[size=21][b]التحالف الإستراتيجي الأمريكي/ الإسرائيلي
Israeli-American Strategic Alliance
لا شك في أن القوى
الاستعمارية هي التي تبنَّت المشروع الصهيوني وتكفَّلت برعايته ووفرت له كل
أسباب النجاح. وحتى الحرب العالمية الثانية كانت أوربا القاعدة المركزية
للنشاط الصهيوني، وكانت بريطانيا الدولة العظمى التي تقود عملية إنشاء
الدولة الصهيونية في فلسطين. أما بعد التحـولات التي أخـذت تتبلور مع الحرب
العـالمية الثانية، فإن النشاط الصهيوني سارع في الانتقال إلى الولايات
المتحدة الأمريكية مركز القوة الجديد في الغرب، فكانت الولايات المتحدة أول
دولة تعترف بإسرائيل بعد دقائق من إعلان قيامها في 15 مايو 1948. وقد
أيَّدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة موقف إسرائيل من الصراع العربي
الإسرائيلي، باستثناء فترة العدوان الثلاثي سنة 1956.
ولكن الدعم العسكري
والاقتصادي ظل متواضعاً حتى منتصف الستينيات، حيث كانت إسرائيل تعتمد على
التعويضات الألمانية من الناحية الاقتصادية، وعلى السلاح الفرنسي من
الناحية العسكرية. وبدأ التبدُّل النوعي في العلاقة بين الطرفين مع تولي
لندون جونسون رئاسة الولايات المتحدة في وقت أصبح من الواضح فيه أنها وريثة
الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة وزعيمة العالم الغربي في عالم ما بعد
الاستعمار. وبذلك انطوت حقبة كاملة من السياسة التي تميَّزت بالتوازن
النسبي أحياناً أو الانحياز المحدود المقتصر على مؤسسة الرئاسة كما في
ولاية ترومان، وبدأت حقبة مختلفة مع جونسون اتسمت بالانحياز الجارف إلى
إسرائيل على جميع المستويات الرئاسية والحكومية وبخاصة بعد حرب 1967، حيث
أصبحت الولايات المتحدة المورِّد الأساسي للسلاح لإسرائيل.
وفي عهد الرئيس رونالد
ريجان قطعت هذه العلاقة مسافة أخرى على طريق التنسيق الإستراتيجي المتكامل،
حيث تم توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي لسنة 1981. وبعد أسابيع من
توقيعها أعلنت إسرائيل ضم مرتفعات الجولان السورية. وبعد عام، على وجه
التحديد، في يونيه 1982، قامت إسرائيل باجتياح جنوب لبنان ثم انضمت عام
1983 إلى مبادرة الدفاع الإستراتيجي الأمريكية (SAI)
بتوقـيع اتـفـاقية إسـتراتيجية أخرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حصلت
إسرائيل بموجبها على مكاسب جديدة وفُتحت أمامها آفاق جديدة من التعاون
والمسـاعدات الأمريكية. فلقـد تكفَّلت الولايات المتحـدة، في هـذه
الاتفاقية، بأن تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بشراء ما قيمته 200 مليون
دولار سنوياً من إسرائيل، كما سمحت للشركات الإسرائيلية بدخول المناقصات
التي تجريها وزارة الدفاع الأمريكية من أجل الحصول على عقود صنع السلاح.
كذلك حصلت إسرائيل على تعهُّد أمريكي بمدها بالمعلومات التي تحصل الولايات
المتحدة عليها في الشرق الأوسط عن طريق الأقمار الصناعية.
وفي عام 1985 وقَّعت
الحكومتان اتفاقية تم بمقتضاها إلغاء التعريفة الجمركية بينهما، أي قبل سبع
سنوات من إبرامها اتفاقية مماثلة مع جارتيها كندا والمكسيك. واستمرت إدارة
الرئيسين بوش وكلينتون في دعم إسرائيل (باستثناء موقف بوش بتجميد ضمانات
القروض لإسرائيل).
وفي مطلع عام 1986 تم
التوصل إلى عدد من الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين إسرائيل والولايات
المتحدة، ويستند التحالف الإستراتيجي الأمريكي /الإسرائيلي إلى مجموعة
متنوعة من الخدمات المميزة التي يمكـن أن توفرها إسـرائيل للولايات المتحدة
باعتبارها رصيداً إستراتيجياً، وهي تتمثل في:
* الموقع الجغرافي: إسرائيل
قاعدة انطلاق مثالية للقوات الأمريكية إذا هُدِّدت مصالح الولايات المتحدة
في الشرق الأوسط، وهو منطقة مهمة من الناحية الجيوبوليتيكية بسبب ما يحويه
من نفط ورؤوس أموال وأسواق. ومن المعروف أن نقل قوة لها شأنها إلى هذه
المنطقة يستغرق عدة أشهر، أما مع وجود إسـرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلا
إلى بضعة أيام.
* البنَى التحتية
والمواصلات والاتصالات: تستطيع القوات الأمريكية استخدام القواعد الجوية
والبحرية والبرية الإسرائيلية إما لهدف عسكري مباشر أو عمليات الإسناد أو
كقواعد وسيطة.
* البحث والتطوير
والاستخبارات: يمكن أن تستفيد القوات الأمريكية من الخبرات الحية للتجربة
العسكرية الإسرائيلية ومن المعلومات التي تجمعها إسرائيل عن المنطقة.
* القدرة الدفاعية: يمكن
استخدام القدرات العسكرية الإسرائيلية لحماية قوة تدخُّل أمريكية في الشرق
الأوسط، وخصوصاً أن سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على المجال الجوي.
وأنشطة البحث والتطوير
الإسرائيلية نفسها مفيدة للولايات المتحدة الأمريكية بسبب التكامل الوثيق
بين المخترعين الإسرائيليين والشركات الأمريكية (وكما قال جورج كيجان، رئيس
استخبارات سلاح الجو الأمريكي سابقاً، إن مساهمة إسرائيل تساوي ألف دولار
لكل دولار معونة قدمناها لها).
وإمكانيات إسرائيل في
الاستخبار السياسي ضخمة جداً، فكثير من الإسرائيليين جاءوا من مختلف دول
المنطقة وذلك يعطيهم معرفة أفضل باللغات، وغير ذلك من العوامل التي لا غنى
عنها لأي تحليل أفضل، وتأويل أمثل للمعلومات التي يتم جمعها من المنطقة.
وإذا أردنا استخدام مصطلحنا
يمكننا القول بأن الدولة الصهيونية هي إعادة إنتاج لنمط الجماعة الوظيفية
القتالية والاستيطانية والتجارية والجاسوسية. وإذا أضفنا عمليات الترفيه عن
الجنود الأمريكيين في الموانئ الإسرائيلية، فإننا بذلك نضم قطاع اللذة إلى
قائمة الوظائف، فهي عملية توظيف شاملة يستفيد منها الفريقان.
يترتب على هذه العناصر
تحقيق وحدة المصالح الإسرائيلية الأمريكية، وخصوصية علاقتهما وتفرُّدها،
باعتبار إسرائيل موقعاً أمريكياً متقدماً في منطقة الشرق الأوسط.
وفكرة أن إسرائيل رصيد
إستراتيجي للولايات المتحدة لا تنفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي،
فالخبرات والقدرات السابقة لم تكتسبها إسرائيل إلا بانغماسها في ذلك
الصراع، كما أن تصاعد الصراع واحتدامه أدى إلى زيادة الروابط العسكرية
والإستراتيجية بين البلدين.[/b]
[/size]