كيف نستفيد من العطلة الصيفية؟
مع الانشغالات
والالتزامات الكثيرة، قد لا يتمكن الإنسان من الاهتمام والعناية ببعض
الجوانب والمجالات التي يمتلك رغبة فيها أو يشعر بضرورتها وأهميتها في
تكوين شخصيته. إلا أن العطلة الصيفية توفر له الوقت الكافي لذلك. لهذا فإن
موسم الصيف، من المواسم الأساسية التي تساعد الإنسان على تلبية رغباته
وإشباع ميولاته المشروعة.
وتعتبر العطل الصيفية في مجتمعاتنا من
الأزمنة الخصبة، التي تنقل الطلاب والشباب من هموم الدراسة والمذاكرة، إلى
الترويح عن النفس وممارسة الأعمال والأنشطة التطوعية والرياضية والفنية وما
شابه ذلك. التي لم تكن ممارستها سانحة بما فيه الكفاية في أوقات الدراسة
والتحصيل العلمي.
فالعطل الصيفية من الفرص السانحة على المستوى
النفسي والزمني، الذي يستطيع فيها الشباب أن يستثمـرها في إنضاج خبراته،
وبلورة كفاءاته، واكتساب المهارات الجديدة.
من هنا ونحن في بداية
هذا الموسم، من الأهمية بمكان أن نتساءل عن كيف نستفيد من هذا الموسم، وما
هي البرامج المقترحة التي تملأ فراغنا. وقبل الإجابة على هذا السؤال، من
الضروري بيان أن الفراغ من العوامل الأساسية للانحراف وبروز بعض المظاهر
السيئة في الوسط الاجتماعي.
لذلك ينبغي أن تتكاتف كل الجهود من أجل
استيعاب الشباب والطلبة في العطلة الصيفية في برامج ترفيهية وتأهيلية، تنهي
حالة الفراغ وتساهم في تنمية مواهبهم وصقل إمكاناتهم وإنضاج مقاصدهم.
وإننا
إذا لم نتمكن من ملء هذا الفراغ، فإن الكثير من الظواهر السيئة ستبرز في
الوسط الاجتماعي، مما يهدد مفهوم الأمن الاجتماعي بأسره.
أما
الإجابة على السؤال الآنف الذكر، فبإمكاننا تحديدها في النقاط التالية:
فرصة
للمراجعة والتقويم:
إن من الأخطار الجسيمة التي قد يرتكبها الإنسان
بحق نفسه ومستقبله، هو حينما يسترسل في حياته، دون أن يقف لتقويم مسيرته،
أو مراجعة حساباته وأهدافه. لهذا فإن من القيم الحضارية التي ينبغي أن
يعتاد عليها الإنسان، هي قيمة المراجعة والتقويم إلى المسيرة العلمية
والعملية للإنسان. حتى يكتشف من خلال هذه المراجعة عناصر القوة فيعمقها في
نفسه، ويتعرف على نقاط الضعف ويجتهد لإنهائها من حياته ومسيرته.
وبهذه
القيمة وتداعياتها العملية والسلوكية يتقدم الإنسان باستمرار، ويعيش في
حركة تصاعدية مستمرة.
والعطل الصيفية من المحطات الضرورية التي
ينبغي أن يقف عندها الإنسان، لكي يراجع مسيرته، ويقوّم تجربته. لهذا فإننا
نهيب بشبابنا وندعوهم إلى الاستفادة من هذه العطلة الصيفية في تقويم
مسيرتهم التعليمية والاجتماعية والسلوكية، لكي يتقدم الشاب في حياته،
ويستفيد من أخطائه وعثراته، ويستوعب العبر والدروس من تجارب ماضيه وذلك لأن
من جرب المجرب حلت به الندامة.
سد الثغرات والنواقص:
قد لا
يجد الشاب فرصة كافية في أيام الدراسة والتحصيل العلمي لترميم نواقصه وسد
ثغراته، لانشغاله بالدراسة ومتطلباتها. لهذا فإن العطلة الصيفية من الأزمنة
المهمة، التي من الضروري أن يستثمرها الشباب في سد ثغرات حياتهم العلمية
والعملية، وترميم نواقصهم الفكرية والاجتماعية والنفسية.
لهذا من
الأهمية بمكان العمل على توفير البرنامج الكفيل بترميم النواقص وسد
الثغرات.
فالشاب الذي يرى أن من نواقص نضج واكتمال شخصيته (العلاقات
الاجتماعية)، فينبغي له أن يستفيد من هذه العطلة في تقوية علاقاته
الاجتماعية، عبر زيارة الأصدقاء والدخول معهم في برامج اجتماعية مشتركة،
والعمل على كسب أصدقاء ومعارف جدد. وبالتالي فإن الشاب يحول العطلة الصيفية
إلى ساحة ومجال لتقوية الروابط الاجتماعية، والخروج من واقع العزلة
والتقوقع على الذات. كما أن الشاب الذي لا تربطه مع جيرانه روابط الجيرة
والمعرفة، بحاجة أن يستفيد من هذه العطلة في التعرف على الجيران.
