تعتبر المدرسة أساس كل تقدم في المجتمع واذا كانت كذلك في الامور العادية فهي من عوامل التجهيل عندما تصبح أحدى ادوات العمل الاستعماري.
خلص الدارس في موضوعه الى ان الاستعمار الفرنسي في الجزائر تبنى سياسة تعليمية ازاء الجزائريين لكن في الاساس تقدم خدمة للمصالح الاستعمارية في الدرجة الاولى لتوفير عدد من الاشخاص تساعده في تسيير أمور البلاد وشغل بعض الوظائف التي لايستطيع الاوروبيون الالتحاق به كالقضاء والافتاء وغيرها من الوظائف الادارية الدنيا كما حاول الباحث في دراسته تسليط الضوء على هذاالموضوع للكشف عن مظهر من مظاهر الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
فقد اعتاد الباحثون عل تناول المظاهر العسكرية والسياسية والاقتصادية للاستعمار متناسين أو مهملين جانبا من المواضيع الاجتماعية والثقافية التي بدونها يصعبه فهم هذا الاستعمار على حقيقته.
فأس البناء الاستعماري تتمثل في الجيش والارض وأخيرا المدرسة التي اعتبرها منظر والاستعمار آخر مرحلة وأكثرها نجاعة في هذا لبناء. قسم المدارس موضوعه الى مقدمة وتمهيد وبابين وأخيرا خاتمة.
أـ التمهيد: كان خاصا للفترة التي سبقت ظهور سياسة تعليمية مقننة ومنظمة وهذه الفترة تشمل فترتين أو تمهيدين أي العهد العثماني وبداية الاحتلال حتى سنة 1850م.وهو تاريخ مراسيم تنظيم التعليم الجزائري.
2ـ يشكل الباب الاول: العهد الفرنسي منذ 1950 ومجيء الحكم الامبراطوري خاصة الذي أظهر اهتماما لتعليم الجزائريين وظلت الى سنة 1870م. سياستها التعليمية عديمة المعنى بالرغم من المحاولات الاصلاحية التي رافقت الحكم الامبراطوري.
الفصل الثاني خصص الاهداف السياسية التعليمية التي تركز على ثلاث محاور أسياسية 1ـ الفرنسة 2ـ التنصير وأخيرا الاندماج.
جـ ـ الفصل الثالث: تثبيت الاستعمار بأيدي محلية مفادها انه يمكن ضرب طرف بآخر واستعمال الاول لاستعمار الطرف الثاني.
ء ـ الفصل الرابع: الموافقين حيال المدرسة الفرنسية والتعليم عامة ، الموقف الفرنسي والموقف الوطني.
3ـ الباب الثاني: خصص لدراسة وضعية التعليم الجزائري خلال هذه الفترة التي امتدت قرابة نصف قرن من الزمن قسم الى ثلاث فصول: 1ـ تناول وضعية التعليم الجزائري منذ تولي الجمهوريين الحكم في سنة 1870م الى سنة 1892.
2ـ الفصل الثاني: تناول الفترة من 1892الى 1914.
3ـ الفصل الاخير: يمثل نتاج كل هذه التناقضات والسياسات التعليمية الاستعمارية ويعالج هذا الفصل المدرسة الفرنسية ودورها في المؤسسة الاستعمارية وخاصة دورها في تكوين ماصطلح على تسميته بالنخبة الجزائرية أو بمعنى آخر دراسة أثر وواقع هذه المدرسة ونخبتها ايجابا أو سلبا على المجتمع الجزائري ومسار الحركة الوطنية الجائرية.
