شكل الطريق من القمة العالمية حول قضية التغير المناخي بالعاصمة الدانمركية كوبنهاغن أبرز محطات العام 2009 ،لما تم فيها من استعراض لعدد من القضايا الأساسية التي
أصبح طرحها أكثر من ضرورة تشتد إلحاحا أكثر من أي وقت مضى تفرض، وتشكل حضورا شديدا وقويا في مختلف المناقشات على مستوى المنابر السياسية والإعلامية والثقافية.
ومن القضايا الكبرى التي شغلت الرأي العام،
وفرضت نفسها كثيرا في الفترة الأخيرة قضية حتمية التغير المناخي التي أصبح حدوثها أمرا واقعا بغض النظر عن تأثير الإنسان فيه، مما ترتب عن ذلك التفكير في حجم التغير المناخي المتوقع، أو الحد الأقصى لحجم التغير المناخي الذي يمكن يمنحنا فرصة التكيف والتعايش معه، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، برزت قضية كيفيات توزيع المسؤوليات بين الدول عن هذه المسألة، وكيفية تحميل التبعات المترتبة على اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحد منها والتعامل مع تبعاتها وآثارها إلى العلن، فخلال الأيام التي سبقت القمة العالمية بكوبنهاغن، والتي شغلها تحضير مكثف من طرف الدول والهيئات والأخصائيين، حصل شبه توافق عام على قدر ضئيل من أن الأهداف تضمنتها اتفاقية كيوتو ,
بالرغم من أن كثير من التقارير تشير إلى أنها لم تعد كافية، وأنه آن الأوان لأن تشترك كل الدول في الالتزام بخفض ملموس لانبعاثاتها، خصوصا دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل واستراليا، بالإضافة إلى الدول التي قبلت بمبدأ الالتزام ببنود اتفاقية كيوتو كالاتحاد الأوروبي وكندا .
فالاتحاد الأوروبي أعلن من جهته عن استعداده لخفض حجم انبعاثات دوله بنسبة20 بالمائة، مقارنة بعام1990، وبنسبة 30 بالمائة إذا التزمت بقية الدول بذلك.
واليابان أعلنت عن استعدادها لخفض حجم انبعاثاتها بنسبة 25 بالمائة ، الولايات المتحدة أعلنت عن استعدادها لقبول مبدأ الالتزام والدخول في نطاق اتفاقية جديدة، لكنها حددت نسبة الخفض بمعدل 4 بالمائة.
أما الصين والهند أعلنتا عن استعدادهما لقبول مبدأ الالتزام، إذا تعهدت الدول الصناعية بخفض نسبته40 بالمائة، واشترطتا أيضا أن تلتزم الدول الصناعية ببذل نسبة 1 بالمائة من إجمالي الدخل القومي فيها لمساعدة الدول النامية على التغلب على تأثيرات التغير المناخي، وعلى العمل على تخفيض انبعاثاتها.
كما شددت مجموعة إفريقيا التي كانت في مستوى الحدث، ولأول مرة بعد غيابها غير المبرر في كيوتو وفي بالي بموقف موحد ومشترك ينطلق من واقع تم تبنيه في قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت خلال شهر جوان الماضي بسرت الليبية، حيث انبثقت لجنة العشرة الإفريقية التي أسندت لها مهمة التحضير للقمة العالمية بكوبنهاغن.
واتفق المؤتمرون الأفارقة على أن الوقت الراهن يبرز مدى خطورة الوضع على كوكب الأرض، ومنعكس ذلك الذي على التنمية المستدامة، وعلى دول الجنوب، خاصة دول إفريقيا، وعلى ذلك برزت الحاجة إلى التفكير في طرائق التكيف مع الواقع الجديد الناجم عن التغيرات المناخية ، والتصدي إلى كل آثارها، مع العمل على تحديد المسؤوليات، وحث الدول المتطورة على التقليص من الانبعاثات الغازية للتوصل إلى تحقيق استقرار في إفرازات الكربون في أفاق 2020، ووضع حد للاحتباس الحراري في 2050، بالإضافة إلى أهمية العمل على مساعدة الدول الفقيرة في تمويل المشاريع والتكوين والتحكم في التحول التكنولوجي.
كما شددت منظمة أوبك على ضرورة أن تحظى الدول المصدرة للنفط والغاز بتعويضات مجزية عن انخفاض صادراتها، والتي تم تقديرها بما يقارب 150 بليون دولار سنويا.
