الأمن المائي العربي : تهديدات مستمرة .. وتوصيات مكررة !!
الأمن المائي مصطلح جديد دخل إلى أدبياتنا العربية منذ قرابة عقدين من
الزمن ، وتعود جذوره إلى اتفاقية "ساي** بيكو" عام 1916، عندما طلبت الحركة
الصهيونية أن يكون للوطن القومي لليهود المحدد في وعد بلفور حدود مائية ،
تمتد من نهر الأردن شرقًا ومرتفعات الجولان من الشمال الشرقي ونهر الليطاني
في لبنان شمالاً ، وكان الهدف من ذلك السيطرة على مصادر المياه العربية .
ومع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخيرة .. برزت أهمية بحث
ودراسة مسألة الأمن المائي العربي ، لأنه وثيق الصلة بالأمن الغذائي العربي
، وهذا الأخير يعتبر أهم مكونات الأمن القومي العربي ، الذي يتعرض للعديد
من التحديات .
ومن هنا .. فقد بادر مركز الدراسات العربي- الأوروبي إلى عقد مؤتمره الدولي
الثامن حول موضوع الأمن المائي العربي ، على شاطئ النيل في القاهرة ، بهدف
دراسة ملف الأمن المائي العربي واستخلاص مقترحات التغلب على التحديات التي
يتعرض لها .
ويعتبر مؤتمر الأمن المائي العربي الذي اختتم أعماله في القاهرة في 23
فبراير 2000 بعد ثلاثة أيام من المناقشات والمداولات ، حلقة ضمن سلسلة من
حلقات الاهتمام العالمي بقضايا المياه كما يعتبر مؤتمرًا شاملاً من حيث
الموضوعات التي تناولها والمناخ العام الذي دارت فيه المناقشات ، وتأتي
أهمية هذا المؤتمر من الآتي:
- مناقشة الأمن المائي العربي بمشاركة صانعي القرار في الدول العربية
والمعنيين مباشرة بملف المياه وبحضور خبراء ومراقبين وباحثين عرب وأجانب ،
مما أضفى على المؤتمر الصفة الدولية .
- أن هذا المؤتمر لم يصبغ بالصبغة الرسمية ، وهذا الأمر أتاح لجميع
المشاركين فرصة التحاور والمناقشة بموضوعية وبعيدًا عن الطريقة الدبلوماسية
التي تسطح الموضوعات أحيانًا .
- لم يتركز الاهتمام بالمياه العذبة فقط ، ولكن تطرَّق إلى موضوعات أخرى
مثل المضايق البحرية والمياه الإقليمية لما لها من دور في تحقيق الأمن
المائي العربي .
يأتي هذا المؤتمر في أعقاب انتهاء اجتماعات مجلس المياه العالمي في القاهرة
في منتصف شهر فبراير 2000 وقبل انعقاد منتدى المياه العالمي في هولندا في
منتصف مارس 2000 الذي ستعرض فيه رؤية عالمية لحل مشكلات المياه ، وبالتالي
هناك أهمية لصياغة رؤية عربية في هذا المجال ، وهو ما سعى إليه المؤتمر .
نصيب العربي الأدنى في العالم
لقد جسدت الأوراق التي نوقشت في المؤتمر أبعاد أزمة المياه في الوطن العربي
، من خلال تحديد حجم الموارد المائية العربية المتاحة واستخداماتها
الحالية ومدى كفايتها ، وفي هذا الصدد اتضح عدد من المؤشرات والحقائق هي:
- يبلغ حجم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي حوالي 371.8 مليار متر
مكعب ، يستخدم منها 208.8 مليار متر مكعب ، منها 3.6% للاستخدام البشري
مقابل 3.7% للاستخدامات الصناعية والباقي للزراعة .
- تتفاوت أنصبة الدول العربية من المياه ، حيث تحصل دول المشرق العربي على
40.9% من إجمالي الموارد المائية العربية مقابل 23% لدول المغرب العربي
و31% للدول العربية في حوض النيل و4.6% في الجزيرة العربية .
