لتضخُّم المالي زيادة متواصلة في الأسعار في كل جوانب اقتصاد الدولة، ويقاس معدل التضخم بالتغيرات في مستوى الأسعار وهو متوسط كل الأسعار. أما إذا ارتفعت أسعار وانخفضت أخرى فقد لا يتغير مستوى الأسعار، لكن يحدث التضخم فقط إذا ارتفعت معظم الأسعار الرئيسية.
يخفض التضخم من قيمة النقود التي تسمى أيضًًا القوة الشرائية للنقود، وأثناء فترة التضخم يشتري الأفراد بنفس كمية النقود سلعًا وخدمات أقل مما كانوا يشترون بها سابقًا، فعلى سبيل المثال إذا مُنح العامل زيادة في راتبه تساوي 10% منه، وبقيت الأسعار ثابتة، فإن ذلك العامل يستطيع أن يشتري بالزيادة سلعًا إضافية تعادل 10% من مشترياته السابقة. أما إذا ارتفعت الأسعار بمعدل 10% أيضًا، فلا تتغير قوة العامل الشرائية. وإذا ما زادت الأسعار بأكثر من 10%، لا يستطيع العامل شراء كمية السلع والخدمات نفسها التي كان يشتريها سابقًا.
للتضخم أسباب عديدة؛ فقد يحدث إذا طلب المستهلكون سلعًا وخدمات أكثر مما يستطيع أرباب الأعمال إنتاجه أو يحدث التضخم نتيجة قيام المستخدمين بمنح زيادات في الأجور تفوق الزيادات في الإنتاجية. حيث يقوم أرباب الأعمال حينها بإضافة كل أو معظم الزيادة في الأجور على السعر وبذلك يرفعون السعر الذي يدفعه المستهلكون. وتحاول الدولة التحكم في التضخم بزيادة الضرائب أو تخفيض عرض النقد المتداول أو تخفيض الإنفاق الحكومي أو بوضع حدود على الزيادات في الأجور والأسعار. لكن الحكومة تواجه قرارات صعبة فقد تؤدي مثل هذه المحاولات لتقليل التضخم إلى التعرض للكساد.
التضخم الجامح. تضخم سريع غير مقيَّد يحطِّم اقتصاد الدولة حينما تفقد النقود قيمتها، ويقوم كثير من الناس بمقايضة السلع والخدمات ببعضها بدلاً من استخدام النقود. ويحدث التضخم الجامح حينما تنفق الدولة أموالاً تفوق كثيرًا ما تجبيه من ضرائب، وتقوم الدولة حينها بالاستدانة أو بطبع نقود إضافية لتدفع بها ثمن السلع والخدمات التي تحتاجها، وتؤدي زيادة الطلب على هذه السلع والخدمات إلى زيادة عامة في الأسعار. وقد تضطر الدولة حينئذ إلى طباعة مزيد من النقود لتسدد بها مصروفاتها، وتؤدي الكمية الضخمة للنقود المتداولة إلى أن تفقد قيمتها بشدة.
وقد دمَّر التضخم الجامح اقتصاديات بعض الدول خلال أو بعد الحروب، فقد تسبب في انهيار الاقتصاد الألماني بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918م. قامت الحكومة الألمانية حينها بطباعة كميات ضخمة من النقود لتمويل عملياتها بعد الحرب ونتيجة لذلك زادت الأسعار في ألمانيا بمعدل فاق تريليون في المائة ما بين أغسطس 1922م ونوفمبر 1923م.
نظريات عن أسباب التضخم
للاقتصاديين نظريات مختلفة تحاول تفسير أسباب حدوث التضخم، وهناك عوامل كثيرة تساهم في التضخم، وأحد الأسباب الدائمة الوجود هوالزيادة في عرض النقود المتداولة في الدولة ممايعمل على زيادة الأسعار.
ويحدث التضخم خلال كثير من الحروب وفترات إعادة البناء التي تعقب الحروب، ففي مثل تلك الأوقات يعمل الاقتصاد بطاقته القصوى ويفوق حجم الطلب على السلع والخدمات حجم ما هو معروض منها ويؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار.
نظرية الكمية. تقول هذه النظرية إن التضخم يتأتى عندما يفوق الطلب على السلع والخدمات الكمية المعروضة منها، ويحدث مثل ذلك الوضع لأن عرض النقود يزداد بمعدل يفوق المعدل الذي به يتم إنتاج السلع والخدمات، فيتسبب الطلب الزائد في ارتفاع الأسعار وبذلك ينتج ما يسمى تضخم الطلب الساحب.
النظرية الكينزية. طورها الاقتصادي البريطاني جون ماينرد كينز، وهي تركز أيضًا على الطلب الفائض سببًا للتضخم. ويرى كينز أن الزيادة في الطلب على السلع والخدمات ينبغي أن يقابلها توسع في الإنتاج إلا أنه بعد أن يصل اقتصاد البلد طاقته القصوى لا يمكن التوسع في الإنتاج. وإذا ما استمر الطلب على السلع والخدمات في الزيادة، فإن الأسعار ترتفع ويحدث التضخم. في تلك الحالة يوصي كينز بزيادة الضرائب، الشيء الذي سيقلل من الطلب على السلع والخدمات ويخفف الضغط على الأسعار.
نظرية التكلفة الضاغطة. عندما ترفع الشركات من أسعارها استجابة لارتفاع التكلفة ينجم عن ذلك تضخم التكلفة الضاغطة وعندها يطالب العمال بزيادة أجورهم للحاق بالأسعار المتصاعدة. وتنجم عن ذلك حركة لولبية للأجور والأسعار. وإذا ما زادت الأجور والأسعار بدون زيادة في الإنتاج، يعجز المعروض من السلع والخدمات عن مقابلة المطلوب منها.