السياسة الفرنسية في الجزائر و الواقع الاستعماري الأربعاء أغسطس 20, 2008 9:23 am
ساءت أحوال الشعب الجزائري كثيرا إبان فترة الاحتلال من جراء النهب المنظم وإرهاقه بالضرائب الكثيرة والغرامات المالية المختلفة، وسلب أراضيه الصالحة للزراعة، وطرده إلى المناطق القاحلة فصارت الجزائر تعيش مجاعة دائمة بعدما كانت تعد من أكبر الدول إنتاجا للحبوب في حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن أخطر وأكبر هذه المجاعات تلك التي عاشها الشعب الجزائري في الفترة ما بين 1866م-1869م. وحتى يزيد الاستعمار الفرنسي في تقييد واضطهاد الجزائريين وتفكيك وحدتهم الاجتماعية والاقتصادية سن سلسلة من القوانين التي تحقق له ذلك نذكر منها (المرسوم المشيخي- السيناتوس كونسولت) لسنة 1863م الذي يهدف إلى الاعتراف بالملكية الفردية للأراضي بالنسبة للجزائريين وكذلك القانون الخاص بمنح الجنسية الفرنسية للجزائريين الصادر في جويلية 1865م والذي ينص على اعتبار كل الجزائريين رعايا فرنسيين مع احتفاظهم بأحوالهم الشخصية الإسلامية وعلى كل من يرغب في الحصول على المواطنة الفرنسية أن يتخلى عن أحواله الشخصية الإسلامية ويصبح خاضعا للقانون المدني الفرنسي. وكذلك هناك قانون الأهالي الصادر مباشرة بعد إخماد ثورة المقراني سنة 1871م. وكذلك قانون التجنيد الإجباري الصادر سنة 1912م الهادف إلى إقحام الجزائريين في حروب وسياسة فرنسا الاستعمارية مما دفع هذا بالعديد من الجزائريين إلى مغادرة وطنهم و الهجرة إلى الخارج.
من بين الاضطهاد المرعبة التي تلت الثورة (ثورة 1871) ما يلي:
• مائة فرنك ضريبة حرب على كل بندقية محجوزة.
• مصادرة 5 ملايين هكتار من الأرض التي يملكها الثوار.
• وتأميم مليونين و 500 ألف هكتار أخرى .
• إصدار قانون بالمسؤولية الجماعية على كل خسارة.
• إعطاء حكام البلديات كل الصلاحيات لمواجهة الطوارئ.
كان التعليم و لا يزال الأساس الحقيقي لأي تقدم أو تطور في حياة الشعوب والأمم ، غير أنه يمكن في البداية أن نطرح السؤال التالي وهو :-هل كان التعليم الفرنسي في الجزائر يرمي إلى ازدهار الإنسان الجزائري ؟
إننا نعلم أن الإدارة الفرنسية قد فتحت عددا من المدارس ، إلا أنه لم يتحقق أي تقدم من ذلك ، بل لم يتحقق حتى الهدف المنشود من وراء التعليم ألا وهو القضاء على الأمية . وفي نفس الوقت عملت فرنسا منذ الغزو على محاربة الثقافة العربية، فقضت على المراكز الثقافية المزدهرة في الجزائر منذ قرون خلت، كذلك أغلقت نحو ألف مدرسة ابتدائية و ثانوية و عالية كانت موجودة في الجزائر في سنة 1830 م. و قد حمل أحد الكتاب الفرنسيين و هو ًيولارً فرنسا مسؤولية تأخر الجزائر في القرن العشرين، إذ يقول :
<< لقد أشاع دخول الفرنسيين إلى الأوساط العلمية و الأدبية ، اضطرابا شديدا فهجر معظم الأساتذة الأفذاذ مراكزهم هاربين . و لقد كان يقدر عدد الطلاب قبل 1830 م بمائة وخمسين ألف طالب أو يزيدون ؛ومهما يكن من أمر فلم ينجح من المدارس القديمة سوى عدد قليل من المدارس الصغيرة، وحرمت أجيال عديدة من التعليم >>. وقد كانت فرنسا في خدمة خطتها الاستعمارية. لمحة تاريخية عن التعليم قبل الاحتلال : روجت الدوائر الاستعمارية في أوساط الأجيال الصاعدة، أن الجزائر قد بلغت في القرون الماضية أسفل درجات الجهالة و الهمجية، إذا لم يكن بالبلد أي تعليم منظم ولا حياة فكرية فلا عالم بينهم ولا كاتب أديب ولا شاعر.
فالأمة الجزائرية مؤلفة كلها من أميين يجهلون القراءة و الكتابة وقالوا إن اللغة العربية قد ماتت منذ زمن بعيد ودفنت مع اللغات الميتة الأخرى، وهذا من أجل تبر ير سياستها التعليمية و دعم مطامعها الاستبدادية، موهمة الرأي العام أن من واجب الأمم الراقية أن تنقذ سكان الجزائر المساكين من آفة جهل شامل، وتأخر فاحش عن ركب الأمم المتمدنة، وذلك باسم الحق والإنسانية .
