إذن يحدد لنا هنا السيد عبود بعضا من خصائص الأدب المهجري : أدب لغة ، وأدب قضية . ونسأل السيد عبود من قبيل المعرفة فقط ، ما الفرق هنا بينه وبين الأدب المقيم ؟ أليس أدبنا المقيم في معظمه أدب قضية وفي مجمله أدب لغة ؟ الشاعر شادي الخوري ، بدأ بقرض الشعر وهو في الخامسة عشر من العمر ، وما وصلنا من شعره هو شعر قضية ، وكان المترجم موفقا جدا في نقل كافة المشاعر والخلجات عبر الكلمات العربية ، ذهب والده إلى الولايات المتحدة بقصد الدراسة ، وانتهى به المقام مهاجرا . أين نضع شعره في التصنيف ..مهجري …أميركي ..أم …؟
يجمع الدارسون على أن وطأة السياسة العثمانية كانت ثقيلة جدا على سورية ولبنان خلافا لما عاناه الشعب في دول عربية أخرى ،حيث المصادرات والمطاردات والاغتيالات والاعدامات ، إذن كان للهجرة ما يبررها ، وكان بنتيجة ذلك الأدب المهجري .وفي هذا المجال يقدم لنا حنا عبود أسبابا،قد تكون مقنعة ، عن كون وتسمية هذا الأدب مهجريا ، فيقارن ما بين الأدب الأندلسي ، والأدب المهجري ، فلا يسمي الأول مهجريا ، ويدعم الثاني بالتسمية ، ويقول أن من باب البديهيات ألا نسمي الأدب الأندلسي أدبا مهجريا علما بأن هذا الأدب كتب بلغة عربية صافية ، والتراث الذي نهل منه العرب في الأندلس هو التراث العربي من دون شك، ذلك لان الذين ذهبوا إلى الأندلس إنما ذهبوا بقصد الاستيطان والاستقرار، غير أن الذين ذهبوا إلى الديار الأمريكية كانت العودة في نيتهم ، ولا يوجد شاعر مهجري إلا وتحدث عن قضيتين أساسيتين : العروبة لتحريرها من العثمانيين ،والعودة التي ظلت أمنية لم تتحقق لدى الكثيرين ، وان تحققت لدى بعضهم .
إذن ذهب العرب إلى الأندلس للاستيطان ، وسموا أنفسهم أندلسيين ، فهم بذلك حددوا انتماءهم ، ولم يطلق عليهم أحد هذا اللقب ، هم الذين اختاروه ، ولو أن أدباء المهجر قالوا أننا أمريكيون لما تجرأ أحد أن يسمي أدبهم أدب مهجر ، معظمهم حصل على الجنسية الأميركية ، ولكن أحدا منهم لم يقل أنه أميركي ، وكان يفاخر دائما بأنه عربي أصيل ، الفرق بين الفريقين هو أن الأول أراد أن يفرد نفسه وأن تكون له شخصيته ، والثاني رغم حصوله على الجنسية ، ظل مصرا على التباهي بأمته العربية.
ونخلص هنا إلى خصوصية ثالثة من خصائص الأدب المهجري ، ألا وهي الإقامة المؤقتة بقصد العودة إلى الوطن بعد أن تنجلي ، بل تنتهي مسببات الهجرة .ويحضرني هنا سؤال : إلى أي مدى يمكن أن نطبق هذا على واقع الأدب العربي في استراليا مثلا ؟ وهناك ما نفخر ونفاخر به من نتاج أدبي رائع لكبار من الشعراء والأدباء أمثال : نعيم خوري ، وديع سعادة ، وفؤاد نعمان الخوري وغيرهم …هل جاءوا إلى المهجر بقصد العودة ؟ أم من الواجب علينا أن نفرق مابين أدب مهجري قادته المدرسة الجبرانية والرابطة والعصبة في الأميركيتين ,وأدب قادت طلائعه وثبتت وجوده أمثال من ذكرت وآخرين منتشرين في الأميركيتين والدول الأوربية أمثال جمال حمدان في السويد ؟ وهل كانت المؤسسات (الرابطة والعصبة ) أحد أسباب تسمية نتاج أعضائها بالأدب المهجري ؟ اعتقد ذلك ، في هذا الحال ما أحوجنا إلى عمل مؤسساتي ندعم من خلاله هكذا هدف ، وأن نتوجه بهذا الدعم باتجاه رابطة إحياء التراث العربي ، وتوسيع نشاطاتها من خلال فروع لها في كافة الولايات الأسترالية .