يحدث تضخم التكلفة الضاغطة أيضًا عندما يتحكم عدد محدود من الشركات في المعروض من منتجات معينة. فقد يكون هناك احتكار إذا تحكمت شركة واحدة في الصناعة كلها. أما في احتكار القلة فيقدم السلعة أو الخدمة عدد محدود من الشركات بحيث تستطيع أي شركة منها التأثير على السعر سواء أكان ذلك باتفاق بينها أم بدون اتفاق. في مثل تلك الصناعة المحكومة يضطر المستهلكون للشراء من عدد قليل من المنتجين بأسعار تفرضها المنشآت المتحكمة، لكن إذا كانت المنافسة شديدة، فإن كل شركة تسعى إلى تقديم منتج أجود أو أرخص.
بالإضافة إلى ذلك يحدث تضخم التكلفة الضاغطة إذا كوّنت مجموعة من الشركات اتحاد المنتجين الذي يسلك سلوك شركة واحدة. قد تحد التجمعات الاحتكارية من المعروض من منتج معين، مثل النفط أو النحاس، وذلك لرفع الأسعار وجني أرباح أعلى وإذا كان ذلك المنتج يُستخدم في إنتاج سلع أخرى، سترتفع أسعار تلك السلع أيضًا.
نظرية التوقعات. تقوم هذه النظرية على الاعتقاد القائل بأن الأسعار سترتفع. فعندما ترتفع الأسعار بمعدل معين يتوقع الناس أن تستمر في الارتفاع بذلك المعدل وربما أعلى منه، ويسعى كثير من العمال لاستباق الزيادة المتوقعة بطلب أجور أعلى وتفاوض بعض النقابات من أجل عقود تتضمن شروط السُّلَّم الدوار أو علاوة تكاليف المعيشة وتدعو مثل هذه إلى زيادة دورية في الأجور تلائم التغيرات في مؤشرات الأسعار. ومثل هذه الزيادات تساهم في ارتفاع الأسعار أيضًا.
أسلحة محاربة التضخم
تنعكس السياسة المالية للدولة في برامج الإنفاق والضرائب الحكومية، تستطيع الحكومة استخدام هذه البرامج لتقليل الطلب على السلع والخدمات. وتستطيع الدولة تحقيق هذا الهدف بتخفيض إنفاقها نفسه؛ فإذا ما قامت الحكومة بتخفيض مشترياتها من الشركات، تنخفض مبيعات الشركات وتقل النقود التي بيد الناس للإنفاق. تستطيع الحكومة أيضًا تقليل دخل المستهلكين المعد للإنفاق وذلك بزيادة الضرائب، فإذا ما قل إنفاق المستهلكين يقل الطلب على السلع والخدمات وتنضبط مستويات الأسعار.
ويعترض كثير من الناس على استخدام السياسة المالية كأداة للتحكم في التضخم، فهم يعارضون تخفيض الإنفاق الحكومي لأن الأموال المنفقة تساعد في توفير فرص التعليم والعناية الصحية والخدمات الأخرى. ولا يريد أحد أن يدفع ضرائب أعلى، والتخفيض الحاد في الطلب غالبًا ما يزيد من البطالة.
السياسة النقدية. البرنامج الذي تتبعه الدولة لتنظيم عرض النقود فيها ويتحكم المصرف المركزي للدولة ـ كبنك إنجلترا في بريطانيا ومجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة ـ في السياسة النقدية. وتتبع أغلب مصارف البلد التجارية الكبرى للمصرف المركزي الذي يقرر حجم الأموال التي يجب أن تكون في خزائن أو حوزة كل المؤسسات التي تقبل الودائع، ويسمى حجم الأموال هذا بالمتطلبات الاحتياطية.
يستطيع المصرف المركزي محاولة تخفيض معدل التخضم بتخفيض عرض النقود كما يمكن للمصرف أن يزيد من عرض النقود المتداولة، ويكون بذلك قد تبنى سياسة نقدية متشددة. يستطيع المصرف المركزي أن يقلل من عرض النقود برفع المتطلبات الاحتياطية، مما يقلل من كمية النقود التي بإمكان المصارف أن تقرضها، ويقل بذلك عرض النقود وبذلك تقل النقود بأيدي الأفراد للإنفاق، وهكذا ينخفض الطلب على السلع والخدمات وتخف حدة ارتفاع الأسعار. وإذا ما أراد المصرف المركزي زيادة عرض النقود، فإنه يقوم بتخفيض متطلبات الاحتياط.
يستطيع المصرف المركزي أيضًا أن يقلل من عرض النقود ببيع السندات الحكومية حيث يقوم المشترون بتسديد قيمة مشترياتهم منها بواسطة الصكوك الصادرة على مصارفهم وعندما تقوم المصارف بدفع هذه الصكوك تنخفض احتياطياتها. وعليه، فإن المصارف تمنح قروضًا أقل فينكمش عرض النقود وينخفض معدل التضخم.
قيود الأجور والأسعار. تسن الحكومة القوانين لتقييد الأجور والأسعار ووضع حد للزيادة فيها خلال فترة التضخم. فعندما تتخذ الأجور والأسعار مسلكًا لولبيًا يتواصل ارتفاعها في محاولة لتحقيق التوازن بينهما. ويعتقد بعض الاقتصاديين أنه بالحد من هذه الزيادات، فإن الأجور والأسعار ستستقر في النهاية.
ويعتبر اقتصاديون كثيرون أن وضع قيود على الأجور والأسعار أمر غير مجدٍ لأنه من الصعب تحديد هذه الحدود كما أن تطبيقها يعتبر شاقًا. كما يعتقد آخرون أن تقييد الأجور والأسعار يتدخل في الصعود والهبوط الطبيعي للأجور والأسعار.