وزبدة المخاض, إن الحركة هي الزمان والزمان هو الحركة. وبما أن الحركة لها مبتدأ ولها منتهى ولا يمكن أن يتقدم المتأخر ولا يتأخر المتقدم فيها, فالزمان –كذلك- لا يمكن لأجزائه المتقدمة أن تتأخر أو العكس. ويعبر عن الزمان بأنه "حقيقة سيالة متدرجة الحصول" متصرم الوجود. فهو سيال لأنه غير متوقف. وهو متدرج الحصول لأنه لا يوجد إلا جزءاً جزءاً. وهو متصرم الوجود لأن أجزاءه لا تجتمع معاً. وحدوثها يتحقق بتحقق جزء وانتفاء جزء سابق له.
ولكل جسم زمانان: زمان خاص به, وزمان عام. ويحصل الزمان الخاص بسبب حركته, أما الزمان العام (المطلق) فهو الذي يشترك فيه مع غيره من الأجسام.
وأما مفهوم السرعة المرتبط بالحركة فتتراوح قيمتها ما بين الصفر إلى ما لانهاية. كما ذكر ذلك محمد تقي المصباح في تعليقته على نهاية الحكمة للطباطبائي قائلاً: "من المفاهيم المتعلقة بالحركة السرعة, ويعني بها ثلاثة معان, أحدها ما يحصل من نسبة المسافة التي يقطعها المتحرك إلى زمان قطعها, وهو لازم كل حركة,ويتراوح في ما بين الصفر واللانهاية"(.
ولفهم مسألة الزمن عند أينشتاين لابد من العودة إلى نيوتن (العالم الفيزيائي الانكليزي) الذي كان يعتبر أن الزمن الرياضي الحقيقي المطلق بنفسه وبطبيعته الذاتية يجري بالتساوي ودون أي علاقة بأي شيء خارجي. ولم يكن نيوتن يعني بذلك إلا أن الزمن يسير بالتساوي في جميع أنحاء الكون. والعلماء الذين جاؤوا بعد نيوتن اعتمدوا على إمضاء هذا المفهوم, إلى أن جاء ألبرت آينشتاين وقلب الطاولة أمام مفهوم نيوتن. فقد وجد آينشتاين أن "الزمن يتباطأ كلما زادت السرعة".
ويمكن فهم مقولة آينشتاين بناءً على أمور بديهية في حياتنا, إذ أننا كلما زدنا السرعة لقطع مسافة ما قل الزمن اللازم لها تبعاً لذلك. غير أن هذا المعنى لا علاقة له بما يعنيه آينشتاين مطلقاً..!
المعنى الذي يذهب إليه هو أن الساعة على كوكب الأرض (قد) تساوي عشر دقائق في مكان آخر من الكون وقد تساوي عشرين ساعة. وعلى سبيل التمثيل لو وجد حدث كوني قمنا بقياس مدته, من بدايتها حتى نهايتها, ووجدناها تساوي ساعة كاملة, فإن مدة هذا الحدث, من مكان آخر من الكون, لا تساوي بالضرورة المدة التي قسناها على كوكب الأرض, بل يمكن أن تزيد أو تنقص حسب سرعة الراصد في المكان الآخر.
ويذهب طرح النسبية إلى ما هو أغرب من ذلك, فالماضي والحاضر والمستقبل فقدت معانيها الكونية المطلقة التي كانت سائدةً. الماضي لم يعد يعني اللحظة الزمنية الفائتة وما قبلها. والمستقبل ليس اللحظة الزمنية القادمة. واللحظة التي نعيشها -الآن- ما هي إلا أننا نحن وحسب. والتعاريف التي تتبنى مثل هذا التحديد تعاريف نسبية لا تصلح كقيمة كونية مطلقة, فالماضي والحاضر والمستقبل قد يكون لها ترتيب آخر في مكان آخر من الكون.
بمعنى أنه لو وقعت ثلاثة حوادث كونية الآن -مثلاً- كانفجار ثلاثة نجوم: الأول يبعد عن الأرض بمسافة سنة ضوئية.. والثاني بسنتين.. والثالث بثلاث سنوات ضوئية. فإن الراصد, على كوكب الأرض لن يشاهد انفجار النجم الأول إلا بعد مرور سنة كاملة حسب مقاييسنا نحن. كذلك لن يشاهد الانفجار الثاني إلا بعد سنتين.. ولن يشاهد الثالث إلا بعد ثلاث سنوات.وهذا يعني أن السهم الزمني -بالنسبة لنا على الأرض- سيمر بحدث النجم الأول ثم الثاني ومن ثم الثالث. لكن هذا لا ينطبق على مراقب آخر في منطقة أخرى من الكون, يبعد موقعه عن النجم الأول بمسافة ثلاث سنوات ضوئية.. وعن الثاني سنة ضوئية واحدة.. وعن الثالث سنتين..
إن سهم الزمن لن يمر بنفس الترتيب السابق على الأرض. لأنه سيبدأ بحدث النجم الثاني ثم الثالث ومن ثم الأول. إذن فإن حادثاً في هذا الكون قد يكون في الماضي بالنسبة لمشاهد, وفي الحاضر بالنسبة لمشاهد آخر وفي المستقبل بالنسبة لمشاهد آخر. وهذا يفضي إلى عدم وجود زمن مطلق (ساعة مطلقة) يشمل الكون ويستند عليه في تحديد الماضي والحاضر والمستقبل للكون كله.