والمجمل في بعد كل هذا هو مطالبة الدول الصناعية والكبرى بالتركيز على التقنيات التي تساعد على احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون، وإعادة ضخه في باطن الأرض بدلا من العمل على تقليص حجم المنبعث منه، ثم إنها تطالب بمراجعة السياسات الوطنية التي تنحاز إلى استخدام الفحم بدلا من الغاز والبترول، لأن هذه السياسات تشكل عقوبة غير منصفة على دول الغاز والبترول، في حين أن الفحم ربما كان أكثر ضررا للبيئة.
وسار الجميع إلى كوبنهاغن في سعي إلى استحداث اتفاقية ملزمة يجري التوقيع عليها من طرف القادة بعد مناقشتها، تكون بمثابة اتفاق مبادئ عام يساهم في تفعيل اتفاق كيوتو، بل ويضيف على هذا الاتفاق بنودا أخرى تجري صياغتها في صالح الأرض، وتصب في مسار عمل يهدف إلى تفعيل مفاوضات المناخ .
وعلى مدار أسبوعين من الجدل الحاد بين خبراء الدول الموقعة على اتفاقية كيوتو، فشل الكل في صياغة الوثيقة، فالهوة بين الشمال والجنوب داخل المؤتمر بدت أكبر من واقعها على مستوى الجغرافيا، والنتيجة هي أن شتاء كوبنهاغن قدر له أن يكون الشاهد على طلاق استباقي بين المنتسبين لكيوتو وكيوتو التي كان من المفروض أن ينتهي العمل بها في عام 2012، معلنا بذلك بداية استباقية أخرى لتأبين الأرض!!؟.
وفي اليوم الأخير من المؤتمر الأممي حول المناخ، وفي محاولة سباق مع الزمن بدا في الأفق بصيص أمل يجنب الإنسان المآسي المنتظرة، ترجمه عن مشروع قرار سياسي لمكافحة الاحتباس الحراري.
وتضمن المشروع تعهدا من الدول الغنية بمنح الدول الأكثر فقرا والمتضررة من ظاهرة الاحتباس الحراري مبلغ 100 مليار دولار سنويا حتى العام 2020 لمساعدتها على التكيف مع ارتفاع حرارة الأرض، وخفض انبعاثات الغاز.
كما تضمن التزاما بالحفاظ على درجة حرارة الأرض إلى مستوى درجتين مئويتين مع حلول العام 2050.
كما تضمن أيضا، إنشاء لجنة من الحكماء توكل إليها مهمة التوصل إلى اتفاق في غضون 6 أشهر حول ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الأرض، كما تضمن مبدأ الشفافية الذي يمنح شرعية المراقبة لمجتمع الدولي، وهو ما رفضته الصين التي تعد المصدر الأول لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وعرضت الوثيقة على قادة الـ120 دولة ورئيس حكومة لتبنيها كوثيقة نهائية لمكافحة الاحتباس الحراري في ختام المؤتمر ، غير المواجهة الشرسة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول مبدأ الشفافية أزمت الموقف، مما فرض على الطرفين الدخول في جولة ثانية من المفاوضات، ولمدة ساعات، انتهت بتبني الأطراف المشاركة على تبني مسودة، التي بمجوبها تقضي بتحديد سقف ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، نسبة إلى فترة ما قبل الثورة الصناعية، غير أنه لم يتضمن هدف تقليص انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض بنسبة خمسين بالمائة حتى عام 2050، الشيء الذي اعتبر غير كافي.
كما تضمنت المسودة الاتفاق على التحضير لقمة التغير المناخي العالمية بمكسيكو التي ستجري في نهاية 2010، مما أجل الإعلان عن كيوتو.
وبموجب مسودة الاتفاق تعهدت الدول الصناعية بتقديم مصادر جديدة وإضافية للمساعدة على التنمية للدول النامية الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية من خلال صندوق دعم يشحن بمبلغ إجمالي قدره 30 مليار دولار حتى عام 2012، على أن يرتفع ذلك إلى مائة مليار دولار مع حلول 2020 .
وفي الوقت الذي رحب فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمسودة بالاتفاق، ووصفه بالبداية الضرورية اعتبرت المدافعون عن البيئة مسودة الاتفاق كارثة على الدول الأكثر فقرا، وهو ما ذهبت مجموعة 77 حيث وصفته بالأسوأ، معلنة بذلك عن موت معاهدة كيوتو التي اتفق المشاركون في كوبنهاغن على موعد (بون – جوان القادم ) بعد ستة أشهر حيث سيجري عقد قمة تحضيرية لإجراء مراسيم دفنها في لقاء مكسيكو العام القادم.