يحق لنا الآن أن نجري نوعا من المقارنة ما بين الأدب المهجري (ما يختص منه بالرابطة والعصبة، ) والأدب الأسترالي الذي ظهر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. انه أدب إنكليزي اللغة والتقليد والتراث ، ولا يختلف عند بدايته على الأقل ، عن الأدب الإنكليزي ، ومع هذا لم يجرؤ أحد أن يسميه أدبا إنكليزيا ، ولا أدبا مهجريا . بل بقي الأدب الأسترالي متفردا على الرغم من السمات المشتركة من حيث استخدام اللغة الأم والتقاليد الأدبية والثقافة التراثية الأصيلة .
يقول الدارسون في هذا السياق أن الأسترالي فقد صلته بالوطن الأم على الرغم من اعتماده اللغة والتقليد الأدبي والتراث الفكري الإنكليزي ، الأمر الذي لا يعني قطعا وحدة هذا الأدب مع أصله ، ولا يعني بالضرورة استمرارا له ، لان الأستراليون أرادوا أن تكون لهم شخصية مستقلة ، ولو أنهم التصقوا بالوطن الأم لكان لهؤلاء الدارسون حديث آخر ، أو ربما أعطوه صفة الأدب المهجري . ولكن ماذا سيطلقون على الأدب الكندي المكتوب بالفرنسية والإنكليزية . إذن الاتفاق باللغة والتراث أمر لا يكفي لطرح التسمية .
تقول إحدى الدراسات الحديثة عن الأدب المهجري : ” بما أنه لا يوجد أدب مهجر في كل الآداب العالمية ، وفي كل الآداب العربية عدا الأدب الشامي ، وبالتحديد سورية ولبنان ، وبما أن هذا الأدب ظاهرة فريدة فان تعريف أدب المهجر يكون بسيطا للغاية : انه الأدب الذي أنتجه الشاميون من سورية ولبنان ، الذين هاجروا هربا من السياسة العثمانية التي ضيقت الخناق عليهم حتى في لقمتهم ، وظل هذا الأدب محتفظا باللغة والتقاليد الأدبية والتراث الثقافي ، بل محافظا عليها ، سوى أنه اتخذ في مهجره موقفا وهو أنه أدب مناوئ للسياسة العثمانية.
صفات كتلك المذكورة أعلاه قد تنطبق ,إلى حد كبير على الأدب المهجري الذي تعرفنا عليه، وتحديدا هو أدب الأميركيتين العربي. ولكن ماذا عن الأدب المهجري الحديث في استراليا تحديدا ، نحن بحاجة جديه لدراسة هذا الأدب الذي فرض نفسه على الواقع الأدبي مقيما كان أم مهاجرا . أم أننا سندرس هذا من خلال كل شاعر ،أديب أم كاتب كل على حدا ؟ وبالتالي أضعنا صفة المهجرية في هذا الأدب .
إبان التحضير لمواد العدد الثاني من هذه المجلة ورد إلينا مقالا للسيدة الأديبة نجاة فخري مرسي بعنوان بداية الأدب المهجري في استراليا ، تحدثت فيه عن الإعلام العربي ، وكانت دراسة وافية وشاملة في الإطار الإعلامي . ولكن هل الإعلام والترجمة حقلان من حقول الأدب وأبوابه العربية العديدة : مهجري، قومي، اجتماعي، نسائي، أطفال، وحتى أدب المراسلات …. علما، وعلى حد معرفتي المتواضعة لم يخرج الأدب الإنكليزي عن كونه رومانسيا .واقعيا . كلاسيكيا .
لقد جادت خواطر الباحثين والنقاد بالعديد من الخصائص التي أطرتالأدب المهجري : لغة . بيئة . تراث . حنين ووطنية …الخ
ولكن الغاية من تأسيس الرابطة القلمية كما جاء في الأهداف هو : التجديد في الفكر والمعنى والخيال والأسلوب،
والابتعاد عن الأفكار المبتذلة ….