين إلى أنغولا، و ما أدراك ما انغولا..! ولا نشك لحظة واحدة في أن المشرفين على الوكالة السياحية يعرفون جيدا أن الوضع في لواندا فيه الكثير من المتاعب، وزيادة عن الغلاء الفاحش، هناك المخاطر ومشكل الإيواء الذي بقي شوكة في حلق المنظمين، فلم يجدوا له الحل المناسب. أما المفاجأة الثانية، فكانت اكتشاف موقع الفندق الذي اختير لإقامة 18 صحفيا، ورغم أن الفندق جديد ويبدو أنه شيد خصيصا بمناسبة كأس افريقيا، إلا أن تواجده في مكان معزول أثار الكثير من المخاوف لدى الوفد الصحفي، ناهيك عن غياب وسيلة نقل آمنة .
ابتزاز طول النهار .. وتهديد لم ينقطع
و يبدو أن "ممثلي" وكالة السفر في لواندا اغتنموا فرصة انفرادهم بالصحفيين وهذا طبعا في غياب الجاني الجزائري وراحوا يبتزون الإعلاميين الذين جاء أغلبهم بمصاريف متواضعة، ولم تتوقف المافيا المختصة في ابتزاز الأجانب عند هذا الحد، بل راحت تخترع وسائل جديدة وعديدة لجمع الدولارات بطريقة لا توصف . والغريب والمحزن في الأمر أن لصوص لواند سرعان ما يلجأون للتهديد لتحقيق مبتغاهم ويحققون فعلا هدفهم، لأن " ما باليد حيلة " كما يقال .
أسعار تجاوزت الخيال ...
وإذا كانت العاصمة الأنغولية لواندا واحدة من أغلى العواصم في العالم، وهو الأمر الذي لم نفهمه وقد لا نجد له تفسيرا أبدا، إلا أن الأسعار التي اقترحت فاقت كل التوقعات. وعادة ما تشعر الضحية بالغثيان، خاصة لما يتعلق الأمر بدفع مبالغ باهظة في أشياء تافهة. و إذا حاولنا استعراض أسعار بعض الخدمات كالنقل والهاتف والإيواء، فإن لا أحد سيصدقها ممن لم يزوروا هذا البلد. فقد دفع الإعلاميون الجزائريون ما قيمته عشرة آلاف دينار مقابل التنقل من الفندق إلى مركز الصحافة على مسافة لم تزد عن عشرة كيلومترات، أما الفنادق فقد حطمت أسعارها كل الأرقام إذ بلغت ثلاثين ألف دينار للغرفة الواحدة في مناطق معزولة، أما اكتراء سيارة صغيرة ليوم واحد فيكلف ثلاثين ألف دينار على الأقل .
صحفيون تائهون وسط الأشرار .. !
لم تتوقف متاعب البعثة الإعلامية الجزائرية عند حد الابتزاز و المساومات، بل امتد الأمر إلى التهديد صبيحة السبت الماضي عندما تلقى الصحفيون أمرا بإخلاء الفندق بسبب سوء تفاهم وقع بين وكالة "دام تور للأسفار" وصاحب الفندق الذي طالب برفع السعر، والنتيجة مجموعة من الإعلاميين مشردين طوال النهار، ليجدوا أنفسهم في منتصف الليل في مدينة بعيدة عن العاصمة. ولما رفضوا المبيت في فندق مشبوه تعرضوا للتهديد من طرف مسلحين قالوا إنهم رجال أمن الفندق. هذا ومرت ساعات و الصحفيون محاصرون داخل الحافلة تحت درجة حرارة لا تطاق، وكان عليهم دفع 800 دولار للإفراج عنهم على الساعة الثانية صباحا، ليتلقوا مكالمة من أحد الصحفيين يطالبهم بترك المكان فورا، لأن المكان غير آمن، وكان الحل الوحيد هو المبيت في دار للشباب مقابل 50 دولارا في أمن برفقة الصراصير وحشرات غريبة أخرى.
" الكان " ذكرى سيئة .. والكل يرفض الإهانة
ولم يتردد الكثير من الإعلاميين الذي عاشوا أياما عصيبة في لواندا في القول أنهم تأسفوا لما وصلت إليه الأمور وهم الذين كانوا يأملون في تغطية كأس الأمم التي تبقى في نظرهم حدثا هاما. أما الشباب منهم الذي يحضر لأول مرة لنهائيات كأس الأمم ويكتشف افريقيا السوداء، فقد خاب أملهم وشعروا بالإهانة لما تعرضوا له من مضايقات وتهديدات وهم الذين سددوا مبلغ اقامتهم قبل السفر إلى أنغولا .
وكان الاعتقاد السائد لدى الجميع هو الابتعاد مستقبلا عن التعامل مع غير المحترفين وخاصة و كالات الأسفار التي لا تحترم زبائنها ولا مهنتهم، و كان عليها مراعاة الجانب الإنساني على الأقل وهذا أضعف الإيمان.