ربما هي سنوات طويلة لم تنجب البطولة الوطنية "المسكينة" والمغلوبة على أمرها هدافا متميزا مثلما هو الحال هذه المرة مع قلب هجوم وفاق سطيف عبد المالك زياية الذي تحول في ظرف قصير إلى ظاهرة كروية بأتم معنى الكلمة حتى أن العام والخاص أضحى يتحدث عنه إلى درجة أنه أصبح محل اهتمام الكثير من الأندية الأوروبية عموما والفرنسية على وجه الخصوص.
ونظن أن زياية نفسه لا يصدق فعلا ما يحدث له وهو الذي كان إلى وقت قريب يطمح فقط في الظفر بمكانة بين الفاعلين في الكرة الجزائرية على الصعيد المحلي.. ولعل في قصة إبن قالمة مع النجومية ما فيه الكثير من الطرافة، كيف لا وهو الذي يدين إلى شخص لا يعرفه إلى اليوم بكل ما وصل إليه وسيصل أيضا من نجومية وشهرة.
مناصر سطايفي وراء تصويب الأنظار إليه
فكل شيء بدأ لزياية عندما خطف أنظار صديق عزيز على رئيس وفاق سطيف عبد الحكيم سرار الذي كان يتابعه عن قرب في بطولة ما بين الرابطات مع فريقه ترجي قالمة. صديق "حكوم" معروف عنه أن لديه حسا كبيرا بخصوص المواهب الصاعدة التي "يشتمها في مهدها، وهو ما حدث فعلا مع عبد المالك عندما جلب اهتمامه منذ خمس سنوات، فلم يجد من بد إلا الاتصال بصديقه سرار ليبشره بميلاد "ظاهرة" كروية بقالمة تستحق المتابعة والمشاهدة.
وعندما وصل الخبر اللاعب الدولي الأسبق والمشرف الأول على "الكحلة" طلب الأخير، بفضل حنكته الكروية الكبيرة، من زميله التكتم على الأمر إلى غاية معاينة اللاعب بنفسه.
القصة يسردها للشروق عبد الحكيم سرار بنفسه: "كان ذلك منذ خمس سنوات وبالضبط عندما جاءني صديق ليخبرني بتألق مهاجم من الطراز الجيد في ترجي قالمة، وبطبعي أحبذ لاعبين من هذا المستوى، لأنني مقتنع بمقولة أنه قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، فما كان علي إلا أن أتحرى السرية التامة وأتنقل ذات جمعة إلى قالمة كي أتابع عن قرب الشاب الذي قيل عنه الكثير، ولو أني كنت متأكدا من أن صديقي صائب في حكمه، لأنني عهدته مكتشفا ماهرا للمواهب الصاعدة" يروي سرار.
سرار تخفى وراء قبعة لمعاينته بزي ترجي قالمة
وجاء اليوم الموعود الذي اختاره رئيس "الكحلة" للتنقل إلى قالمة "أتذكر -يقول سرار- أنني قررت معاينة اللاعب ذات يوم جمعة، كانت المنافسة أنذاك تقترب من نهايتها، لا أذكر بالضبط منافس ترجي قالمة في ذلك اليوم، لكن الذي لا أزال أحتفظ به من تنقلي يومها أن زياية أدى مباراة كبيرة على الرغم من أنه لم يكن يعلم على الإطلاق بوجودي بالملعب، والسبب أنني فعلت المستحيل حتى لا ينكشف أمري حتى أني فضلت وضع قبعة على رأسي والدخول في طابور مع الأنصار لاقتناء تذكرتي قبل أن آخذ مكانا لي في المدرجات وأتابع المباراة كبقية المناصرين".
