يرى عبد الرحمان بن خالفة المفوض العام لجمعية البنوك والمؤسسات المالية في هذا الحديث الخاص مع “موقع الإذاعة الجزائرية”، أنّ السنة المالية 2009 كانت مقبولة.
ويبرر حكمه بتحديث نمو الدفع وتوسيع رقعة التمويلات فضلا عن تعزيز الرقابة، بما أدى إلى ارتفاع نسب النمو القطاعية في الجزائر، وتمكنها من التعاطي مع الأزمة المالية العالمية وفق إجراءات تصحيحية سيكون لها أثرها الايجابي مستقبلا.
• ما تقييمكم للوضع المالي العام في الجزائر خلال سنة 2009؟
- السنة الحالية من السنوات الصعبة، والجزائر كما الدول الأخرى، جرى تقييمها من عدة مؤسسات دولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي لأنّها كانت السنة الصعبة ماليا واقتصاديا، وتقييم هذا العام بالنسبة لنا مقبولا بالنسبة لنا وعديد المتعاملين، من حيث مستوى الموارد، الاستثمار، التضخم، البطالة، وتهيئة المرافق.
الوتيرة التي استمرت بها الجزائر، قليلا ما تمت في بلدان أخرى أقدمت على مراجعة اقتصادها، لكنها تراجعت إلى مستويات سلبية، بينما النمو عندنا ارتفع إلى حدود 4 و5 بالمائة، وفي بعض القطاعات تضاعف إلى 10 بالمائة، هذا ما يقودنا إلى اعتبار السنة جيدة إذا ما قورنت باقتصاديات أخرى كان فيها انكماش وركود.
من ناحية الاقتصاد الجزئي، القطاع المصرفي استمرّ بوتيرته في ثلاثة مسالك أساسية:
المسلك الأول يتعلق بتحديث منظومة الدفع، أين جرى الوصول إلى مستوى أكثر من مقبول، بحكم أنّ 95 بالمائة من الشيكات والحوالات بمليارات الدنانير، صارت تعالج إلكترونيا بعدما كانت خاضعة للمعالجة اليدوية، ما يمثّل قفزة نوعية في سبيل النهوض بالصناعة المصرفية في الجزائر.
المسلك الثاني يمس توسيع رقعة التمويلات التي تطورت من 8 بالمائة العام الماضي إلى 15 بالمائة هذه السنة، حيث جرى تخصيص 2800 مليار دينار (أكثر من 30 ألف أورو) من التمويلات المختلفة التي تجري في شرايين الاقتصاد، بينها قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الخاصة، لكن حصة الأسد عادت إلى الجهاز الاقتصادي بنحو 90 بالمائة.
المسلك الثالث، يخص الرقابة، حيث عززت البنوك من أدوارها كحامية لمصالح الوطن من خلال سيرها على حركة تحويل الأموال من وإلى الجزائر، إذ تقوم البنوك عبر 1400 من فروعها عبر الوطن بمراقبة ملايين عمليات تحويل العملة داخل وخارج البلاد، ضمن تطبيق ما نسميه بنظام مراقبة الصرف والتداولات التي يقوم بها 17 ألف متعامل في السوق كل يوم.
كما استمرت البنوك في لعب دور أساسي، لا سيما بعد الأعباء الجديدة التي فرضها قانون المالية التكميلي، في ميدان متابعة التجارة الخارجية والعمل على تماشيها مع التدفقات العينية وإخضاعها إلى أطر أخلاقية تترفع عن الغش، علما أنّ سنة 2009 شهدت أيضا دخول بنوك جديدة مثل البنوك الإماراتية والبريطانية، بما رفع عدد المؤسسات المصرفية في الجزائر إلى 28 بنكا تتمتع بسمعة دولية.
• ما مدى تأثير تراجع أسعار النفط على الإيرادات الجزائرية؟
- البلدان بصفة عامة مسّت من ناحيتين، الناحية المالية المباشرة ومن ناحية غير مباشرة أدى إلى انكماش، بالنسبة للجزائر فإنّ مواردها القديمة والجديدة لم تكن في أسواق مضاربة، وبالتالي لم تمّس بشكل مباشر، بينما في كل البلدان الأخرى التي لها صادرات زراعية أو خدمات سياحية، مسّت بسبب تقهقر وانكسار مواردها جرّاء انكماش مستوى الطلب الدولي بما في ذلك النفط، ما مسّ الجزائر سواء في المداخيل أو حجم الإنتاج.
برأيي أنّه ينبغي التفكير مستقبلا في كيفيات استثمار مواردنا بشكل يعطينا مردودية تعوّض عن الخسارة المسجّلة وأي آثار سلبية قد تمسنا على المديين المتوسط والطويل.
