سيكون المنتخب المصري لكرة القدم على أعتاب تحقيق انجاز تاريخي غير مسبوق يوم الأحد في العاصمة الأنغولية لواندا عندما يواجه نظيره الغاني على ملعب الحادي عشر من نوفمبر في المباراة النهائية لبطولة كأس الأمم الأفريقية السابعة والعشرين.
ففي حالة فوز منتخب الفراعنة باللقب سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول منتخب يحقق لقب البطولة ثلاث مرات متتالية بعد أن كان قد توج بطلاً للقارة السمراء عام 2006 عندما استضاف البطولة على أرضه، ثم دافع عنه بنجاح بعد عامين في غانا.
ومع الخبرات الهائلة التي يملكها معظم لاعبي المنتخب المصري، بالإضافة إلى الأداء الممتع والراقي الذي قدمه الفريق منذ انطلاق البطولة تحت قيادة "المعلم" حسن شحاتة محققاً ثلاث انتصارات متتالية في الدور الأول، تلاها بفوز مستحق على الكاميرون في ربع النهائي، ثم أداء بطولي أمام الجزائر في قبل النهائي، تبدو كفة المصريين هي الأرجح في المواجهة أمام غانا.
ولكن المهمة لن تكون سهلة للفراعنة، فرغم افتقاد معظم عناصر المنتخب الغاني لخبرة اللعب في مثل هذه البطولات الكبرى، حيث لا يتجاوز سن معظم لاعبيه الأساسيين ثلاثة وعشرين عاماً، قدمت هذه العناصر الشابة حتى الآن مستوى أكثر من رائع خلال البطولة.
ويملك اللاعبون دافعاً قوياً لتحقيق الفوز في هذه المباراة النهائية وهو نيل شرف إعادة منتخب النجوم السوداء إلى منصة التتويج الأفريقية للمرة الأولى منذ 28 عاماً، بالإضافة بالطبع إلى رغبة هؤلاء اللاعبين الشباب في إثبات أنفسهم والحصول على مكان في قائمة المنتخب الغاني خلال نهائيات كأس العالم الصيف المقبل.
فهل تنجح خبرة الفراعنة في تجاوز حماس الشباب الغاني وتخطي العقبة الأخيرة أمام تحقيق الإنجاز الأفريقي الغير مسبوق؟، مهما كانت نتيجة اللقاء، من المؤكد أن المواجهة المرتقبة يوم الأحد لن تخلو من الإثارة بوجود اختلاف كبير في طريقة لعب المنتخبين وإمكانيات اللاعبين الفردية.
أداء متميز لمنتخب مصر
اثبت مدرب المنتخب المصري حسن شحاتة بما لا يدع مجالاً للشك أنه أحد أفضل المدربين ليس في تاريخ الكرة المصرية فقط، بل في تاريخ القارة السمراء، فمنذ توليه تدريب الفراعنة في عام 2004 نجح "المعلم" في إيجاد الحلول التكتيكية لمواجهة أقوى المنتخبات الأفريقية التي تضم بين صفوفها أبرز اللاعبين المحترفين في أوروبا، وقادهم لمنصة التتويج مرتين متتاليتين.
ليؤكد من جديد أن تولي المدربين الوطنيين قيادة المنتخب المصري دائماً ما تعطي النتائج الأكثر نجاحاً، وهو ما أثبته من قبله محمود الجوهري خلال فترة التسعينات عندما قاد الفريق لنهائيات كأس العالم 1990 في إيطاليا والفوز بلقب كأس أمم أفريقيا عام 1998 في بوركينا فاسو. في حين كانت نتائج المنتخب دائماً ما تخيب الآمال مع مدربين أجانب مثل الإيطالي ماركو تارديلي والهولندي رود كرول والفرنسي جيرار جيلي.
خلال البطولة الحالية قدم شحاتة درساً في كيفية استغلال إمكانيات لاعبيه بالشكل الأمثل داخل المستطيل الأخضر، كما كان لتغييراته دائماً تأثير إيجابي على نتيجة المباريات، ولعل أبلغ دليل على ذلك اللاعب محمد ناجي "جدو" الذي يتصدر حالياً ترتيب هدافي البطولة برصيد أربعة أهداف رغم أنه لم يشارك في أي مباراة كأساسي.
كانت بداية المنتخب المصري في البطولة غاية في القوة حيث قلب تأخره بهدف أمام نيجيريا إلى فوز بثلاثة أهداف، ليرشحه الكثيرون منذ البداية لتحقيق اللقب، ويكتسب لاعبيه الثقة في المباراتين التاليتين محققين الفوز على كل من موزمبيق وبنين بنتيجة واحدة (2-صفر)، ليكون الفريق الوحيد الذي يحقق التسع نقاط كاملة في الدور الأول.