والشاب
الذي لم تساعده ظروف الدراسة للعناية بالجانب الفكري والثقافي في شخصيته،
سيجد في هذه العطلة وأمثالها الفرصة المناسبة للعناية بحقل الفكر والثقافة.
والشاب الذي يرى أن ما ينقصه، هو مجموعة من المهارات الفنية والحرفية،
بإمكانه أيضا أن يستفيد من هذه العطلة في اكتساب هذه المهارات.
وهكذا
تصبح العطلة الصيفية فرصة سانحة، تتوفر فيها جميع الظروف الموضوعية
المساعدة للشاب للعمل على إنهاء نواقصه وسد ثغراته، عبر البرامج المتعددة
التي تؤهله لذلك.
تنمية المواهب والكفاءات:
كما أن بإمكان
الشاب، أن يستفيد من هذه العطلة في تنمية مواهبه وإبراز كفاءاته. فالشاب
مثلا الذي يريد أن ينمي في شخصه موهبة التمثيل المسرحي، تكون العطلة
الصيفية من الفرص الذهبية التي توفر له الوقت الكافي لتنمية هذه الموهبة
وصقلها ميدانيا.
فليبحث كل شاب عن موهبة ضرورية لشخصه، ويحاول أن
يستثمر هذه العطلة لتنميتها في شخصه. بحيث لا تنتهي العطلة، إلا وقد اكتسب
فيها كل شاب من وطننا العزيز موهبة يستفيد منها في بناء مستقبله.
ممارسة
الهوايات:
مع كل ما قيل أعلاه، إلا أننا لسنا من دعاة أن تتحول
العطلة الصيفية إلى مجموعة من الأنشطة الجادة العلمية والعملية فقط. وإنما
من الضروري أن تتوفر في هذه العطل، الفرصة الكافية لكي يمارس الشباب
هواياتهم الفنية والرياضية. فكما أن الشاب بحاجة أن يستفيد من العطلة
الصيفية في ترميم نواقصه، وتنمية مواهبه، فهو بحاجة أيضا أن رائعس هواياته
المختلفة.
فالشاب الذي يعشق الرياضة، أو يهوى بعض الأنشطة الفنية،
ينبغي له أن رائعس هذه الهوايات، ويبحث عن المجموعات البشرية التي تشترك
معه في ممارسة هذه الهوايات.
وفي هذا الإطار يعتبر نمط الرحلات
الجماعية مع الأقارب والأصدقاء من المناسبات الجيدة، لممارسة الهوايات في
أجواء وأماكن مناسبة لذلك.
من هنا فإننا نقول: إن العطل الصيفية من
المواسم المهمة التي ينبغي أن يستثمرها الإنسان في توفير متطلبات النجاح
والتفوق. ونرى أن من الضروري أن تتحمل المؤسسات الرسمية والأهلية
مسؤولياتها في هذا الصدد. فللمدارس ومؤسسات العلم المختلفة، ينبغي أن يكون
لها بعض البرامج الصيفية التي تجذب وتستقطب العديد من الشباب الذين سيجدون
في هذه البرامج القدرة على تأهيلهم وتنمية مواهبهم.
كما أن الأندية
بحاجة أن تقوم ببعض البرامج الصيفية الرياضية والترفيهية والثقافية، وذلك
من أجل التأهيل النفسي والاجتماعي للكثير من الطاقات الشابة. ولا بد أن
ندرك في هذا المجال: أن الأندية من المؤسسات الهامة، التي تمتلك بنية تحتية
مناسبة للقيام بهذه الأنشطة الكفيلة باستيعاب الشباب في برامج متنوعة.
فلتسعى كل أنديتنا إلى القيام ببعض البرامج الصيفية المناسبة.
ومن
الضروري أيضا تشجيع المؤسسات الأهلية، على القيام ببعض البرامج والأنشطة
الصيفية التي تستوعب مجموعة من الطلبة وذلك لتأهيلهم وتنمية مواهبهم.
فالاستفادة من العطلة الصيفية، بحاجة إلى تكاتف كل الجهود، لذلك فإن تشجيع
المؤسسات الأهلية مهما كان اختصاصها، على الانخراط في مشروع صيفي سواء لأسر
الموظفين أو للجميع سيساهم في امتصاص الكثير من الطاقات الشابة في
المجتمع.
وللأسرة أيضا دور في هذا المجال، فلتسعى كل أسرة إلى
التفكير العميق في طرق الاستفادة من العطلة الصيفية على المستويات كافة.
وجماع
القول: إننا نرى أن موسم العطلة الصيفية، بحاجة إلى مشروع وطني شامل
ومتكامل، تشترك في تشييده المؤسسات الرسمية والأهلية، ويأخذ على عاتقه
استيعاب كل الطاقات (ذكوراً وإناثاً) في مشاريع وبرامج تأهيلية وترفيهية،
تأخذ بعين الاعتبار كل الخصوصيات والحاجات. وإننا نرى أن هذا المشروع
الوطني المأمول، يساهم بشكل نوعي في تطوير الكفاءات الوطنية، وامتصاص بعض
الظواهر السيئة، وإنجاز مفهوم الأمن الاجتماعي.