العولمة
العولمة : ظاهرة وليدة و موضوع شائك يعيشها العالم اليوم لا رجعة فيها إلى الوراء , فإما أن نستوعبها و نتعاطى و نتفاعل معها و إما أن ننفعل فيها فيتجاوزنا التاريخ فنعيش على أطلاله.
فالعولمة بالإنجليزية The Globalization و بالفرنسية La Mondialisation .
وجاء في معجم sاwiber : هي اكتساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا .
و ترجم عن رونالد روبرتسون (Ronald Robertson) الذي يؤكد أنّ العولمة هي ” اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش ” . وهي لا تعني مجرد الانكماش الموضوعي للعالم، وإنما الأهم من الانكماش الذي حدث على صعيدي الزمان والمكان، هو ” وعي العالم لهذا الانكماش ” . فالعولمة، بهذا المعنى، تشير إلى ” وعي وإحساس الأفراد في كل مكان بأنّ العالم ينكمش، ويتقلص، ويقترب من بعضه بعضا . إدراك العالم لمثل هذه الحركة يعني أنّ العولمة قد أصبحت حقيقة حياتية معاشة في الواقع وفي الوعي ” .
كما ترجم عن أنتوني غيدنز (Anthony Giddens) فقد عرّف العولمة بأنها ” مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي، حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج، ويتم فيها ربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وإنسانية ” . لكنّ هذه الروابط، التي تزداد يوما بعد يوم، لا تعني أنّ البعد العالمي قد أنهى البعد المحلي، ولا تعني إلغاء المحلي إلغاء كاملا، ولا استبدال الداخل بالخارج . كل الذي تتضمنه العولمة، كامتداد وكنتيجة للحداثة، هو ” إضافة بعد جديد إلى الأبعاد المحلية، حيث يصبح العامل الخارجي بنفس حضور العامل الداخلي في تأثيره على سلوكيات وقناعات وأفكار الأفراد ” .
كما قال فيها صادق جلال العظم: هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ .
وحاول الدكتور صبري إسماعيل فقال : أن العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك يكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية وتحدث فيها تحولات على مختلف الصعد .
كما أبدا رائه فيها عبدا لله تركماني فقال :العولمة هي التدخل الواضح في أمور الاقتصاد ، والاجتماع ، والسياسة ، والثقافة ، والسلوك ، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد ، أو لدولة معينة ، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية .
وقد تنبأ انطون سعادة : فقال في كتابه نشوء الأمم : قد تصبح المجتمعات البشرية في يوم من الأيام مجتمعا” وحدا” و من يدري..
نشأة العولمة و تطورها : بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و سقوط ألمانيا النازية و أحلافها, أدى ذلك إلى تراجع عصر القوميات في العالم و بدأ شكل آخر من التجمعات ذات التوجه السياسي الاقتصادي المتقارب لتدافع عن اديولوجيتها مما حدا إلى وجود اديولوجيتين عامتين مختلفتين, البلاد ذات النهج الاشتراكي اليساري و ضم الاتحاد السوفيتي والصين و دول أوربا الشرقية و من دار بفلكها و البلاد ذات التوجه الرأسمالي و ضم الولايات المتحدة و دول أوربا الغربية و من دار بفلكها وقد شكل كل منها تجمعا مضادا للآخر سميت تلك الحقبة بالحرب الباردة.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي قائد التجمع الاشتراكي في العالم تفرد ت الولايات المتحدة وأدركت دول أوربا أن اجراص الخطر بدأت تدق أبوابها فخلقت ألمانيا و فرنسا نواة الكتلة الأوربية الجديدة و التي توسعت فيما بعد إلى سبعة دول و من ثم تسعة فإحدى عشر إلى خمسة و عشرون قريبا”
كذلك ظهور الصين كقوة اقتصادية عظمى و تشكيل كتلة دول الآسيان عزز وجود رادع عالمي للسيطرة الأمريكية.
وكما انه مع بداية ثورة المعلومات في بداية التسعينات و التي كانت أهم أسبابها ثورة الاتصالات فلم يعد نقل المعلومة من مكان إلى آخر في العالم يحتاج إلى أكثر من ثواني ذلك أدى إلى كسر الحواجز بين الشعوب فأصبح كل إنسان قادر أن يحصل على أي معلومة يحتاجها من أي مكان في العالم دون رادع أو رقيب فيما يسمى بالقرية الكونية.
أشكال العولمة :
العولمة السياسية : وهي عولمة الايدولوجيا و المصالح المشتركة كالنموذج الاندماجي الأوروبي الذي يقوم أساساً على تخلي الدول الأوروبية الطوعي عن بعض من مظاهر السيادة لصالح كيان أوروبي واحد و خلق البرلمان الأوروبي المشترك و فكرة الجيش الأوربي المشترك . كذلك مجموعة دول الآسيان و اتفاقياتها كذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تدور في فلكها.
العولمة الاقتصادية : كانت بوادرها السوق الأوربية المشتركة فالوحدة الأوربية و العملة الأوربية المشتركة اليورو.
ظهور بعض الاتفاقيات الاقتصادية العالمية كاتفاقية الغات و التي تطورت فيما بعد إلى منظمة التجارة العالمية
و المنظمات العالمية كصندوق النقد الدولي و غيرها و هي كثيرة ..
كما نذكر في هذا السياق تزايد القوة الاقتصادية والمالية التي تمثلها الشركات متعددة الجنسيات خاصة مع اتجاه بعضها نحو الاندماج والتكتل في كيانات أكبر بممارسة المزيد من الضغط على الحكومات وبخاصة في العالم الثالث، والتأثير على سياساتها وقراراتها السيادية، وليس بجديد القول إن رأسمال شركة واحدة من الشركات العالمية العملاقة يفوق إجمالي الدخل القومي لعشر أو خمس عشرة دولة إفريقية مجتمعة، وهو ما يجعل هذه الكيانات في وضع أقوى من الدول.
