كيف نجعل من الطفل الخاص عبقريا؟
بقلم // وفاء سعداوي
الأطفال
هم زهور الحياة، وهم الضحكة التي تُرسم على شفاه الآباء، زهور وضحكات
تحتاج إلى الرعاية والاهتمام. والأطفال كالزهور لكل منها عطرها الخاص
والاهتمام الذي يناسبها.. فرعاية "البانسيه" ليست كرعاية "التيولب"،
وبالمثل رعاية الأطفال؛ فحين يكون طفل خاص ذو احتياجات خاصة، يكون الاهتمام
مضاعفا، والرعاية تُقدم بشكل خاص يناسب خصوصية هذا الطفل.
العبقري الصغير
هذا الطفل الخاص يمكننا حين نرعاه ونقدم له ما يحتاج من حب وحنان واهتمام
أن نصنع منه عبقريا صغيرا متفوقا دائما في دراسته، والأمثلة على ذلك عديدة.
"م.أ" بدأت تظهر عليه اضطرابات الكلام وزيادة في الحركة؛ فلا يجلس في مكان
إلا ويقلبه رأسا على عقب، وكثير المشاغبة لمن حوله، فأسرعت أمه إلى الطبيب
المختص، فأخبرها أن ابنها لديه عصب حسي ضعيف في الدماغ.. واستمرت الأم في
متابعة الطبيب وإجراء تحاليل الوراثة واختبارات الذكاء التي أكدت أن أسبابا
وراثية وراء إعاقته، ولم تكتفِ الأم بمراجعة الطبيب، بل إنها بدأت تجمع
المعلومات عن حالة ابنها وتستشير الأطباء.
وألحقته بحضانة لضعاف السمع
والنطق، ثم ألحقته بمركز للتدخل المبكر لرعاية المعوقين، وكانت تتابع مع
الطبيب المختص والإخصائية بالمركز، وتعاونت معهم لتعليم ابنها. لقد كان
عليها عبء كبير، إلا أن تصميمها وصبرها كان من أهم عوامل إقبال ابنها على
التعليم والمركز بلا كلل، خاصة أن ابنها في ظروفه هذه يمل بسرعة؛ فلا يطيق
المذاكرة أكثر من نصف ساعة، فكانت تذاكر معه على فترات متباعدة وطبقا لنظام
معين، فكانت تتابع حالة ابنها مع المركز، فيعطونها التدريبات التي تلقاها
على يد الإخصائية، وتقوم هي بتدريبه عليها مرة أخرى مع تدوين سرعات التعلم
لديه حتى صار اليومَ في مدرسة ابتدائية لأطفال عاديين، وتثني المعلمة على
أدائه.
وتقول أماني -أم لطفل مريض بالتوحد (الأوتيزم)-: إنها ألحقت
ابنها عندما بلغ الرابعة والنصف من عمره بمركز تأهيل المعوقين، اليوم
الدراسي يبدأ من التاسعة صباحا إلى الواحدة ظهرا، ومقسم إلى أنشطة مختلفة..
منها الموسيقى والألعاب والتنبيه والإدراك الفردي مع الطفل وحده –وجماعيا-
والتواصل والتخاطب وخيال الظل؛ بحيث لا تزيد مدة كل نشاط عن ثلث الساعة،
وكانت تتابع مع إخصائي المركز، وتساعد في المنزل على المواظبة على الواجبات
والتدريبات المطلوبة حتى أصبح عنده حصيلة كلمات كثيرة، حتى أنها تجلس معه
أمام الكمبيوتر، فيختار كلمات يعرف معناها، كما دربته على كتابة الأرقام من
(1 : 100)، وبهذا أصبح مؤهلا للالتحاق بمدرسة الأطفال العاديين؛ مما ساعده
على التأقلم معهم والارتقاء إلى مستواهم ورفع قدراته.