سجل ثلاثية أمام مرآى "حكوم"
والحقيقة أن سرار نجح كثيرا في مهمته إلى درجة أن لا أحد من القالميين تفطن لتواجده في المدرجات ما سمح له بالتركيز الجيد على المقابلة فخرج جد راض على ما قدمه زياية بالمناسبة، كيف لا، وقد تمكن اللاعب من إمضاء ثلاثية كاملة وبكيفيات مختلفة لايزال سرار يذكرها إلى اليوم "ما فعله زياية في تلك المباراة فريد من نوعه، فقد أمضى ثلاثة أهداف كاملة ومن وضعيات مختلفة أكد بها أنه فعلا هداف من الطراز الجيد على الرغم من أنه كان ينتمي إلى فريق من القسم الأسفل، فاقتنعت أن هذا العصفور النادر لا يمكنه أن يفلت من بين يدي، وهو ما سارعت لتجسيده من خلال التقرب من اللاعب فور انتهاء المباراة، حيث تفاجأ الأخير كثيرا لتواجدي بالملعب، وكم كانت فرحته كبيرة عندما علم بأنني أريد ضمه إلى الوفاق، حيث قبل على الفور الالتحاق بنا".
مليون سنتيم عربون علاقة جديدة
وفي معرض استحضار ذكريات إبرام صفقة زياية، كشف سرار أنه منح مليون سنتيم لوالدة اللاعب عندما حل ضيفا على البيت العائلي قبل مغادرته لقالمة، كعربون علاقة جديدة بين الطرفين، وهو ما استحسنته والدة زياية كثيرا. وواصل سرار سرده للشروق لأسرار جلبه لزياية عام 2005 بالحديث عن قيمة منحة الإمضاء الأولى التي تحصل عليها الهداف القالمي من إدارة الوفاق حيث حصل على 120 مليون سنتيم مقابل الإمضاء على عقد مدته ثلاث سنوات.
والواقع أن سرار لم يولي أهمية كبيرة لمدة العقد، لأنه كان مقتنعا من يومها بأن زياية لن يمكنه تغيير الأجواء إلا لفريق أجنبي، ما يعني أن الرجل الأول في "الكحلة" كان يفكر في مشروع تحويل لاعبه الجديد إلى الخارج منذ أن وطئت قدماه بيت الوفاق، ليتأكد مع مرور السنوات بأن سرار لم يخطئ الاختيار بدليل أن تحويل اللاعب إلى أحد الأندية الأوروبية أضحى مسألة وقت فقط.
120 مليون سنتيم علاوة الإمضاء الأولى في الكحلة
وقبل ذلك، لا يمكن ان نتصور بأن مشوار زياية مع النادي السطايفي الكبير كان كله مفروشا بالورود، لأن اللاعب مر بفترة عصيبة الموسم الماضي بعد أن تحول فجأة إلى منبوذ الجماهير السطايفية إلى درجة أنه وجد نفسه مجبرا على "الهروب" من عين الفوارة والاختفاء في قالمة خشية التعرض لأذى الأنصار، ما فتح الأبواب على مصراعيها لعدد من الأندية كانت ترغب استغلال الفرصة للظفر بخدماته، وهو ما رفضه سرار إطلاقا، حيث عرف كيف يقنع الأنصار بالتخلي عن موقفهم تجاه إبن قالمة عندما حذر من تقبل أهداف في مرمى سطيف من طرف اللاعب نفسه، ولكن تحت زي فريق آخر، تهديد دفع المناصرين للعودة لجادة الصواب ليعود بعدها زياية في الصائفة الماضية إلى سطيف ويأخذ ثأره بطريقته الخاصة من خلال سيل من الأهداف لا يمل من تسجيلها باختلاف المنافسات التي يخوضها سواء بالداخل أو بالخارج.
من منبوذ السطايفية إلى محبوبهم
ولأن الأمر كذلك، فإن زياية تمكن في ظرف وجيز من خطف الأنظار إلى درجة أن قيمته في بورصة التحويلات ارتفعت بشكل جنوني مثلما تدل عليه تصريحات الرئيس سرار للشروق في عدد أمس عندما أفصح عن شرطه في التنازل عن لاعبه لفريقه أجنبي مقابل 2 مليون أور (ما يقارب 25 مليار سنتيم)، ما يعني أن قيمة زياية قفزت إلى هذا المبلغ الكبير في أقل من خمس سنوات بعد أن تم جلبه من ترجي قالمة بـ120 مليون سنتيم فقط.
