انبهر متابعي كأس العالم لكرة القدم عندما شاهدوا بالأمس المنتخب الألماني يسحق نظيره الأسترالي برباعية نظيفة في أولى مبارياته في النهائيات بطريقة فريدة من نوعها أقل ما يقال فيها أنها يمكن أن تُدرس في أكاديميات كرة القدم.
ومرةً جديدة برهن يواكيم لوف المدير الفني للمانشافت أنه كان على حق عندما وضع ثقته بلوكاس بودولسكي وميروسلاف كلوزه رغم أنهما لم يقدما موسماً جيداً مع ناديهما، فلم يكتف فقط باستدعائهما إلى التشكيلة المشاركة في نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا بل أشركهما كأساسيين معتمداً على خبرتهما الدولية وتاريخهما مع المنتخب.
ولم يخيب بودولسكي ثقة مدربه فكان عند حسن ظنه عندما سجل الهدف الأول لمنتخب بلاده في الدقيقة الثامنة بعد جملة تمريرات تكتيكية رائعة وصلت خلالها الكرة بعد عرضية من الشاب مولر إلى قدم بودولسكي اليسرى فسددها قوية عجز حارس أستراليا عن التصدي لها.
وكانت أسهم المنتخب الألماني بالمنافسة على اللقب قد تراجعت بعد إصابة قائده مايكل بلاك وتراجع مستوى لاعبيه الأساسيين (كلوزه – بودولسكي - ماريو غوميز- باستيان شفاينشتايغر) خلال الموسم المنصرم، لكن لوف أثبت للجميع أن كرة القدم هي لعبة جماعية وأن الفوز لا يعتمد على نجومية لاعب واحد بل على انضباط وانتظام وتفاهم كامل عناصر المنتخب.
وقدم الألمان درساً تكتيكياً حيث استطاعت تشكيلة لوف (4-2-3-1) من خلال تمركز لاعبيه على أرض الملعب من إحكام قبضتها على المباراة بشكل مطلق وامتاز الفريق بتمرير الكرة بسهولة والتحرك بشكل مناسب من الهجوم إلى "الدفاع" والتمركز حسب متطلبات كل كرة.
وأظهر الثلاثي الشاب أوزيل ومولر وخضيره الذي لا يمتلك خبرة دولية كبيرة، نضجاً ذهنياً غير مسبوق فكانت كرة وسط المنتخب الألماني تدور بشكل سلس من اليسار إلى اليمين دون التسرع في حسم الهجمات مما جعل المانشافت يسيطر على وسط الملعب ويستحوذ على الكرة لأطول فترة ممكنة.
وكسائر زملائه كان كلوزه على الموعد رغم أن عدة انتقادات كانت قد وجهت سهامها نحوه واعتبرت أن كيفن كوراني هو المهاجم "الشرعي" نظراً للمستوى المميز الذي قدمه مع فريقه شالكه (18 هدفاً)، وتمكن من تسجيل الهدف الثاني (27) بعد رأسية رائعة وأصبح بذلك ثاني أفضل هداف في تاريخ ألمانيا مشاركة ًمع يورغن كلينسمان، وهو بات يحتاج إلى ثلاثة أهداف لمعادلة الرقم القياسي المسجل باسم الأسطورة غورد مولر.
ولا يمكن التحدث عن مباراة ألمانيا أمام أستراليا دون أن نذكر سامي خضيرة الذي خاض أول مباراة له في كأس العالم، وقد ظهر خضيرة التونسي الأصل الذي دخل المباراة في ظل ضغط كبير كونه حل بديلاً لبلاك بشكل رائع واستطاع هو ورفاقه استغلال المساحات والفارغات في دفاع منتخب أستراليا من خلال التمريرات "العميقة" مما كشف ضعف التنسيق عند أبناء المدرب بيم فيربيك.
وتألق الألمان دفاعاً كما في الهجوم فعلى الرغم من دخول منتخب أسترالياً الشوط الثاني وهو متخلفاً بفارق هدفين ومحاولته الضغط باتجاه مرمى مانويل نوير إلا أن الألمان استطاعوا سريعاً امتصاص الفورة الأسترالية بشكل ممتاز ولم تتراجع تشكيلة لوف إلى الخلف سعياً للمحافظة على النتيجة كما يفعل سائر المنتخبات بل انبرى لاعبوه للهجوم وتابعوا التحرك بدون كرة والتمرير بشكل سريع والتسديد والتمركز وإعادة التمركز وكان التناغم والتناسق العنوان العريض لأداء المنتخب الألماني.
وأسفرت سيطرت الألمان في الشوط الثاني عن تسجيل هدفين لتوماس مولر في الدقيقة 68 وكاكاو في الدقيقة 70، علماً أن الأخير سجل بعد دقيقتين من دخوله إلى الأرض الملعب مما يدل أن لوف يملك أوراقاً مهمة على مقاعد الاحتياط يمكن أن تكون اخطر من الأساسيين على بقية المنتخبات التي ستواجهه.
وظهر المنتخب الألماني وكأنه يلعب على أرضه في مباراة تحضيرية مع فريق من الدرجة الثانية، ولم تعكس نتيجة المباراة روعة أداء ألمانيا إذ أنه كان بالإمكان أن تنتهي المباراة بنتيجة 6 أو 7 -صفر بدون مبالغة.
ولم تخسر أستراليا في مباراتها الأولى 4-صفر فقط بل خسرت أيضاً جهود تيم كاهيل أبرز لاعبيها الذي كان قد طرد بعد تدخل عنيف على باستيان شفاينشتايغر، وسيكون على منتخب "الكنغورو" استجماع قواه العقلية بعد هذه الخسارة القاسية والتركيز على مباراته القادمة مع منتخب غانا.
وبهذا الفوز يكون المنتخب الألماني قد وجه رسالة شديدة اللهجة إلى بقية المنتخبات التي تطمح للفوز باللقب وسيعرف خلال المباريات القادمة ما إذا كانت ألمانيا فعلاًَ قوية أو أن المنتخب الأسترالي كان ضعيفاً جداً وذلك عندما تواجه ألمانيا منتخبات بمستوى البرازيل والأرجنتين وإيطاليا وإسبانيا.
وستكون الطريق مفتوحة أمام غانا التي أصبحت في موقع جيد لخطف نقاط المباراة الثلاث عندما ستواجه استراليا الجريحة، وستسعى غانا لاحقاً للفوز على ألمانيا من أجل تصدر المجموعة والهروب من مواجهة إنكلترا في حال استطاعت الأخيرة تصدر مجموعتها أمام منتخب الولايات المتحدة العنيد.
ولكن في كرة القدم لا ضمانات ولا مكان للتكهن فقد تتصدر الولايات المتحدة مجموعتها، وبالتأكيد فإن مباراة الأمس ستعطي جرعةً معنوية لأبطال لوف في حين أنها ستؤثر بشكل سلبي على المنتخب الأسترالي الذي أصبحت مهمته أصعب بكثير أمام غانا وصربيا لاحقاً.
ألمانيا أظهرت بعد مباراتها الأولى أنها دائماً حاضرة ومرشحة ولا يمكن استبعادها وأثبتت أن العقلية الكروية الألمانية لا تعتمد على "النجوم" بل على الانضباط والانتظام وهذا سر نجاحها الكبير.