غير أن الحقيقة التاريخية لا توافق ذلك في شيء، و الواقع يدحض تلك الأباطيل، فما استوى الجهل على الجزائر في القرون السالفة، وما انقطعت بالجزائر مسيرة التعليم، و ما انعدمت المدارس، و لا قلت العناية باللغة العربية وعلومها وآدابها، في جميع العصور الإسلامية، و منها القرن التاسع عشر، فلم تزل وقتئذ المساجد في المدن حافلة بالأساتذة والتلاميذ، ولم تزل الزوايا بالقرى جامعة للمشايخ و الطلبة، وكلهم يبذلون جهودهم في الإلمام بالعلوم ونشرها بين الجماهير. وحتى التعليم العالي ،لم يكن مهملا، في عهد الجزائر العثمانية، فقد كان له نظام خاص يتكفل به مجلس بعاصمة الجزائر مؤلف من المفتيين المالكي والحنفي و من القاضيين المالكي و الحنفي، وكان ذلك المجلس يعين ناظرا يقوم على التدريس و يقدم للداي بالجزائر، و للباي بقسنطينة وبوهران العلماء المترشحين لكراسي التدريس )2(، إذ كان ذلك الناظر بمنزلة مدير التعليم العالي كما كان المجلس يقوم مقام المجلس الأعلى للجامعات العصرية.
و في السنوات الأولى من الاحتلال، استمر التعليم بالمساجد و المدارس والزوايا مزدهرا، و على نفقات ريع الأوقاف، وإيرادات المحبسين، فنجد مثلا أن الأساتذة بالمسجد الكبير بالعاصمة قد بلغ التسعة عشر أستاذا، منهم الشيخ المفتي محمد بن الشاهد ) مفتي المالكية، المتوفى 1792م(لشيخ العربي الإمام المفتي بالمسجد الكبير و الشيخ محمد بن الكاهية و الشيخ مصطفى بن الكبابطي القاضي واعزيز و الشيخ علي بن محمد المنجلاتي مفتي المالكية سنة 1823م، و محمد بن ابراهيم بن موسى ، مفتي المالكية سنة 1824م والشيخ بن الأمين والحاج حمودة الجزائري و غيرهما.
و إذا انتقلنا إلى عاصمة الشرق قسنطينة وجدنا بها في ذلك العهد علماء أجلاء قائمين بدروس مختلفة في العلوم العربية نخص بالذكر منهم الشيخ محمد بن علي الطلحي الذي كان مجلس درسه عامرا بمسجد سيدي مسلم الحراري والشيخ عامر بن شريط و عمار العربي، الذي كان يدرس بمسجد القصبة والشيخ محمد المبارك خطيب المسجد الكبير و مفتي المالكية .
أما الجهات الغربية ، فكانت تلمسان مقر العلوم يتوارثها الأبناء عن الأباء في بيوتات شهيرة مثل عائلة شعيب و عائلة المجاوي ، إلى أن أفل نجمها فهجرها العلم والعلماء إلى وهران و مازونة و غيرها.
و هكذا كان العلماء الجزائريون في السنين الأخيرة من عهد الجزائر العثمانية وأوائل الاستيلاء الفرنسي قائمين بواجبهم نحو اللغة العربية و الأمة يخدمون العلوم في مساجد العواصم وكذلك في المدارس التي بناها محبو العلم وأنصاره من الولاة و ذوي البر والإحسان.
فكان بعاصمة الجزائر، عدد ليس بالقليل من المدارس، مثل مدرسة سيدي أيوب بالقرب من الجامع الجديد، و مدرسة حسن باشا في جوار جامع كاتشاوة فضلا عن الزوايا العديدة . ومن المدارس التي اشتهرت في القرن الماضي بحاضرة قسنطينة المدرسة الكتانية، و مدرسة سيدي الأخضر و نظيرتها بالناحية الوهرانية كمدرسة مازونة، التي نالت شهرة طائرة الذكر، منذ تأسيسها في القرن الحادي عشر للهجرة، ولم يكن التعليم وقتئذ مقتصراُ على مساجد المدن ومدارسها و زواياها فحسب، ولم بكن العلم منحصراُ في عواصم البلد فقط، بل كانت القرى تشارك في الحياة الثقافية و تأخذ نصيبها منها و ذلك بواسطة بعض الزوايا المنتشرة في جميع النواحي شرقا، وغربا، في الشمال، وبالجنوب في السهول والجبال ، حيث لا يسعنا المجال لإحصائها،وكان مستوى التعليم بهذه الزوايا على العموم جيد.