في ربع النهائي كان الاختبار الصعب ضد الكاميرون في إعادة لنهائي عام 2008، وأمام خط هجوم قوي يقوده صامويل إيتو نجم إنتر ميلان الإيطالي، ولكن منتخب الفراعنة نجح في الصمود، وبعد تأخره بهدف، استطاع أحمد حسن تعديل النتيجة ولعب الفريقين شوطين إضافيين حسم خلالهما المصريون الفوز باستحقاق.
ليأتي الاختبار الأصعب في قبل النهائي أمام الجزائر، حيث قدم المصريون أقوى عروضهم وفازوا برباعية نظيفة ليثأروا في الوقت نفسه من محاربي الصحراء الذين انتزعوا منهم بطاقة مونديال جنوب أفريقيا قبل شهرين في مباراة فاصلة بالسودان.
واثبت المنتخب المصري خلال عروضه السابقة أنه فريق يعرف جيداً كيفية اللعب تحت الضغط، بما يملكه من خبرة وإمكانيات هائلة في جميع خطوطه.
سيعول الفريق كثيراً في المباراة النهائية على خبرة حارس المرمى عصام الحضري أبرز حراس القارة السمراء في الأعوام الأخيرة، والذي لم تتلق شباكه سوى هدفين فقط حتى الآن في البطولة.
ويغيب عن خط الدفاع اللاعب محمود فتح الله بسبب الإيقاف لحصوله على إنذارين، ومن المنتظر أن يحل محله اللاعب المخضرم عبد الظاهر السقا أو معتصم سالم نجم الإسماعيلي، وسيلعب بجواره وائل جمعة الذي بذل مجهوداً كبيراً في آخر مباراتين وخرج مصاباً في المواجهة أمام الجزائر قبل أن تثبت الفحوصات أنه قادر على اللحاق بمواجهة غانا.
طرفي الدفاع، أحمد المحمدي في اليمين وسيد معوض في اليسار، قدما مستوى رائع خلال البطولة خاصة من ناحية أدائهما للدور الهجومي في آخر مواجهتين، علماً أن مشاركة معوض غير محسومة بعد بسبب تعرضه لإصابة خلال التدريبات.
في حين ستعقد الجماهير المصرية آمال كبيرة على أداء بطولي جديد من مايسترو خط الوسط أحمد حسن، بعد المستوى الرائع الذي قدمه منذ انطلاق البطولة ليصبح أبرز المرشحين لجائزة أفضل لاعب.
أما خط الهجوم فسيفتقد لجهود عماد متعب بسبب الإصابة، ليكون على شحاتة الاعتماد إما على أحمد رؤوف أو السيد حمدي لمساندة المهاجم الثاني محمد زيدان.
غانا والبحث عن لقب خامس
لطالما اعتبر منتخب غانا – أو منتخب "النجوم السوداء" كما يلقبه مشجعوه – من أبرز المنتخبات الأفريقية، ولكن الفريق فشل في إثبات ذلك على الصعيد القاري خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فكانت أيام مجده الحقيقة خلال الستينات والسبعينات، أما آخر تتويج له فكان في عام 1982 عندما نال لقبه الرابع في كأس الأمم ألأفريقية في ليبيا.
ورغم تحقيق غانا للعديد من الإنجازات العالمية خلال نفس الفترة على مستوى منتخبات الناشئين والشباب، لم تستطع أبداً نقل هذا النجاح إلى مستوى المنتخب الأول.
فحتى في الفترة التي كان فيها المنتخب يضم أبرز نجوم القارة السمراء مثل عبيدي بيليه وأنطوني يبواه كانت أبرز نتيجة تحقيق المركز الثاني في نسخة عام 1992 بالسنغال بعد الخسارة في النهائي بركلات الترجيح أمام كوت ديفوار.
ولكن يبدو أن سياسة الاهتمام بقطاعات الناشئين والشباب بدأت أخيراً في طرح ثمارها، ففي عام 2006 في ألمانيا، سجلت غانا أول ظهور لها في نهائيات كأس العالم حيث بلغت الدور الثاني قبل أن تخرج أمام البرازيل، ثم قدمت بعد ذلك عروضاً قوية عندما استضافت نهائيات كأس أمم أفريقيا عام 2008 محققة المركز الثالث.
لتأتي بطولة عام 2010 في أنغولا بالمزيد من النجاحات، فبالرغم من غياب عدد كبير من نجوم المنتخب الغاني عن منافسات البطولة على رأسهم مايكل إيسيان (نجم تشلسي) الذي تعرض لإصابة في المباراة الأولى أمام كوت ديفوار، هاهم النجوم السوداء في المباراة النهائية.
