العصر الجليدي فترة في تاريخ الأرض غطت فيها طبقات الثلج أقاليم كبيرة من الأرض. ويعتقد علماء الأرض بوجود العديد من العصور الجليدية الرئيسة التي دام كل منها عدة ملايين من السنين.
حدث أول العصور الجليدية المعروفة أثناء زمن ماقبل الكمبري منذ حوالي 2,3 بليون سنة. وكذلك وجد عصر جليدي مهم منذ 600 مليون سنة مضت عند نهاية زمن ماقبل الكمبري. وبدأ العصران الجليديان التاليان منذ حوالي 450 مليون سنة أثناء العصر الأردفيشي ومنذ حوالي 300مليون سنة أثناء العصر الكربوني. واستمر كل عصر جليدي من 20 إلى 50 مليون سنة. وجمع العلماء الكثير من الدلائل ليثبتوا حدوث هذه العصور الجليدية. فقد درسوا الصخور التي تشكلت أثناء العصور الجليدية القديمة. وفي هذه الصخور، وجدوا ركامًا جليديًا (تربة وأحجارًا حتت بالمثالج) وأسطحًا صخرية صقلها تحرك الطبقات الجليدية فوقها. وعلى سبيل المثال، تحتوي الصخور التي تكونت في العصرين الكربوني المتأخر والبرمي المبكر في أمريكا الجنوبية وإفريقيا والهند وأستراليا على دلائل مثلجية. ويعتقد معظم العلماء الآن أنه منذ 300 مليون سنة مضت كانت هذه الأراضي متجمعة مع أنتاركتيكا حول القطب الجنوبي، مشكِّلة قارة واحدة اسمها أرض الجندوانا التي تفككت، ثم تحركت أجزاء الأراضي المنفصلة ببطء إلى مواقعها الحالية. انظر: الزحف القاري.
وأكثر العصور الجليدية حداثة كان أثناء العصر البليستوسيني الذي بدأ منذ مليوني سنة وانتهى منذ حوالي 10,000 سنة. يشير مصطلح العصر الجليدي عادة إلى العصر الجليدي البليستوسيني.
لم تتأثر الأحافير ودلائل أخرى من العصر الجليدي البليستوسيني بتغيرات في الأرض مثلما حدث لتلك التي وجدت في العصور الجليدية المبكرة.
بقايا المثالج العظيمة التي غطت شمالي الولايات المتحدة أثناء العصر الجليدي مازالت موجودة في متنزه مونتانا الوطنية للمثالج. وقد نحتت الطبقات الممتدة من الجليد أحواضًا ذات حوائط جانبية عالية تسمي المدارج وبحيرات تسمى بركًا جبلية.
تطور العصر الجليدي البليستوسيني. منذ 55 مليون سنة أثناء العصر الثلاثي بدأت الأرض تبرد، وتزداد برودة خلال بقية العصر الثلاثي. ومنذ حوالي 30 مليون سنة بدأت تتشكل المثالج في أنتاركتيكا. ازداد حجم المثالج بصورة سريعة منذ حوالي 13 مليون سنة حتى كونت كتلة جليد أنتاركتيكا. وغطت هذه الكتلة الجليدية تقريبا كل أنتاركتيكا في الخمسة ملايين سنة الأخيرة. ومنذ 2,4 مليون سنة فقط بدأت كتل الجليد تتشكل على القارات الشمالية.
درس العلماء العصر الجليدي في أواسط أوروبا أولاً. وسموا الدورات المثلجية أو التكوينات المثلجية بالأسماء: جونز، مندل، ريس، فورم من الأقدم للأحدث. ولقد سمى جيولوجيو أمريكا الشمالية العصور بأسماء: نبراسكا وكنساس وإلينوي ووسكنسن. وأعطيت ما بين الدورات المثلجية أسماء محلية. فمثلاً سماها جيولوجيو أمريكا الشمالية أفتونيان، يارموث، وسانجامون. وسمي ما يقابل مابين المثلجيات في بريطانيا الكروميري والهوكسني والإبسويتشي.
ولم يعرف العلماء تمامًا متى حدثت كل مثلجية. وقدروا أن مثلجية جونز بدأت منذ حوالي 1,3 مليون سنة، ومثلجية نبراسكا منذ حوالي مليوني سنة. وحينما سميت المثلجيات ظن العلماء أنها أربع مثلجيات فقط وثلاث ما بين مثلجيات، علمًا بأن الأبحاث في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين أثبتت أن الأرض تعرضت لأكثر من 18 مثلجية أثناء العصر البليستوسيني. واكتشف العلماء دلائل للمثلجيات في جبال الألب التي سبقت مثلجية جونز. ويعتقدون أيضًًا أن مثلجتي نبراسكا ووسكنسن لم تكونا مثلجتين أحاديتين.
