تتواصل، منذ أمس، المهرجان الدولي الأول لفنون الأهقار: أبالسة- تين هينان” ، والذي تتوزع فقراته بين منطقتي تمنراست وأبالسة على شكل ندوات متبوعة بنقاش على مستوى دار الثقافة تمنراست ينشطها باحثون جزائريون وأجانب حول مواضيع تتعلق بالتراث القديم لسكان الطوارق.
كما يحتوي هذا البرنامج تنظيم قرية لورشات مختصة في الصناعات التقليدية بمنطقة أبالسة التي تحتضن ضريح ملكة الطوارق “تين هينان” إلى جانب إحياء سهرات فنية وأمسيات شعرية وعروض سينمائية.
وتعد هذه التظاهرة في طبعتها الأولى، التي تعكس تنوع التراث اللامادي للمنطقة ، وتندرج ضمن التدعيم الواضح للهيئات التي تشرف على تسيير التراث الوطني المادي وغير المادي من بينها ديوان الحظيرة الوطنية للأهقار .
للإشارة فإن ترسيم المهرجان على المستوى الوطني بهدف تثمين التراث الوطني بشتى أنواعه.
ويأتي مهرجان الأهقار ليضاف إلى قائمة المهرجانات التي تحمل في طياتها أبعادا ودلالات رمزية، تعبرعن عراقة وأصالة منطقة الأهقار وما تزخر به من موروث مادي وغير مادي.
كما ينبغي الاستثمار فيه وإعادة الاعتبار له، فضلا عن إحصائه ودراسته بأساليب علمية وطرق منهجية حتى يتسنى للجميع الاستفادة منه.
وتظاهرة “أبالسة- تين هينان” لا تكتسي بعدا جهويا فحسب بل لها أيضا بعدا دوليا وتشكل فرصة لاكتشاف أصالة وثقافة المنطقة
حتى لا ننسى.. من هي تين هينان؟
قد يتساءل المتسائلون الى ماذا ترمز ” أبالسة- تين هينان” ؟
لو قلنا لكم اليوم وعلى بعد زمني يزيد عن 15 قرنا – حسب الروايات التي تناقلتها الأجيال أبا عن جد وحملتها كتب التاريخ بإن “تين هينان” – هي اكبر من ان نقدمها في هذه العجالة المهنية على شاكلة سيرة ذاتية.
تين هينان: اسم مركب من جزأين “تين وهينان” وهي لفظ من لهجة “التماهاك” القديمة، وتعني بالعربية “ناصبة الخيام”، لذلك رجح المؤرخون أن تكون كثيرة السفر والترحال، ونشير إلى ان الطوارق ما زالوا يحفظون صفاتها في ترحالهم وتجوالهم.
تين هينان: مدرسة في الفكر السياسي وحب الوطن
نعم هي الجزائرية النموذج، الذي يحاكي الجزائريات اللائي كن منذ زمن بعيد ملكات في أرضهن وارض أجدادهن يحكمن ويشاركن أخوهن الرجل في الحكم بحب واحترام وتعاون متبادل في أقصى حالات الفكر الديموقراطي المفطورة عليه هذه الأمة المحمودة والمحسودة في كتاب الأزل .
هذه هي السيدة “تين هينان “، التي كانت ملكة قبائل الطوارق، وحكمت في القرن الخامس الميلادي، وإليها يستند الطوارق في تنظيمهم الاجتماعي الذي يستمد السلطة حتى الآن من حكمة المرأة.
هي ملكة متفردة، فالأساطير والآثار تثبت أنها كانت تدافع عن أرضها وشعبها ضد الغزاة الآخرين من قبائل النيجر وموريتانيا الحالية وتشاد.
وقد عرف عنها أنها صاحبة حكمة ودهاء، نصبت ملكة بسبب إمكانياتها وقدراتها الخارقة للعادة.
قدمت تين هينان من منطقة “تافيلالت” الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب الأقصى ممتطية راحلة ناقتها البيضاء وبرفقة خادمتها “تاكامات” وعدد من العبيد لتستقر بقافلتها الصغيرة في منطقة “الأهقار” الجبلية بعد رحلة متعبة وشاقة، مليئة بالمخاطر وتبعد المنطقة ب 1800 كلم جنوب العاصمة الجزائرية.
من حكم سكان الأهقار وصور التواصل الديموقراطي
للتذكير الأهقار كان يسكنها قوم “الأسباتن” المعروفون بخصوصية لباسهم المتشكل من جلود الحيوانات وبعبادتهم للطبيعة.