- تمثل المياه السطحية الجانب الأساسي من الموارد المائية العربية ، حيث
يهطل على الوطن العربي أمطار تبلغ 2280 مليار متر مكعب سنويًا يستغل منها
350 مليار متر مكعب كمياه سطحية والباقي يفقد في الأرض ، إلى جانب ذلك هناك
حوالي 7700 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العربية غير مستغلة . - تمثل
تحلية المياه في الوطن العربي حوالي 60% من إجمالي تحلية المياه في العالم
ولكنها مكلفة وما زال العالم العربي في حاجة إلى المزيد منها .
- يعتبر نصيب الفرد العربي من المياه أدنى نصيب للفرد في العالم حيث تراجع
من 3300 متر مكعب سنويًا عام 1960 إلى 1250 متر مكعب عام 2000، ومن المتوقع
أن يصل إلى 650 مترا مكعبا عام 2025، وهذا بسبب تزايد عدد السكان العرب
الذي تجاوز 250 مليون نسمة .
- تبلغ مساحة الأرض العربية الصالحة للزراعة حوالي 200 مليون هكتار لا يزرع
منها سوى 47 مليون هكتار فقط ، ويرجع السبب الرئيسي في هذا إلى نقص المياه
.
أزمة المياه العربية من المحيط إلى الخليج
مع التسليم بأزمة المياه في الوطن العربي إلا أنه يجب التأكيد على أن أزمة
المياه تختلف أبعادها في الوطن العربي من منطقة إلى أخرى على النحو التالي:
- في منطقة المغرب العربي: تعتبر أزمة المياه في هذه الدول ذات بعد فني ،
وذلك لأن الدول في هذه المنطقة لا تستخدم إلا ما يتراوح بين 11% إلى 53% من
مواردها المائية التقليدية المتجددة ، وذلك لأن استغلالها يكلفها الكثير
لأن أغلبها مياه أمطار ومياه جوفية .
- في منطقة حوض النيل: يتوفر لدى مصر والسودان المياه ، ولكن في مصر .. تم
وضع خطة سيتم تنفيذها بنهاية عام 2017 وتهدف إلى زيادة الموارد المائية من
المصادر المختلفة بما في ذلك تحلية مياه البحر في سيناء وساحل البحر
الأحمر؛ لمواجهة التوسع في استصلاح الأراضي ، كما أن الحرب في جنوب السودان
تعطل إنهاء مشروع قناة "جونجلي" التي ستوفر مزيدأ من المياه لمصر والسودان
.
- في دول مجلس التعاون الخليجي واليمن: تعتبر المياه الجوفية وتحلية مياه
البحر المصدر الرئيسي للمياه ، ويستهلك القطاع الزراعي 85% من المياه ،
ويصل نقص المياه إلى حوالي مليار متر مكعب ، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب
على المياه في هذه الدول إلى 47 مليار متر مكعب بحلول عام 2015، ولكن سيكون
المتوفر في ذلك الوقت 21.5 مليار متر مكعب ، وهو ما يعني تفاقم عجز المياه
في هذه الدول مستقبلاً .
- في المناطق العربية الأخرى: مثل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين والعراق
فإن أزمة المياه لها أبعاد أخرى منها ما هو فني ناجم عن الطبيعة المناخية
القاحلة في بعض هذه الدول ، ومنها ما هو سياسي مرتبط بسياسة تركيا بشأن
نهري دجلة والفرات وبإسرائيل التي تسعى للسيطرة على المياه العربية في
المناطق المحيطة بها .
تحديات الأمن المائي العربي:60% من الخارج
رغم عدم الاتفاق التام بين الخبراء والمتخصصين والمسئولين حول التحديات
التي تواجه الأمن المائي العربي .. إلا أن هناك درجة كبيرة من الاتفاق حول
عدد من التحديات والتي يمكن إجمالها في الآتي: - محدودية الموارد المائية
العربية المتجددة وتراجع نصيب الفرد العربي من المياه بدرجة كبيرة .
- المياه المشتركة مع الدول الأخرى غير العربية حيث إن أكثر من 60% من
الموارد المائية العربية يأتي من خارج الوطن العربي .
