شهد الاعلام المرئي مؤخرا تغيرات جذرية من حيث الانتاج والتوزيع ، اذ دخل لاعبون جدد في سوقه وبدأوا يتقاسمون كعكته المحتكرة لشبكات الاعلام الكبرى لأكثر من سبع عقود ، مما جعلهم يتسارعون في بيع إرثهم المتراكم الى مستثمرين جدد ، ليتوجهوا الى أسواق الإعلام المرئي الجديدة.
تعتبر مواقع بث مقاطع الفيديو عبر الانترنت ، من أكبر المنافسين في هذا المجال ، ورغم كونها بدأت قبل بضع سنين إلا أنها تجاوزت في محتواها ما قدمه الإعلام منذ مئات السنين ، إن موقع يوتيوت مثلا والذي بدأ بتقديم خدمات بث مباشر أيضا ، تعتمد ربحيته على الاعلانات التجارية ذات التكلفة المنخفضة والمستهدفة لعميل يبحث عن سلعة معينة ، فمن يبحث عن سيارة فإنه ستأتيه إعلانات السيارات فقط ، في مقابل تكاليف انتاج تساوي الصفر عند يوتيوب ، إذ أن المشاهد ( الزبون ) يقوم بدور الموظف لديهم ( المنتج ) ويقوم بتحميل عشرات المقاطع المرئية التي يشاهدها الاخرون في ظاهرة جديدة تسمى ( Prosumption ) والتي انتبه لها مستثمرون لم يبلغوا الحلم وقتها مثل الملياردير مارك جوكربيرج صاحب موقع الفيس بوك أو اولئك الذين صمموا موقع يوتيوب وباعوه الى قوقل.
على اثر ذلك ، لاحظت شركات الاتصالات نجاح هذه المواقع ، وهي التي تقوم بنقل مقاطع اليوتيوب عبر شبكاتها الى الناس ، ولذا قررت هي الأخرى الدخول في هذا المجال بطريقة أو بأخرى ، فتسارعت الى قنوات التلفزيون التقليدية طالبة منهم اعادة بث هذه قنواتهم عبر شبكات الاتصالات ، ولم تكذب القنوات التلفزيونية الأخرى خبرا بهذا التوزيع الجديد ، حيث إنها هي الأخرى ليست بأفضل حال ، ليس بسبب مزاحمة مئات القنوات لها في القمر الصناعي التي تبث منه ، بل من هروب المشاهدين الذين سرقتهم مواقع الانترنت ، فتمت الصفقات بين قنوات التلفزيون وشركات اتصالات اللاسلكية ( انظر مقال التلفزيون عبر الهاتف المحمول – 2006 ) أو من خلال الشبكات السلكية عبر تقنية تلفزيون الاي بي ( انظر مقال التلفزيون الرقمي – 2009 ) وهو ما يخول شركات الاتصالات من تحقيق عوائد مالية ليس من خلال الاعلانات التجارية كالمعتاد ، بل من خلال خدمات اضافية عبر المشاهدة التفاعلية ، وحيث إن مشاهد التلفزيون الحالي لا يستطيع الارسال وانما المشاهدة فقط ، تجده في التلفزيون الرقمي يستطيع المشاهد أو ( المتفاعل ) استقبال وارسال المعلومات فيما بينه وبين القناة التلفزيونية عبر نفس القناة ، ومن تلك الخدمات التفاعلية ؛ المشاهدة عند الطلب ( Video on demand ) ، أو التجارة التلفزيونية على وزن الالكترونية.
وبنظرة مستقبيلة من حيث الانتاج والتوزيع ، فإنه مع وجود قنوات توزيع سريعة واقتصادية عبر الانترنت ، ومع توفر أدوات انتاج بيد الصغير قبل الكبير سواء من خلال كاميرات تصوير عالية الدقة ( High-definition) بأسعار رمزية ، أو من خلال أدوات الانتاج التلفزيوني ، حتى أصبح الأفراد ينافسون الشركات عبر قنواتهم في اليوتيوب ، فإن القنوات التلفزيونية الحالية ، وقنوات المشاهدة عند الطلب ، والمشاهدة عبر الانترنت ، تعتبر المستقبل المهيمن على سوق الاعلام المرئي ، فكل واحدة من هذه الثلاث لها جمهوره ، ونموذجه الاستثماري الخاص به ، من حيث طبيعة الاعلانات التجارية الموجهة لكل جمهور ، بالاضافة الى ضرورة تكامل الأجهزة لتقدم هذه القنوات معا للبيت الواحد ، فكما أنه يمكن مشاهد القنوات التلفزيونية عبر الكمبيوتر ، فإنه يجب توفير أجهزة تقدم خدمة الانترنت عبر أجهزة التلفزيون.
وختاما فإنه ستبقى كل هذه التقنيات والاستثمارات غير مجدية مالم يتوفر لها محتوى يجري في شرايينها ، إذ أن المحتوى ( content ) هو المحرك الرئيس لمستقبل الإعلام المرئي ، المحتوى الذي يصنعه كل الناس ليشاهده كل الناس ، ومن لا يعلم فليتعلم من عرض شركة الاتصالات السعودية للرسائل المجانية لمدة شهر والذي انتهى مؤخرا ، فإن عدد الرسائل الهائل ومقاطع الفيديو والصور التي تم تراسلها ، ليس بسبب مجانية العرض وحسب ، بل بسبب كثرة المحتوى الذي كتبه كل الناس وقرأه كل الناس.
يوسف الحضيف - صحيفة الرياض