والأكيد أن اشتراك زياية المحتمل جدا في نهائيات كأس إفريقيا للأمم من شأنه أن يزيد في علو كعب اللاعب سيما في حالة ما إذا واصل التألق بالشكل الذي يفعله حاليا، وهو الذي تمكن في الأسبوع الأخير فقط من تسجيل ستة أهداف في ثلاث مباريات (ثنائية في كل مقابلة).
"الكان" للرفع من أسهمه
وفي انتظار ذلك، يتأسف كل السطايفيين لغياب زياية عن مباراة العودة من نهائي كاس الكاف بسبب البطاقة الحمراء التي تعرض اليها في لقاء الذهاب بسطيف الأحد الماضي، ولعل ما يؤكد قيمة الهداف القالمي أن المنافس المالي تنفس الصعداء لغيابه الإضطراري عن فريقه في السفرية المالية.. ومهما يكن، فإن الكرة الجزائرية قد كسبت في شخص زياية هدافا من طراز خاص مضت سنوات طويلة لم نعثر عليه في الميادين الجزائرية، ما يتطلب منه أن يدرك حجم المسؤولية التي صارت عليه، ويدفعه لتحملها من خلال سيرة احترافية في مستوى حياة المشاهير الجديدة التي أصبح يعيشها.
شقيقه كاد أن يلعب في الوفاق لو لم يتخطفه الموت
كان من المفروض أن يكون عبد المالك الثاني في عائلة زياية الذي يتقمص ألوان وفاق سطيف بعد أن كاد أن يسبقه شقيقه إلى عين الفوارة، لكن القدر شاء أن يتخطفه الموت قبل تحقيق هذا الحلم في منتصف التسعينيات عندما ذهب ضحية حادث مرور مؤسف. وكان المرحوم يتقمص حينها ألوان مولودية قسنطينة.
عبد الغني جداوي : مع غزال سيشكل ثنائيا من نار في هجوم الخضر
انبهر المدرب الوطني الأسبق عبد الغني جداوي كثيرا بالإمكانات الكبيرة التي أبان عنها زياية في ذهاب نهائي كأس الكاف الأحد الماضي بسطيف، حيث حضر خصيصا لمعاينته لحساب نادي سوشو الفرنسي. ومن بين ما صرح به جداوي أنه يرى في زياية والدولي الجزائري عبد القادر غزالي ثنائي هجومي من نار بإمكانه أن يمنح دفعة قوية للخضر خلال مواعيدهم الرسمية القادمة.
لماذا تأخر سعدان في استدعائه
ظل رئيس وفاق سطيف كاتما غضبه من المدرب الوطني لشهور عديدة بسبب عدم استدعائه لمهاجمه زياية إلى التشكيلة الوطنية.. وظل سرار يبحث عن الأسباب التي جعلت سعدان يتجاهل إبن قالمة إلى أن تذكر بأن "الشيخ" كان دائما يعيب على زياية عدم نضجه التكتيكي عندما كان المدرب الوطني الحالي يشرف على الكحلة التي فاز معها بكأس العرب.. لكن سعدان يكون قد رضخ لضغط زياية الذي ظل يرد عليه بتسجيل مزيدا من الأهداف، إلى أن اضطر سعدان لمهاتفة سرار الخميس الماضي ليعلمه بقرب استدعاء هدافه إلى المنتخب الوطني.
وصية سرار
لعل الشهرة الخاصة التي أصبح يتميز بها زياية تدفع المحيطين به من مسيري الوفاق وعائلته بالخصوص إلى التفكير في أفضل الطرق التي تسمح له بعدم تضييع مشوار كروي من المستوى العالي، كل ذلك يدفع لرعاية خاصة من هؤلاء للاعب وهو ما تجلي من خلال الاجتماع الخاص الذي حدث بين رئيس الوفاق وشقيق زياية الذي يعد في نفس الوقت مناجيره الخاص، حيث طلب منه تحري الحذر في التعامل مع العروض القادمة من وكلاء اللاعبين، ناصحا إياه بعدم التعاقد مع أي منهم.