إن الفرق الجوهري بين الكون الكلاسيكي (كما كان يراه نيوتن ومن هم قبله) وبين ما تراه النسبية هو وجود حد أعلى للسرعة, النظرية النسبية تضع (سرعة الضوء) حداً أعلى للسرعة, وهذا الحد في كون النسبية لا يمكن للأجسام وصوله فضلاً عن تجاوزه. إضافة إلى ثبات سرعة الضوء بالنسبة لكل شيء, فهي الثابت الوحيد في الكون. ولم تقتصر النسبية على ما ذكر من مفاجئات بل أنها وضعت أيدي العلماء على السر الذي من خلاله يمكن للزمن أن يتباطأ بسببه.. هذا السر هو السرعة, وباختصار شديد: إن الزمان النسبي للأجسام يتباطأ عند تسارعها قياساً بالأزمنة النسبية للأجسام الأخرى الأقل تسارعاً..!
وكان آينشتاين قد وضع نظريته النسبية في بدايات القرن العشرين، إذ استطاع من خلال التجارب وقوانين الرياضيات، الوصول إلى تحديد البعد الرابع (وهو البعد الزماني)، وقام بعد ذلك بضمه إلى الأبعاد المكانية المعروفة (x-y-z). وهذا الإبداع الرياضي العملي التطبيقي يماثل تماماً ما توصل إليه الفيلسوف الشيرازي منذ أكثر من 250 سنة، عندما أثبت وجود أصل الحركة في الجوهر، واعتبر الزمان مقوماً أساسياً لأيّ مادة طبيعية كانت أم ميكانيكية، على أساس أنّ الزمان بعد متصل سيال ومتحرك غير مستقر (حيث أنه وبعد بعد ثبوت الحركة في الجوهر، فإنّه يصبح لكل الموجودات الطبيعية بعداً زمانياً، وأيّ موجد مادي لا يوجد منفكاً عنه لزوماً بل لا يكون دهرياً على الإطلاق).. وهذا الزمان تعرض الأجسام عليه بواسطة الحركة، كونه غير قابل للانقسام في الخارج.. (على نحو عيني).
جيم- حدوث المادة وحركة المتغير:
تؤكد نظرية الانفجار العظيم (big bang)، على أنّ المادة الأولى اتسعت وامتدت بسرعة كبيرة إلى ما لا نهاية، بعد مرورها بمراحل متعددة.. وتبعاً لذلك يشير العلماء إلى زمن بدء الكون بما يقرب من (12–20 مليار سنة) حيث كانت المادة قبل عملية البدء موجودة كلها في حيّز وفراغ صغير لا يتجاوز حجم جسيم البروتون الذي هو أحد مكونات الذرة (وزن البروتون يعادل 1836 مرة ضعف وزن الإلكترون.. ووزن الإلكترون يساوي إلى واحد مقسوم على واحد وأمامه تسعة وعشرون صفراً من الغرام).. وهذا يدل على عدم أزلية المادة وبالتالي حدوثها، بمعنى أن بداية الزمان أمر لا مناص منه، هذا من جهة العلم ونظرياته الحديثة واكتشافاته وتطبيقاته التجريبية المذهلة.
أمّا من جهة الحركة الجوهرية، فالأمر لا يختلف كثيراً عن المنحى السابق، فعالم الوجود المادي في تطور وتجدد وتغيّر مستمر، بمعنى:
كل متحرك حادث.
الكون متحرك.
الكون حادث.
إن المقدمة الأولى تثبت وجود زمان لم يكن فيه المتحرك موجوداً، على أساس أنَّ الحركة تعني الانتقال والسير من حد إلى آخر ومن موقع أول إلى موقع ثانٍ.. وأمّا المقدمة الثانية فهي معروفة ومثبتة لأنَّ الكون يساوي الحركة فقط.. إذن فقد وجد زمان لم يكن فيه الكون والعالم موجوداً، وهذا ما تؤكده الدراسات العلمية الحديثة. وللبحث صلة..
الحواشي والتعليقات:
(1) باقر الصدر، محمد، فلسفتنا، ص202-202، طبعة المجمع العلمي للشهيد الصدر-إيران-1990م.
(2) الشيرازي، صدر الدين (صدر المتألهين).. الأسفار العقلية الأربعة، ج3/ص61-64، طبعة إيرانية قديمة 1984م.
(3) مصباح، محمد تقي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج2/ص327، دار التعارف الإسلامي، بيروت 2001م.
(4) الشيرازي، صدر الدين، الأسفار الأربعة، مصدر سابق، ج3/ص61-64).
(5) المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج1/ص320، م.س.
(6) الأسفار الأربعة، مصدر سابق، ج3/ص: 103، وص: 115-118+ الجزء9، ص290-295.
(7) الأسفار الأربعة، م. سابق، ج5، ص: 103-104.
( الطباطبائي، محمد حسين، نهاية الحكمة، ج2، تعليق: محمد تقي المصباح، ص157ـ158، دار التعارف للمطبوعات-بيروت 1995م.
أهم المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- باقر الصدر، محمد.. فلسفتنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1990م.
3- الشيرازي، صدر الدين.. الأسفار العقلية الأربعة، 9مجلدات، مطبوع في إيران (طبعة قديمة). 1984م.
4- مصباح، محمد تقي.. المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، دار التعارف، بيروت– لبنان1998م.
5- مطهري، مرتضى.. أصالة الروح، سلسلة محاضرات في الدين والاجتماع منظمة الإعلان الإسلامي–إيران-1992م