وعلى عكس "المعلم" يخوض المدرب الصربي ميلان راييفاتش أولى تجاربه في القارة السمراء، وهو لا يملك أي خبرة سابقة على مستوى تدريب المنتخبات، وتقتصر خبرته على تدريب عدد من الأندية الصربية من أشهرها ريد ستار بلغراد.
وقد تولى راييفاتش تدريب المنتخب الغاني في آب/أغسطس 2008 ونجح في قيادته إلى نهائيات كأس العالم 2010 من مجموعة ضمت مالي وبنين والسودان.
في البطولة الحالية، كانت البداية بالسقوط بنتيجة 1-3 أمام كوت ديفوار، وبعد أن استفاد الفريق بنيل قسط من الراحة في الجولة الثانية بسبب انسحاب توغو، أجرى راييفاتش عدة تغييرات في صفوف الفريق للمواجهة الأخيرة في الدور الأول أمام بوركينا فاسو، ورغم أن الأداء لم يكن مقنعاً حقق الفريق المهم وهو الفوز بهدف دون مقابل ليتأهل لربع النهائي.
وفي مواجهة صعبة أمام صاحبة الأرض أنغولا حافظ الفريق على رباطة جأشه ولم يهتم بالضغوطات الأرض والجمهور بالإضافة إلى مشاكله مع اللجنة المنظمة والأمن الأنغولي، ليحقق فوزاً صعباً بهدف دون مقابل سجله آساموا جيان. وتكرر نفس السيناريو في الدور قبل النهائي أمام نيجيريا بنفس النتيجة وأيضاً عبر الخطير جيان.
منذ تثبيته للتشكيلة الأساسية بدءاً من مباراة بوركينا فاسو يعتمد المدرب الصربي على تسعة لاعبين لم يتجاوز عمرهم 25 عاماً، مع عنصري خبرة هما حارس المرمى ريتشارد كينغسون (31 عاماً) والمدافع الأيمن هانز ساربي (33 عاماً).
ولكن حارس المرمى كينغسون قد يغيب عن المباراة النهائية بسبب الإصابة، وبالتالي سيكون على المدرب الاستعانة بواحد من دانييل آدجي أو فيلمون مكارثي وكلاهما ينشط في الدوري المحلي.
بينما برز في قلب الدفاع اللاعبين الشابين لي آدي وإيزاك فورساه حيث لم تتلقى شباك الحارس كينغسون أي هدف خلال وجودهم في المباريات الثلاث الأخيرة، وفي اليمين لاعب متميز آخر هو صامويل إنكوم صاحب لتمريرات العرضية الخطيرة.
في خط الوسط تكمن خطورة المنتخب الغاني في اللاعب المبدع كوادو أسامواه الذي لفت الأنظار إليه بشدة خلال البطولة، وهو محترف في نادي أودينيزي الإيطالي، في الوقت الذي ترددت فيه أنباء عن رغبة ناديي تشلسي وآرسنال في الحصول على خدماته. كما يملك آندريه آيو نجل النجم الأسطوري عبيدي بيليه العديد من المهارات وقد يشكل إزعاج شديد للدفاع المصري.
أما الهجوم فهو أخطر خطوط المنتخب الغاني رغم قلة الأهداف التي سجلها في البطولة، والسبب هو الإمكانيات الكبيرة للاعب آسامواه جيان أحد نجوم الدوري الفرنسي هذا الموسم مع نادي رين، بالإضافة إلى النجم الشاب آجيمان أوبوكو.
مواجهات سابقة
تعود بداية المواجهات الرسمية بين منتخبي مصر وغانا إلى أواخر خمسينات القرن الماضي حين التقى المنتخبان في تصفيات أولمبياد روما، وحقق المنتخب المصري الفوز على ملعبه 2-1 ثم خسر خارجه 2-0، ولكنه تصدر المجموعة ليتأهل إلى الأولمبياد، وضم الفريق حينها لاعبين كبار مثل رفعت الفناجيلي ورأفت عطية ومحمود الجوهري.
أما على مستوى نهائيات أمم أفريقيا فالتقى المنتخبان مرتين فقط لم ينجح خلالهما المنتخب المصري في تحقيق الفوز،
الأولى كانت في الدور الأول من بطولة عام 1970 في السودان وانتهت بالتعادل 1-1 ، أما المواجهة الثانية فجاءت بعد 22 عاماً في الدور الأول من بطولة 1992 في السنغال وحقق حينها المنتخب الغاني الفوز بهدف دون مقابل سجله طوني يبواه.
ومنذ ذلك الوقت اقتصرت المباريات بين الفريقين على مواجهات ودية عديدة كانت أخرها في القاهرة في شباط/فبراير من العام الماضي وانتهت بالتعادل 2-2.