وكان العلماء بالمغرب الأقصى و بتونس يقدرون شهادات الطالب الجزائري حق قدرها و يعترفون له بقيمة دراساته بتلك المؤسسات ، فإذا قال ذلك الطالب بأنه تخرج من مدرسة مازونية أو زاوية شلاظة أو زاوية الهامل ، أو زاوية ابن أبي داود أو غيرها من المعاهد الجزائر، قدرت دراسته و اعتبرت إجازته و ألحق بالأقسام العليا للتخصص بجامع القرويين بفاس أو جامع الزيتونة المعمور بتونس .
تلك هي الوضعية التعليمية ولغتها العربية قبل الاحتلال ، و هكذا كان حال شعبنا من الناحية العلمية و الثقافية ، مساجد عامرة بالأساتذة والتلاميذ و مدارس زاهرة وزوايا حافلة بالطلبة ، وذلك بشهادة الأعداء ) والفضل ما شهدت به الأعداء( وحسب المقالات و الدراسات والتقارير الصادرة عن مصلحة الاستخبارات العسكرية و على رأسهم إسماعيل أوربان،حيـث يـقول : << إن عدد العرب الجزائريين الذين يحسنون القراءة و الكتابة في سنة 1836/1937 يفوق ما يوجد في الجيش الفرنسي المحتل إذ عدد الأميين في الجيش الفرنسي المشار إليه كان يبلغ 45% وعليه كان عدد الأميين عند الجزائريين يقل عن تلك النسبة >>.
التعليم في عهد الاحتلال:
من النتائج المباشرة للاحتلال الفرنسي للجزائر ، انخفاض مستوى الدخل والمعيشة للغالبية العظمى من الجزائريين، بحيث أن أعدادا ضخمة منهم، حرمت من التمتع بالخدمات العامة، كالصحة والتعليم، والتي كانت تتوفر للوافدين المستوطنين بشكل لم يكن يتوفر لسكان فرنسا نفسها، والواقع أن كل اهتمام الإدارة كان يقتصر على توفير الخدمات للفرنسيين المستوطنين حتى ولو أدى الأمر إلى إهمال التعليم الوطني للجزائريين دافعي الضرائب.
ورغم اهتمام نابليون الثالث بتعليم الأهالي لتسهيل، إستيعابهم، إلا أنه مما يؤسف له أن الإدارة أهملت التعليم الوطني خاصة بعد ثورات 1871م،و انتشار المشاعر المعادية للجزائريين بين المستوطنين، حتى لم تزد مخصصات التعليم العربي في سنة 1897م عن 33.000 فرنك و وصلت بعد إثنى عشـر سنة 49.000 فرنك فقط(3).
و لكن يجدر بنا أن نذكر أن تدهور التعليم الجزائري كان لا يرجع إلى قلة الإعتمادات فقط، بل كان يرجع أيضا إلى مقاومة المستوطنين وأعضاء المجالس المحلية لفكرة تعليم الأهالي. ومن المهم أيضا أن نذكر أن تلك الظاهرة لم تكن قاصرة على جهة دون أخرى، أو على فترة دون فترة بل إن تلك الظاهرة صاحبت عملية الإستيطان الأوروبي وما نتج عنه من سيطرة المستوطنين على مقاليد البلاد، حتى أنه في ناحية (ميرايو) ذراع بن خدة مثلا و في سنة 1912م كان يعيش 299 فرنسيا و 7958 جزائريا، ومع ذلك التفاوت العددي كان لأطفال الفرنسيين مدرسة خاصة بهم في حين لم يكن للأهالي و لو مدرسة ابتدائية واحدة لتعليم أولادهم، و لما طالب الأهالي بفتح مدرسة خاصة على نفقتهم اعترض المجلس البلدي – الذي كان يضم مثل باقي المجالس غالبية فرنسية – على الفكرة و أعلن معارضته لتعليم الجزائريين .
و لكن ذلك لا يعني أن فرنسا لم تقم ببناء مدرسة للجزائريي،ن إذ لا يمكن –مهما تعصبنا-أن ننكر أن فرنسا حين أنشأت المدارس لقلة من الجزائريين، لم تكن تهدف إلى منحهم ثقافة حقيقية، تبصرهم بأحوال وطنهم و لغتهم وحضارتهم، بل كان الهدف، هو إنشاء جيل من الجزائريين، يخدم الاستعمار الفرنسي، لا بأبدانهم فحسب، بل بعقولهم وأرواحهم أيضا و بذلك يسهل استيعابهم في المجتمع الأوروبي، و كذلك توفير بعض الموظفين البسطاء للعمل في الإدارات المحلية و بعض المعلمين و غيرهم .