كما كان لسانهم ينطق بلغة لها خط يسمى “التيفيناغ”. ولا يزال الطوارق حتى اليوم يستخدمون هذه الحروف التي توارثوها أبا عن جد في كتاباتهم الخاصة وتزيين قطع صناعاتهم اليدوية.
تقول الروايات أن قافلة الملكة طال بها السفر ونفد زادها وكاد أفرادها أن يهلكوا من الجوع. وفي لحظات صعبة تفطنت خادمتها الخاصة “تاكامات” لقوافل النمل على طريقها وهي تحمل حبات القمح والشعير، فأمرت تين هينان بمواصلة الطريق في المنحى المعاكس لمنحى سير قوافل النمل إلى أن وصلت إلى الأهقار فوجدت به الأمن والماء وكل متطلبات الحياة.
تين هينان.. الملكة الجزائرية التي وحدت الساحل الإفريقي
شيدت تين هينان صرح مملكتها وأدخلت تقاليد جديدة على المجتمع منها على الخصوص العمل وتخزين الخيرات لوقت الشدة والاستعداد الدائم لقهر الغزاة القادمين من الشرق.
ويروى بأن تين هينان كانت ذات جمال بالإضافة إلى شجاعتها وأوصافها الروحية ومشاعرها القلبية، وهي صفات جعلت سكان الأهقار ينصبونها ملكة عليهم. فسيطرت سياسيا على المنطقة المزدهرة وحكمت عددا كبيرا من القبائل تنحدر منها جميع قبائل الطوارق الحالية في بلدان الصحراء الأفريقية الكبرى ، والتي تتوزع بين الجزائر وليبيا وموريتانيا والنيجر ومالي وتشاد.
تم اكتشاف موقع دفن المرأة الأسطورة والعثور على هيكلها العظمي سنة 1925 من طرف بعثة فرنسية أمريكية مشتركة في “أباليسا” بالأهقار .
مميزات طبقات مجتمع الطوارق
تجدر الإشارة إلى أن الطوارق يطلقوا على أنفسهم اسم “مازيغ” وهو منحدر إليهم من أصول قديمة، وأنهم ظلوا محتفظين به عبر سلالاتهم وأجيالهم. أما اسم “الطوارق” فهم لا يسمون به أنفسهم ولا ينتسبون إليه في أصولهم، فهو اسم أطلق عليهم من خارجهم.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن المجتمع الطرقي ينقسم إلى طبقات: المحاربون، ورجال الدين “الطبقة الراقية”، الحرفيون “الطبقة المتوسطة”، الخدم “الطبقة الدنيا”.
ويميز الفرد بانتمائه لطبقة ما بطول العمامة التي يضعها على رأسه، فالمحاربون ورجال الدين يلفون على رؤوسهم عمائم يتجاوز طولها الثمانية أمتار، والحرفيون خمسة أمتار، بينما لا يتجاوز طول عمائم الخدم ثلاثة أمتار. والنبلاء في قبائل الطوارق لا يذبحون الذبائح لأن هذا عمل مهين لا يليق إلا بالعبيد.
مصدر نعت الطوارق بالملثمين و الرجل الأزرق
درج المؤرخون والرحالة العرب القدامى على تسمية الطوارق بالملثمين والسبب الأساسي في ذلك هو محافظتهم الشديدة على هذه العادة منذ فجر التاريخ.
وفي هذا الشأن تعود الأساطير في قصة اللثام لترجع سبب ذلك إلى أن أهقار وهو ابن ملكتهم تين هينان ـ والذي تعرف جبال الجنوب الجزائري اليوم باسمه ـ فر يوما هاربا بجيشه من أرض المعركة، وفي طريقه إلى العودة تنبه إلى أن ما قام به لا يليق بمقام قائد جيش وابن ملكة، فبقي مرابطا بجيشه على مشارف الديار مدة شهر كامل لا يستطيع الدخول مخافة ملامة النسوة له. ولما طال بهم الحال ونفد ما معهم من زاد، وجدوا أنفسهم مجبرين على دخول الديار، فما كان على القائد سوى أن يغطي وجهه الذي يحمل ملامح العار وكذلك فعل بقية جنده وبقوا على تلك الحال طيلة حياتهم، وكذلك فعل من جاء بعدهم، حتى أصبح الأمر تقليدا مفروضا إلى يومنا هذا.
وتسمية الطرقي بالرجل الأزرق هي في الحقيقة صفة أطلقتها عليه بقية القبائل، ومردها امتزاج لون بشرة الطرقي المائلة إلى السمرة بلون الصبغة الأزرق الداكن للثامه.