الربيع.
فصل الربيع من أعدل الفصول وأجملها ، ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة، وشمسه معتدلة في العلو والهبوط ، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض ، قال بعض العلماء كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول وفي فصل الربيع أيضا، وأنشد في ذلك:
يقـول لسـانُ الحـال مـنهُ وقولُ الحق يعذبُ للسميعِ
فوجهي والزمانُ وشهر وضعي ربيع في ربيـع في ربيعِ
فالربيع حديقة غناء وجمال ساحر، يشهد للحق في سره، ويناجي الخالق بروعة دلاله وبهجة جماله، كان مادة شعرية للشعراء، سحرهم بجماله وبهرهم بدلاله فجادت قرائحهم أجمل الأشعار وأروع الكلمات فقال الشاعر صفي الدين الحلي:
خلعَ الربيع على غصون البـان حللا فواضلها عـلى الكثـبان
ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفَلََ الكثيب ذوائبُ الأغصان
وتتوَّجت هام الغصون وضرجت خدَّ الرياض شقائقُ النعمان
وقال الشاعر مصطفى بطران:
سكب الربيع على الزمان جمالا وسرى الجمال على التلال تلالا
لا لستُ أنكر أنَّ سحرك رائـع وبديـع حسنك قد حـباك جمالا
سر وانطلق ها لون زهرك ناضر وعبير وردك كـم يفوح زلالا
وقال ابن خاتمة الأنصاري:
أهلا بأيام الربيع وطيبِها أُنسِ الخليعِ ونزهةِ المتبتّل
فالربيع يأنس به الفقير الذي يرى في جماله ما يعوضه عن الحرمان وفي ضحكته ما يجدد في نفسه الآمال ، وفي نسماته عبير المستقبل ، وهو روضة للعابدين وأنس للموحدين وسعادة للمشتاقين، يرون الجمال في الخلق فيسبحون الخالق، والتجدد في الأزهار فتتجدد لهم الآمال بغد إيماني تتفتح فيه أزاهير الطاعات في نفوسهم ، فلا يجد كل منهم نفسه إلا وهو يتساءل مع الشاعر مصطفى بطران:
منْ يا ترى أعطاك أكبر قوة عجـبا وحقا هل أروم سؤالا
من ذا الذي سواك تبعث بهجة في العالمين وتسعد الأحوال
ثم يجيب على لسان كل موحد وكل مؤمن ليكشف سر جمال الربيع:
أنا يا ربيع أراك نفحة خالق وهب الحياة محـبة وجلالا
إنَّ الذي سواك ربّ مبدع يهب الجمال لمن يشاء جمالا
فأنى وجدت الجمال فاسأل عن مبدعه وأنى رأيت الصنعة فاسأل عن صانعها، لا تجعل الجمال يحول بينك وبين من سواه، ولا تشغل نفسك بالرسالة وتغفل عن مرسلها.