• قامت منظمة الدول المنتجة – الأوبك – مؤخرا بتحديد سقف الإنتاج النفطي العالمي بواقع 24 مليون برميل يوميا، ما مدى ارتباط ذلك بالأزمة المالية العالمية وهل سيؤثر ذلك على حجم مداخيل الجزائر النفطية؟
- في الحقيقة اقتصاد الجزائر وغيرها من الدول النفطية لا يقوم فقط على البترول، بل على الغاز أيضا، وفي المستقبل القريب ستأتي مداخيل إضافية من الصناعات الكيميائية، بما سيضمن تنويعا من مرحلة إلى أخرى، في صورة ما سيتمخض عن استثمار الجزائر في الأمونياك واليوريا، ما يمثّل الدرجة الثالثة من الاستثمارات.
هذا التنويع في الاستثمارات الطاقوية سيقلّل من تأثير البترول، ولعلّ إستراتيجية الجزائر على المدى الطويل يمكّنها عن تعويض ما ينقص في حقل أول بأرباح حقل ثان، وهذا هو أحسن استثمار، خصوصا عندما تأتي الأمور وفق تخطيط مسبق، ما يتيح فرصة أقلمة النفقات وفق المستوى المرتقب.
ما يضرّ هي صدفة السقوط ومفاجأتها التي تنجرّ عنها عواقب وخيمة، كمثل صدمة أزمة المال العالمية، حيث أنّ بعض البلدان كانت بحوزتها مواد قيمتها في السوق تربو عن مائة مليار، وبين عشية وضحاها انحدرت قيمتها إلى النصف.
في الجزائر هناك مُفرمل ويتعلق الأمر بصندوق ضبط الإيرادات وهو صمام أمان الاستثمارات الأساسية التي لا يمكن التراجع عنها، حيث يمكنه القيام بتغطية نفقاتها بمداخيل سنوات أخرى جرى ادخارها، وهذا يندرج ضمن آليات الإنفاق المتعدد سنويا، وهي في صلب تسيير الاستثمارات ببلادنا، بحيث تغطي مداخيل السنوات الميسّرة مقتضيات السنوات العجاف.
• هل نجحت الجزائر في التصدي للأزمة المالية العالمية من خلال ما أقرته في قانون المالية التكميلي؟
- جميع البلدان اتخذت هذه السنة إجراءات تصحيحية، كخطوة استباقية تأهبا لما ستحمله السنوات القادمة، والجزائر اختارت ضمن تدابيرها تخفيض حجم الواردات الكمالية التي لا تتمتع بطابع الأولوية، كما أقرّت الكثير من الميكانيزمات التي شُرع في تطبيقها سواء في المجال العيني أو المصرفي والتي تهدف للنهوض بنسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سواء من ناحية ضمان القروض أو تيسير الفوائد، وكذا التأهيل والمساعدة غير المباشرة، وهذا ما نهض به قانون المالية التكميلي المزاوجة بين تحجيم الواردات ودفع الإنتاج الوطني.
أوضح أنّ القروض المستندية ليست بالسهولة التي كانت عليها قروض أخرى، لكن التأقلم معها لا بدّ منه، ونعمل حاليا على آلية أقلّ كلفة، وعندما تدخل هذه الآلية حيز التنفيذ في التعامل اليومي، ستصبح أكبر ضمانا للاقتصاد، لأنّ القرض المستندي يصحبه عقد دولي، وهذا ما يعني أنّ الضمانات على المديين القصير والمتوسط ستكون أكثر.
الآن لا يكمن نقاش برأيي في إيجابية الإجراء، بل في تجسيد الانتقال من التحويل الحرّ إلى القرض الائتماني بأقل كلفة، كدعم المستوردين الذين يقدمون قيمة مضافة، فضلا عن منح الأولوية لآلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأشدّّد هنا أنّ الإجراءات التصحيحية التي توختها كثير من الدول كانت أكثر صرامة من الجزائر، وفرضتها الأزمة المالية وهي الأولى التي نعايشها من حيث طولها وآثارها.
• كيف تنظرون إلى نتائج الثلاثية الأخيرة وانعكاساتها على مستوى الدخل الفردي، من خلال رفع السقف الأدنى للأجور إلى 15 ألف دينار؟
- الثلاثية لها جانب اقتصادي وآخر اجتماعي، هذا الأخير اشتمل على رفع الأجور لأغراض تمس القدرة الشرائية، وقد جرى التعوّد على مراجعة السقف الأدنى للأجر القاعدي بصفة دورية، وهناك أشياء أخرى مست الجانب الاجتماعي كالتعاضديات، السكن وتيسير الفوائد.
من الناحية الاقتصادية، أتت الثلاثية بنتائج عديدة على غرار تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والحوار الدائم عبر أطر ما بعد الثلاثية، وكذا الأطر الهيكيلية مثل الكناس، والحوار الدائم بين الشركاء حتى تكون فيه استمرارية للحقول العينية والمصرفية بما ينعكس إيجابا على التنمية الوطنية.
وككل الثلاثيات، فإنّ الثلاثية الأخيرة كانت نقطة نوعية ووقفة لتعزيز الحوار بين المتعاملين في الساحة، وأعطى كذلك الفرصة للنهوض بالنسيج المؤسساتي ومحاربة البطالة وجعل القضايا الاجتماعية تتماشى مع الرهانات الاقتصادية خلال سنة 2010، في جوهر مرحلة النمو التي نعيشها.