العولمة الثقافية و الاجتماعية : من بعض الأشكال التي أخذتها بعض المنظمات الأهلية غير الحكومية على الساحة السياسية العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة في المؤتمرات العالمية كمؤتمر “قمة الأرض”، في ريودي جانيرو، و”مؤتمر السكان”، في القاهرة، ومؤتمر “المرأة” في بكين، و”مؤتمر حقوق الإنسان” في فينا، وتأتي في مقدمة هذه المنظمات غير الحكومية منظمات البيئة “كمنظمة السلام الخضر”، و”منظمات حقوق الإنسان” كمنظمة “العفو الدولية”، والمنظمات النسائية كمنظمة “أخوات حول العالم”. جميع هذه المنظمات أخذت تعمل باستقلال تام عن الدول التي لم تعد قادرة على التحكم في نشاط وعمل هذه المنظمات.
كذلك لا بد أن ننوه في هذا السياق إلى عولمة اللغة و التي أخذت اللغة الإنجليزية دور الريادة في العالم لتصبح لغة البرمجيات و لغة التجارة العالمية و الاتفاقيات الدولية الخ ..
هنا لا بد أن ننوه انه لا يمكن النظر إلى أنواع العولمة التي طرحنا بتجرد و بشكل منفصل بل هي أي العولمة كتلة واحدة من التغيرات السريعة تشمل جميع نواحي الحياة البشرية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و هي مسار حتمي للتطور العالمي .
أية عولمة نريد:
وأين نحن من ذلك ..
جاء في اجتماع المجلس القومي في الحزب نقلا” عن ( عمدة الإذاعة والإعلام )
( لا جدوى من مواجهة العولمة في تحدياتها الثقافية والعسكرية عبر الهويات الكيانية المخلعة، بل يجب إعادة تشكيل القرية القومية، السبيل الوحيد الصالح للتعاطي مع ملفات العولمة، وذلك عبر التأسيس لمشروع نهضوي )
فأين هذا المشروع النهضوي الجديد ؟ و كيف يمكن أن يقوم ؟
فان تطرح الظاهرة ( أي العولمة ) شيء و أن تضع الحلول شيء آخر… فطرح المشكلة دون وضع آليات الحل هو في الحقيقة سفسطة ….
ففي ظل ما ورد سابقا نستطيع أن نقول فنعرف ( العولمة : بأنها ظاهرة تاريخية حتمية ترفع الحواجز بين جميع المجتمعات البشرية على كافة المستويات و في جميع نواحي الحياة ) .
و هنا نجد انه لا بد أن نطرح بعض الأسئلة ربما نجد الإجابة عليها
1- هل القوانين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في بلادنا قادرة على مواكبة عصر العولمة؟
2 – هل نحن مهيئون لخوض غمارها ؟
3- هل العولمة ايجابية بالمطلق؟ , سلبية بالمطلق ؟
4- هل يمكن أن نسخر العولمة لخدمة مصالحنا ؟ و كيف ؟
للجواب على السؤال الأول :
من الناحية السياسية لا تزال تحكم عقلية اغلب الطبقة السياسية في بلادنا إيديولوجيات متخلفة جامدة ستاتيكية إما على أساس( ديني أو طائفي أو عرقي ) أو على أساس ( قومي ) منغلق أو غير متجدد , أما الأولى فقد آن الأوان أن تغلق أبوابها بينما الثانية فلا بد لها أن تجدد في مصطلحاتها و استراتيجياتها و طرق تعاطيها في الأمور و كذلك في خطابها السياسي سيما مع الأجيال الجديدة ( الشباب ) فتخرج من الحلقة المفرغة التي سقطت فيها .
من الناحية الاقتصادية : ففي ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد حيث أن شركات متعددة الجنسيات التي تخطت كل الحدود و أصبحت ميزانياتها تتعدى ميزانية دولة أو مجموع ميزانيات عدة دول وكذلك المنظمات الاقتصادية الدولية و أهمها منظمة التجارة العالمية و قوانينها الانفتاحية الهائلة حيث لا مكان لصغير فيها .
نعم إن بلادنا فيها كل المقومات لخوض هذا الغمار دون خوف , الموقع الإستراتيجي , الثروات بأنواعها الخ..
من الناحية الاجتماعية : فلننفتح على المنظمات الاجتماعية العالمية و هي كثيرة فنتحاور معها و فلنأخذ منها و لنعطيها ..
أما السؤال الثاني : لا شك انه ينقصنا الكثير من الكوادر المؤهلة للخوض في غمارها و لكن هذا لا يعني انه لا يوجد كوادر, و لكن تقديرنا أنها غير كافية فلنستعين بالموجود و كذلك بالمغتربين في العالم من ذوي الخبرة و القدرة و لنتمم حاجاتنا ولنضع الآليات الناجعة لذلك.
و السؤال الثالث : لا نظن أنها ايجابية بالمطلق و بالتأكيد أنها غير سلبية بالمطلق ولكن الأكيد أنها حتمية بالمطلق .
أما السؤال الرابع : نعم يمكن ذلك بفهمها الصحيح و التعاطي معها بشكل حضاري و عصري بما لا يتعارض مع خصوصيات ثقافتنا العامة .
و اخيرا” نقول انه لا خوف منها اذا أحسنا التعاطي معها منذ الآن بحكمة و بعقل منفتح.. و البحث و النقد هنا مقبول و الحوار الديمقراطي مفتوح على مصراعيه …