الذكاء. يختلف الناس في سرعة تعلُّمهم الأشياء وفي كيفية تذكّر الأفكار ومدة تذكرها. ويختلفون كذلك في مقدرتهم على فهم الأفكار واستخدام معرفتهم في حل المشكلات. فبعض الناس، مثلاً، يستطيعون حل المسائل الرياضية بسرعة. وبعضهم يفهمون بسرعة كيف تعمل الآلات. وآخرون يستطيعون أن يتعلموا بسهولة كلمات جديدة أو لغة أجنبية. وكل هذه القدرات ـ وقدرات أخرى كثيرة ـ هي عوامل فيما يُسمى بالذكاء.
ما الذكاء. لا يوجد تعريف مقبول عالميًا لكلمة ذكاء. ولكن الشخص يُعد ذكيًا بقدْر ما تتوافر عنده القدرات المذكورة أعلاه. ومع أن هذه القدرات ومثيلاتها مترابطة نسبيًا، فإن الشخص يمكن أن يكون متفوقًا في بعضها وضعيفًا في أخرى. والشخص الذي يستطيع أن يحفظ الأسماء والتواريخ يمكن أن يرتبك عند إجراء عملية قسمة. ورب آخر له موهبة مبدعة في الفن أو الموسيقى، أو له مقدرة ابتكارية، يمكن أن يفتقر إلى قدرات أخرى مرتبطة بالذكاء. وعلى الرغم من أن الإبداع والذكاء مترابطان ـ كما هو معروف ـ فإن بعض الناس من ذوي الذكاء فوق المتوسط، يتصرفون تصرفًا ضعيفًا حين يُواجَهون بمشكلات جديدة بالنسبة لهم.
وأحيانًا يُعدُّ الذكاء مجموعة صفات من شأنها أن تؤدّي إلى النجاح في المدرسة، ولكن بعض القدرات، كالمهارات الآلية، لا تُستخدم في المدارس استخدامًا واسعًا. ونتيجة لذلك، تتضمن الاختبارات المصمّمة لقياس الذكاء أسئلة قليلة ذات صلة بالمهارات الآلية. يضاف إلى ذلك أن اختبارات نسبة الذكاء لا تركز على الابتكار. وهكذا تقدم صورة غير كاملة للعوامل العديدة التي تتصل بالذكاء.
من أين يأتي الذكاء. يعتمد ذكاء الشخص على الوراثة والبيئة. وكل شخص مولود ومعه مقدرة عقلية معينة توثر في تحديد درجة ذكائه حين يصبح بالغًا. إن تطوير هذه المقدرة يتأثر بخلفية الشخص. فالفتيان الذين سبق لهم أن عانوا من سوء التغذية الشديدة في الطفولة يمكن أن يكونوا غير قادرين على تطوير قدراتهم الطبيعية. وبالمثل فإن الأطفال الذين يُضربون أو يُهزّأون من قبل آبائهم، يمكن أن ينتابهم اضطراب يعوق تطوّر مواهبهم العقلية. وكثير من الأطفال الذين يتعرضون للتمييز بسبب عرقهم، أو جنسيتهم، أو علة جسدية، يخفقون كذلك في تطوير مقدراتهم الطبيعية، إلى أقصى حد ممكن.
الخلاف حول الذكاء. اختلف العلماء منذ زمن طويل، حول الأهمية النسبية للوراثة والبيئة في تحديد الذكاء. وفي الستينيات من القرن العشرين، وجد الباحثون أن الأطفال الذين سبق لهم أن أتموا برامج خاصة، قبل المدرسة، أحرزوا مكاسب في نسبة الذكاء وصلت إلى 15 نقطة. وأظهرت دراسات أخرى أن الأطفال يُعانون في تطوير الذكاء، إذا كانوا قد تعرضوا لإهمال شديد، أو كانوا قد تلقوا قدرًا متدنيًا من التحفيز العقلي. لذلك يؤكد بعض علماء النفس أهمية البيئة في تحديد نسبة الذكاء.
وهناك علماء نفس آخرون، على أية حال، يقيمون وزنًا أكبر للوراثة، ويلاحظون أن التوأمين المتطابقين اللذين لهما الجينات نفسها تمامًا يحرزان نتائج متطابقة تقريبًا في نسبة الذكاء. ومن جهة أخرى، فإن التوأمين الشقيقين، اللذين يتشابهان بمقدار ما يتشابه الإخوة العاديون، لا يحرزان نتائج متطابقة في نسبة الذكاء كالتي يحرزها التوأمان المتطابقان. يُضاف إلى ذلك أن التوأمين المتطابقين اللذين تتبناهما أسر مختلفة في طفولتهما، يحرزان أيضًا نتائج متماثلة في نسبة الذكاء بعد بلوغهما.
ونتيجة لذلك، يخلص معظم علماء النفس، إلى أن كلا من الوراثة والبيئة مهمٌ في تحديد الذكاء، ولكن كلاً منهما تحدُّ من تأثير الأخرى؛ أي أنهم يعتقدون أن الإمكانات الوراثية للشخص، بالنسبة للذكاء، لايمكن أن تؤتي ثمارها إلا في بيئة مواتية. ولكنهم أيضًا يعتقدون أن البيئة، مهما كانت إيجابيتها، لا تستطيع أن تُوجد إمكانيات الذكاء بدون عامل الوراثة.