- أطماع إسرائيل في السيطرة على الموارد المائية العربية ؛ حيث إن المياه
تشكل أهم مكونات الإستراتيجية الإسرائيلية
- تدني إنتاجية وحدة المياه في الوطن العربي بسبب عدم كفاءة استخدام المياه
العربية .
- تدهور نوعية المياه بسبب التلوث الناجم عن الاستخدام الآدمي أو النشاط
الصناعي والزراعي .
- قصور الموارد المالية العربية المخصصة لتطوير حجم واستخدام الموارد
المائية العربية .
- قلة الوعي العربي العام بخطورة أزمة المياه وما تتطلبه من الحفاظ عليها
وحسن استغلالها وتنميتها .
وبعد رصد هذه التحديات التي تهدد الأمن المائي العربي كان من الأهمية بمكان
وضع السبل الكفيلة بالتغلب على هذه التحديات ، وهو ما جاء في معظم الأوراق
التي نوقشت في المؤتمر وإن كان الملاحظ أن كل ورقة قد اقترحت أساليب جزئية
ولم تضع رؤية متكاملة ، إلا أنه يمكن إيجاز أهم الأساليب المقترحة لمواجهة
تحديات الأمن المائي العربي والتي جاءت ضمن توصيات المؤتمر في الآتي:
- وضع هدف إستراتيجيي عربي يتمثَّل في تحقيق تكامل بين الدول العربية في
مواجهة القضايا المتعلقة بالأمن المائي ، وتبني دعوة الجامعة العربية لعقد
قمة مائية عربية .
- تشكيل لجنة فنية تقوم بالوساطة بين سوريا والعراق لحل الخلافات حول
اقتسام مياه دجلة والفرات .
- مراجعة الدراسات والبحوث العربية السابقة في مجال الأمن المائي ، والربط
بينها وبين مشاريع البحوث المقترحة ، وربط هذه البحوث بالمجال التطبيقي .
- وضع قضايا المياه على قمة قائمة اهتمامات الحكومات والشعوب العربية
وزيادة الوعي المائي العربي .
- العمل على وضع صيغ قانونية تؤكِّد الحق العربي في المياه التي تأتي من
خارج الوطن العربي .
- التركيز على زيادة الاستفادة من المياه العربية الحالية ، وتقليل الفاقد
منها ، وزيادة إنتاجية وحدة المياه .
- وضع رؤية عربية بشأن القضايا المتعلقة بالمياه؛ مثل تس*** المياه ، وبنوك
المياه ، وبيع المياه ، ونقل المياه خارج أحواض الأنهار الدولية .
- المواجهة الجماعية للأطماع والسياسات التي تهدف إلى سلب العرب حقوقهم في
المياه أو سرقة المياه العربية .
- تشجيع المستثمرين العرب على زيادة استثماراتهم في مجال مشروعات المياه ،
وخاصة في مشروعات تحلية مياه البحر
- إدارة المياه العربية من خلال نظرة متكاملة تراعي البعد البيئي
والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، والاستفادة من الخبرة الدولية في هذا
المجال .
- ورغم وجاهة كل هذه المقترحات .. إلا أن الشيء الذي يجب التأكيد عليه هو
أنه بالرغم من خطورة التحديات التي يواجهها الأمن المائي العربي إلا أن
الاستعداد العربي على المستوى العملي لمواجهة هذه التحديات ما زال ضعيفًا
جدًا بدليل عدم الاتفاق العربي بشأن إستراتيجية مائية عربية ، وعدم تجاوب
الدول العربية مع دعوة أمين عام جامعة الدول العربية لعقد قمة عربية حول
المياه التي نادى بها منذ عام 1995، كما أن هناك عدم وضوح في الرؤية
بالنسبة للخطوات العملية العربية التي ستتخذ في المستقبل بشأن قضايا المياه
على المستوى الوطني أو الإقليمي ، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية نتائج هذا
المؤتمر ، والذي يمكن اعتباره على أقل تقدير ظاهرة علمية وسياسية لتأكيد
خطورة الوضع المائي العربي ، كما يمكن اعتباره نقطة انطلاق لحوار عربي-
تركي حول المياه