كل شيء يمكن تجاوزه إلا الحرب.. هذا هو شعار كل الهيئات الرياضية في العالم ومنها الفدرالية الدولية لكرة القدم التي سبق لها وأن تجاوزت أمراضا وكوارث طبيعية وأحداثا سياسية وانهيارات اقتصادية، لكنها في حالة الحروب لا تتردد في سحب البساط من أي دولة تكون مهددة بالدم وبالموت سواء عبر الحروب الخارجية أو الحروب الأهلية..
وما حدث في الساعات الأخيرة مابين الكوريتين الشمالية والجنوبية قد يكون شهادة وفاة حلم اعتصر كوريا الجنوبية وحتى جارتها اليابان في أن يكون أحدهما فائزا بتنظيم كأس العالم لعام 2022 وقد تستفيد قطر من الحملة الإعلامية الخفية التي باشرتها الولايات المتحدة منذ أول قذيفة طالت جنوب كوريا من شمالها، حيث من المحتمل أن يصير أصدقاء اليابان وكوريا الجنوبية الآسيويون أصدقاء لقطر البلد الآسياوي الثالث الطامح لهذا التنظيم إذا تطورت الأحداث بين الكوريتين بشكل أخطر.
والتاريخ يشهد أن البلدان التي تعيش توترات يُسحب منها تنظيم مختلف التظاهرات وأحيانا تجد نفسها حتى في التصفيات مجبرة على اللعب خارج أراضيها، كما حدث مع منتخب العراق لكرة القدم ومنتخب لبنان ومنتخب الكيان الصهيوني في سنوات الحرب وعدوانه على بلدان الشرق الأوسط.. وكانت العراق في كأس العالم بالمكسيك التي تأهلت إليها لأول ولآخر مرة قد لعبت معظم اللقاءات التصفوية خارج بغداد بسبب حرب الخليج الأولى التي اندلعت بين العراق وإيران، وحتى إيران التي تأهلت إلى كأس العالم 1978 بالأرجنتين كانت قد لعبت معظم مباريات التأهيل خارج طهران المشتعلة بثورة الشعب على الشاه.. وإذا كان هذا هو حال مباريات فردية عابرة فإن الحال يتعقد أكثر في التظاهرات الطويلة على شكل مونديال يدوم شهرا كاملا، حيث تضع الدول المشاركة تخوفاتها من تكرار ما يحدث الآن بين الكوريتين خلال الحرب، وحتى اليابان يتضرر لأن اليابان تعتمد في تعاملاتها البنكية والمواصلاتية بشكل كبير على كوريا الجنوبية، وسبق للبلدين أن احتضنا كأس العالم سويا في عام 2002 وتعاهدا بأن يتعاون الفاشل في احتضان مونديال 2022 مع الناجح، وهو ما ستفتقده اليابان بعد أن غرقت كوريا الجنويبة في الحرب.
كل دول العالم التي ذاقت ويلات الحرب بقت بعيدة عن احتضان منافسات كأس العالم وحتى المهدد من الإرهاب والمعارك الأهلية يخسر الأصوات بصفة كلية.. ومجرد رحلة مع الدول التي احتضنت كأس العالم نلاحظ أن المانيا الغربية طالبت منذ الخمسينيات من القرن الماضي باستضافة المونديال وبقيت خارج المجال إلى أن هدأت الحرب الباردة في السبعينيات ونعمت حينها باستضافة كأس العالم 1974 .. بينما في الكوارث الطبيعية والمشاكل المحلية والأزمات الاقتصادية يمكن تجاوز المعضلات كما حدث عام 1986 في مونديال المكسيك، حيث تحوّل الزلزال الذي ضرب المكسيك إلى شبه نعمة، إذ ساعد كل العالم المكسيك أو كما حدث في المونديال الأخير مع جنوب إفريقيا، حيث تم الحديث عن الوضع الأمني المتردي والجرائم التي تنخر كيان بلد نلسن مانديلا ولكن التحدي كان أقوى ومرّ المونديال بردا وسلاما على جنوب إفريقيا.. منطقيا كوريا الجنوبية خارج المنافسة على المونديال، فقد فقدت في الساعات الأخيرة الكثير من الأصوات، وفقدت معها اليابان بعض الأصوات والمعركة الآن ستنحصر بين الثلاثي استراليا والولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر، مما يعني أن حظوظ البلد العربي المسلم كبرت على بعد ثمانية أيام فقط عن إعلان البلدين الذين سيحتضنان منافستي مونديال 2018 و2022 .