عبير ومرض ابنتها النادر
أما عبير فقد أصيبت ابنتها "حبيبة" بمرض نادر جدا يسمى "هولوفروزن كيفلي"
يسبب فجوة بين خلايا المخ، ويؤثر على مراكز معينة في المخ؛ فيجعلها قليلة
التركيز وضعيفة الذاكرة؛ حيث بدأ رأسها يكبر من الشهر الثاني، فأسرعت بها
إلى الطبيب؛ حيث أجريت عدة عمليات شفط الماء وتحويله إلى الغشاء البروتوني،
وعندما بلغت سنة من عمرها بدأت تذهب بها إلى مركز لتأهيل المعوقين لتحديد
مستواها والارتقاء بها؛ حيث تناولت أدوية عديدة بعد العملية مضادة للنوبات؛
مما جعلها ضعيفة الجسم بطيئة التعلم.وعندما ألحقتها أمها بمدرسة للأطفال
العاديين كانت تعاني من كثرة المناهج وعبء الواجبات؛ فالمدرّسة لا تستطيع
متابعتها أكثر من غيرها من التلاميذ، فتأتي إلى البيت محتاجة إلى مجهود في
كراسات الفصل ومجهود آخر للواجبات المنزلية، والمدرسة تطلب منها المجهودين،
ورغم أنها كانت تعود في وقت متأخر من المدرسة، فإن الأم اضطرت لأداء
الواجبات؛ مما أثر على نفسيتها، وكرهت المدرسة، فحولتها إلى مدرسة أخرى، ثم
مدرسة ثالثة دون تحسن حالتها.وأخيرا ألحقتها بمدرسة، الدراسة بها حسب
النظام الأمريكي؛ حيث تعامل معاملة خاصة وترافقها إخصائية، ونظام الدراسة
وكمُّ المواد مختلف عن المدارس العادية؛ حيث تختار في كل فصل دراسي المواد
التي تحبها، والواجبات أقل، والشغل معها أهدأ، وعندما تحتاج مساعدة أو شرحا
زائدا تأخذها المدرسة بمفردها.أما الأم فتتابعها بالمنزل، وتخرج بها إلى
النادي مرتين أسبوعيا؛ حيث تمارس الرياضة، وتتعود الاعتماد على النفس،
وهكذا لا تشعر أنها أقل من زميلاتها.
أم ندى وتجربة مثيرة
أما ندى فتعاني من الشلل الرباعي الدماغي الذي اكتشفه والداها بعد 9 أشهر
من ولادتها، فبذلا كل ما استطاعا لتحسين حالتها بالعلاج الطبيعي والسباحة
والرياضة، وبعد مجهود كبير بدأت المشي في التاسعة من عمرها، وعندما بلغت
الرابعة من عمرها فكرت أمها في إدخالها المدرسة؛ فلم يقبلوها رغم نجاحها في
اختبار الذكاء بسبب الحركة؛ خوفا من المسئولية إذا تعرضت لأي حادث، وظلت
تبحث حتى وجدت المدرسة التي تقبلها بمصاحبة مرافقة لها في الفصل والأتوبيس،
وعندما وصلت الصف الثاني الابتدائي ألغوا المرافقة، فاضطرت الأم للعمل
مجانا بالمدرسة؛ لتكون بجوار ابنتها عند الحاجة، كما واجهتها مشكلة
الكتابة؛ حيث لا تستطيع ملاحقة باقي التلاميذ، ولكنها أصرت على التقدم
بمستوى ابنتها؛ فكانت تتعاون مع المدرسة، وبذلت مجهودًا زائدًا معها وقت
الراحة أو بعد غياب يوم دراسي، كما تذهب مع الإخصائي إلى المعلمة لتوعيتها
بكيفية التعامل معها وحل المشاكل التي تقابلها.
فالربط بين البيت
والمدرسة والمركز يقلل المشاكل وهو ضروري حتى لا ترفضها المدرسة بسبب كثرة
مشاكلها وحتى لا تكره البنت المدرسة لعدم استطاعتها التوافق، كما سعت الأم
لتلقي دورات تأهيل المعوقين في المركز واشتعلت به فترة، حيث شعرت أنها
أفادت غيرها من أمهات المعوقين وكثيرات منهن يتصلن بها بالبيت والمركز
للاستفادة من خبرتها.
ويرى أ. علي شعبان إخصائي نفسي لذوي
الاحتياجات الخاصة أن نجاح المعوق في دراسته يبدأ من البيت، خاصة الأم
لأنها هي الملاصقة للطفل فهي العامل الأساسي في نجاحه بمجهودها وصبرها
وإرادتها القوية، تمده بالثقة بالنفس وتشعره بأنه لا يوجد فارق بينه وبين
الطفل العادي، تتقبله بمشاكله وتقلل رد فعلها العنيف تجاهه، تنظر إلى
مميزاته وترفع قدراته، تتعاون مع الإخصائي والمدرسة وتنفذ البرامج بدرجة
عالية وتخرج به إلى المجتمع ليختلط بالآخرين فلا يشعر بفارق ويتعلم
التصرفات السوية، وترتقي ردود أفعاله وتبتعد عن الانطواء ودائما يشركوهم في
الأنشطة الرياضية والفنية المختلفة ففي الغالب لديهم اهتمامات فنية خاصة
الأوتيزم فيتدرب ويجيد عزف آلة يحبها، وعلى الأم أيضا أن تتلقى دورات
تدريبية في كيفية معاملة معوقها وتعليمه.
فكل أم أو ولي أمر لديه
طفل معوق يمكنه تحقيق إنجازات لا يستطيع الطفل العادي إنجازها فإذا استطعنا
توصيله إلى أول الطريق فسوف يسير بنجاح