ولايستطيع العلماء القطع بمدة بقاء كل مثلجية بدون تواريخ دقيقة للمثلجيات. لكن دراسة مثلجيات فورم ووسكنسن ـ الأكثر حداثة ـ أعطت العلماء بعض الأفكار عن طول هذه الفترات. وربما دامت المثلجية حوالي 100,000 سنة، ومابين المثلجية دامت حوالي 10,000 سنة.
وبدأ التراجع الجليدي الأخير منذ أقل من 20,000 سنة. ويتوقع معظم العلماء أن فترات مثلجية سوف تحدث مرة أخرى، حيث يعتقدون بوجود تغيرات منتظمة في مدار الأرض حول الشمس وفي زاوية ميلها، وقد يتسبب هذا في برودة تزيد بدورها من تشكيل كتل جليدية.
أثناء المثلجية تتكون كتل جليدية قارية تنمو سميكة وتنساب للخارج من مركزها. وفي أمريكا الشمالية كان المركز الرئيسي حول خليج هدسون، حيث واصل تراكم الثلج بين 2,400 و3,000م. وتسبب الضغط الناتج عن وزنه في أن ينساب الثلج للخارج في كل الاتجاهات. وقد غطى معظم أمريكا الشمالية حتى وديان نهري ميسوري وأوهايو حاليا.
وفي أوروبا كانت شبه الجزيرة الإسكندينافية مركزًا للمثلجية. انساب تراكم جليدي سمكه حوالي 3,000م إلى الجنوب الشرقي لحوالي 1,300كم حتى موسكو تقريبًا، وغطى أيضًا شمال إنجلترا والدنمارك وألمانيا. وانتشر على مساحة تعادل نصف حجم المثلجية في أمريكا الشمالية.
تأثير طبقات الجليد. تحوِّل الكتل الجليدية الكثير من الماء إلى ثلج مما يجعل مستوى سطح المحيط ينخفض 90م على الأقل. وحينما ينصهر الثلج ينساب الماء مرة أخرى إلى المحيط.
وحين تنتشر المثالج ببطء فإنها تدفع التربة والصخور السائبة مثل الجرافات العملاقة أمامها، فتترك حزوزًا (خدوشًا) على الصخور التي تحركت عليها. وتبقى التربة والصخور المحمولة حين يذوب الجليد مكونة ركامًا وتلالاً تُسمّى الركام الجليدي.
وحين ينصهر الجليد يترك فجوات ممتلئة بالماء مشكلة بحيرات من أمثال البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية والعديد من بحيرات فنلندا. وقد غمرت بعض الوديان المحتوتة بالجليد على شكل حرف U ـ التي تسمى الفيوردات ـ بمياه البحر.
وطحنت المثالج بعض الصخور إلى مسحوق، وحملت الرياح هذا التراب الناعم وذرته بعيدًا ونثرته. وهو ما يسمى الراسب الطفالي ويوجد في كنساس ووادي المسيسيبي في الولايات المتحدة. وتغطي الرواسب الطفالية مساحات كبيرة في شماليْ الصين وأوكرانيا.
حيوانات العصر الجليدي البليستوسيني. يعتقد بعض العلماء أن الجمال والخيول والفيلة الموجودة الآن ظهرت أولاً في العصر الجليدي. نشأ الحصان والجمل في أمريكا الشمالية، ثم عبرا مضيق بيرنج إلى آسيا. وتطور الفيل والثور الأمريكي والغزال والدب في أوروبا وآسيا، ثم أتت إلى أمريكا الشمالية. وذهبت الخيول واللاما وكسلان الأرض العملاق والمدرعات إلى أمريكا الجنوبية.
وحينما دفعت الغطاءات الجليدية من الشمال نقلت معها الحيوانات جنوبًا. لكن في أثناء الفترات بين المثلجية تتبعت الحيوانات الجليد المذاب عائدة في اتجاه الشمال.
ويظن بعض العلماء أن التغير في المناخ تسبب في موت ثدييات العصر البليستوسيني، بينما يعتقد آخرون أن الإنسان أبادها جميعها. وعلى سبيل المثال عاش كسلان الأرض العملاق والماموث وثدييات أخرى كبيرة في أمريكا الشمالية حتى وصل الإنسان إلى القارة منذ 20,000 سنة مضت ولكن سرعان مابدأت هذه الحيوانات في الاختفاء. وعاشت هذه الحيوانات جنبًا إلى جنب مع البشر خلال معظم العصر البليستوسيني.