يمكن أن نضيف إلى ما سبق أن تدهور التعليم الجزائري، كـان يـرجع إلى عـداء المكاتب العربية لفكـرة تعـليم الأهـالي، لأن مـدارس الأهـالي كـانت في نظـر الكثير من الضبـاط مجرد معـامل للتـعصب الأهلي(Laboratoire du fanatisme) ومن ثم يوصي غلاة الاستعمار بإهمال تعليم الأهالي وإلى إقفال المدارس الخاصة بهم تماما منذ سنة 1860م(4) .
ولم يقتصر عداء الإدارة الاستعمارية، وعداء غلاة الاستعمار ،على توفير فرص التعليم للأهالي فحسب، بل نجحوا منذ 1880م في منع تعليم اللغة العربية في المدارس القليلة التي كانت موجودة،بحجة اختلاف لغة الحديث عن لغة الكتابة،حتى قال أحد الجزائريين المتفرنسين:” إن تعلم اللغة العربية أصعب من تعلم اللغة الفرنسية حتى بالنسبة للجزائريين …”.
كذلك ضغط الكولون على الإدارة منذ 1891م لكي تقضي على بقايا المدارس الوطنية القديمة التي كانت موجودة في الزوايا أو على الأقل إخضاعها لرقابة إدارية صارمة بحجة أن التخلي عن مراقبة هيئات التدريس، يعني تهديدا لمستقبل الجزائر ،والواقع أن المستوطنين كانوا يؤمنون باستمرار بأن الجزائري المتعلم، يتمسك بحقه في العيش بكرامة مثل المستوطنين أنفسهم، كما أنه سيجهر برأيه هذا أمام مواطنيه ولهذا كله طالب أكثر من مستوطن وكاتب ومجلس بعدم إنشاء مدارس للأهالي حتى لا يثير المتاعب للمستوطنين.
ومع مرور الوقت كان المستوطنون يزيدون من ضغطهم على الإدارة ويزيدون من معارضتهم لتعليم الأهالي، حتى أعلنوا أمام اللجنة البرلمانية بقيادة “جول فيري” سنة 1892ولجنة شارل جونار المكلفة بهذا الشأن :” إن تنظيم التعليم الوطني غير مفيد…”.
وعلى العكس ذلك نجد أن بعض غلاة الاستعمار يتحمسون لفكرة نشر المدارس الابتدائية الفرنسية في كل مكان من الجزائر ،بل إنهم نادوا بتعليم الأهالي اللغة الفرنسية بدلا من اللغة العربية، باعتبار اللغة الفرنسية ” أداة لغزو النفوس والقلوب” ولذلك طالب هؤلاء الغلاة باجتذاب الجزائريين إلى المدارس الفرنسية، عن طريق منحهم بعض المزايا حتى يمكن تكوين طبقة معتدلة من الزعماء الوطنيين، الذين يعملون على تدعيم النفوذ الفرنسي.
وقد يفهم من ذلك، أن الأهالي كانوا هم الذين يعارضون الذهاب إلى المدارس الفرنسية ،وهو أمر تكذبه الوثائق، وكذلك تكذبه بعض الدراسات النزيهة، إذ تعترف بعضها بأن ” تعليم الأهالي لا يوجد إلا على الورق، ولا يتعلم من الأهالي في المدارس القليلة إلا أقلية لا تذكر”.
وفعلا نجد أنه في العام الدراسي 1885/1886م، لم تتوفر فرص التعليم إلا لحوالي خمسة آلاف طفل جزائري، من بين حوالي خمسمائة ألف طفل، كانوا في سن التعليم(5).
أما على الجانب الآخر للصورة ،فقد كانت فرص التعليم تتوفر باستمرار لأبناء المستوطنين حتى يقول الكاتب والمستوطن “ديفال”(DUVAL) “إن نسبة الأطفال الأوروبيين في المدارس إلى مجموع السكان الأوروبيين في الجزائر تفوق تلك في فرنسا نفسها” ، وتذكر التقارير أن نسبة الأطفال الأوروبيين في المدارس إلى السكان كانت سنة 1888م في الجزائر 1/7 وفي فرنسا 1/9 ،ويعني ذلك أن أطفال المستوطنين محظوظون أكثر من أطفال فرنسا نفسها.
ويشير تقرير رسمي في سنة 1916م، عن حالة التعليم الابتدائي في الجزائر بما يلي: ” إن عدد المدارس المخصصة لأبناء المستوطنين كانت تصل إلى 1296 مدرسة يتردد عليها 147.000 طفل أوروبي ،هذا في حين كانت المدارس الابتدائية للأطفال الجزائريين لا تزيد عن 493 مدرسة يتردد عليها 36.000 طفل جزائري فقط،وهذا رغم الفارق الواضح والضخم بين الأهالي والمستوطنين .ويعترف التقرير بعدم فتح مدرسة واحدة للأهالي في تلك السنة، بل على العكس يشير إلى إغلاق 25 مدرسة وإلى نقص هيئات التدريس في معظم المدارس الأخرى التي لم تغلق…… .
أما تقرير سنة 1917م فإنه يعترف بأن فرص التعليم الثانوي والعالي كانت شبه محرمة على الشباب الجزائري، حتى لم يزد عدد الجزائريين في التعليم العالي عن حوالي مائتين مقابل ألف وثمانمائة أوروبي (6) .
ويحاول الفرنسيون أن يعتذروا عن ذلك التقصير في مجال تعليم الجزائريين، ففي تقرير نشر سنة 1955م ،يعترف فيه المسؤولون الفرنسيون باستحالة توفير التعليم لمائتي ألف طفل جزائري كل سنة،هذا في الوقت الذي كان مائة بالمائة من أبناء المستوطنين يجدون أماكن لهم في المدارس. وعلى أي حال فإن الأوضاع البشرية ليست إلا عذرا واهيا خاصة وأن كل اهتمام المستوطنين واللجان المالية كان ينصب باستمرار على توفير التعليم للأطفال الأوروبيين.
والجدير بالذكر هو أن هناك صلة واضحة بين التعليم والاستيطان ،إذ كانت نسبة التعليم تنخفض كلما اتجهنا من الغرب إلى الشرق،وكان التعليم يساير بذلك نسبة تمركز السكان الأوروبيين.كذلك كان التعليم يتركز وترتفع نسبته في الشمال عنه في الجنوب،كما كان يزدهر في المناطق الزراعية المتطورة عنه في مناطق زراعة الجنوب (الاستنتاج:
كانت الجزائر قبل دخول سرطان الاستعمار الفرنسي مزدهرة ثقافيا وعلميا وكانت لغة الضاد جيدة حاملة عقيدة وحافظة دين وجامعة أمجاد ورائد مقاومة “دخلت الجزائر تحت راية الفاتحين تغرس ودا وتنشر هداية ، وتربط بين القلوب المتنافرة وتؤلف بين الأذواق المتناقضة لتجمع على صعيد التوحيد شتاتها وتمنح الخصب والنماء”( .
استمرت اللغة العربية على تلك الحال، رغم فقدان البلاد لاستقلالها وما يتبعه عادة من ضغط وزجر ومنع،فصان العلماء الجزائريون الكرام جيلا بعد جيل لغتهم العربية وثقافتهم الإسلامية صيانة الأمانة والعلم أمانة الأنبياء والعلماء ورثة الأنبياء، محافظين على ذلك التراث النفيس العزيز، وعلى ما يستوعبه من قيم رفيعة ومعان روحية سامية.
ومرت السنون، وأنصار اللغة العربية يدافعون عنها بكل قواهم لئلا يتغلب عليها الشحوب والاضمحلال،إذ أن السلطات الفرنسية كانت لها دائما بالمرصاد تغتنم كل فرصة سانحة لتقطع أمام الناطقين بالضاد سبل الارتقاء وتوصد أبواب الحياة حتى لا يحل الجزائريون محلهم في المجتمع، ولا يقومون بالدور الذي كان لهم الحق في القيام به.
إذن، رغم موقف الإدارة الفرنسية من تعليم الجزائريين وحرمانهم من لغتهم، فإن العربية قد انتصرت في الجزائر على أقسى غزاة حاقدين وأخبث مستعمرين ناقمين،فاستعادت حيوتيها ونشاطها واسترجعت جاذبيتها وجمالـها بعد مـرور المـرض، بأطوار، فخرجت من صقيع الموت إلى دفء الحياة