الأطفال ذوو الأعمار المختلفة يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في نموهم الاجتماعي. فالطفل الصغير قد يرضيه اللعب بمفرده. أما في السنوات المدرسيّة الأولى فإن الصغار يفضلون اللعب في جماعات، والانتماء إلى فرقة أو جماعة يُعتبر أمرًا في غاية الأهمية لمعظم الصغار فيما قبل سني المراهقة.
الطِّفل شخص يتراوح عمره بين 18 شهرًا و13سنة، والطفولة إحدى المراحل الأساسية في نموّ الإنسان. يبدأ الطفل عند بلوغه ثمانية عشر شهرًا التخلي عن كل ما يتعلق بالرضيع من ملابس وغيرها، وإن كان الكثير من الأطفال يضطرون إلى الاستمرار في ارتداء الحفّاظات.
يتضاعف طول معظم الأولاد والبنات عادة، كما تتضاعف أوزانهم أربع مرات ببلوغهم سن الثالثة عشرة. كما يبدأون في النمو جنسيًا حتى يبدو عليهم مظهر الشباب، إلا أن النضوج يشتمل على الكثير من مظاهر النمو الأخرى، مثل حدوث تغيرات في سلوك الطفل وعمليات تفكيره وعواطفه واتجاهاته. وهذه التغيرات النفسية هي التي تحدد أساسًا نوعية الإنسان الراشد الذي سيتمخض عن هذا الطفل.
والطفل بالتحديد هو ذلك الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد بعد. وعلى ضوء هذا التعريف فإن الطفولة تمتد من الميلاد حتى ما بعد سن العشرين، وهي السن التي يبلغ عندها معظم البشر نضجهم البدني الكامل. وعلى أية حال فإن الطفولة تُعد مرحلة أقصر بكثير من المراحل الأخرى. ففي معظم الدول الصناعية تُعد الطفولة إحدى مراحل ثلاث يعبرها الناس من الميلاد إلى الرشد. والمرحلتان الأخريان هما الرضاعة والمراهقة، فالرضاعة تبدأ من الميلاد وتمتد حتى الثمانية عشر شهرًا الأولى من العمر. وتبدأ المراهقة من سن الثالثة عشرة حتى سن الرشد، والطفولة إذن هي المرحلة المتوسطة بين الرضاعة والمراهقة. وفي بعض الدول النامية يُعد الناس راشدين بمجرد بلوغهم سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، حيث لا تُعد المراهقة مرحلة مميزة من مراحل النمو.
ويؤدي الوالدان دورًا حيويًا في نمو أطفالهم. إذ يمثل النمو الطبيعي للأطفال أحد الاهتمامات الرئيسية للوالدين. ولكلمة طبيعي في نمو الطفل معنيان، أحدهما يختص بالخلو من الاضطرابات البدنية والعقلية التي تُعد غير طبيعية أو غير عادية في معظم المجتمعات. من هذه الاضطرابات الصَّرَع والفِصام العقلي والشلل التشنجيّ. إلا أن القليل نسبيًا من الأطفال يولَدُون ـ أو حتى يكتسبون ـ هذه الاضطرابات. ولهذا فإن الغالبية العظمى من الأطفال طبيعيون تبعًا لهذا التعريف.
أما المعنى الثاني لكلمة طبيعي فيختص بمدى امتلاك الطفل لمهارات أو سمات معينة يقيِّمها مجتمع هذا الطفل. فالأطفال هنا يصبحون طبيعيين إذا عُدّوا مقبولين مقارنة بغالبية الأطفال بالنسبة لاكتسابهم مهارات أو سمات معينة يفضلها المجتمع. ويشتمل النمو الطبيعي للأطفال في جميع المجتمعات على تعلم الاتصال مع الآخرين وكونهم على وفاق مع الناس وتعلم السلوك الواعي المسؤول. وتُعد هذه السمات والمهارات ضرورية لحياة الجماعة، ولذلك فعلى الوالدين أن يساعدا أطفالهما على اكتساب هذه السمات وتلك المهارات.
وهناك مهارات وسمات أخرى تفضلها مجتمعات معينة. ففي المجتمعات الصناعية على سبيل المثال يتوقع الناس من الأطفال أن يكونوا على دراية بالقراءة والكتابة. فالطفل الذي لم يتمكن من تعلّم القراءة والكتابة قد يُعد طفلاً غير طبيعي. أما في المجتمعات النامية فقد لا يلتحق كثير من الأطفال بالمدرسة، وقد تُوكَل إليهم في المقابل أعمال معينة بالمزرعة أو بالمنزل. وهنا يُعد هؤلاء الأطفال طبيعيين إذا تمكنوا من اكتساب المهارات الضرورية في المنزل والمزرعة. وهم لا يعدّون غير طبيعيين إذا لم يعرفوا القراءة والكتابة. وفي بعض المجتمعات تُشجَّع في الأطفال سمات شخصية معينة كالتنافس والاستقلال.
وهكذا يختلف دور الوالدين تبعًا للمهارات والسمات الشخصية التي يحبونها في الأطفال. وكذلك يختلف دور الوالدين تبعًا لحاجات الأطفال عند مراحل نموهم المختلفة وتبعًا للحاجات الفردية للأطفال.
تناقش هذه المقالة مراحل الطفولة والفروق الفردية بين الأطفال، إضافة إلى المشكلات الخاصة بالطفولة. كما تصف المقالة أيضًا كيفية تشجيع الوالدين لنمو أطفالهم على أفضل وجه ممكن. وللحصول على معلومات مشابهة حول الرضاعة والمراهقة، انظر: المراهق؛ الرضيع.
مراحل الطفولة
يتوقف النمو النفسي للطفل على بيئته، وتتكون البيئة من كل شيء يواجه الطفل بما في ذلك أفراد المجتمع. ويكتسب معظم الأطفال التربية البيئية التي يحتاجون إليها في نموهم النفسي الطبيعي.
وعلى أية حال، يتأثر النمو النفسي بالعوامل البدنية، فعلى سبيل المثال، يتأثر تطور القدرات التعليمية بنمو الجهاز العصبي. فالأطفال لا يتساوون في معدلات نموهم الجسدي. ونتيجة لهذا؛ تختلف استعداداتهم للنمو النفسي. وليس بالضرورة أن يكون الطفل الذي ينمو بمعدل أبطأ من أقرانه غير طبيعي.
ويمكن تقسيم الطفولة إلى أربع مراحل وذلك اعتمادًا على المراحل الرئيسية للتغير النفسي. هذه المراحل هي: 1- مرحلة الطفل الحَابِي، 2- سنوات ما قبل المدرسة، 3- السنوات المدرسية الأولى، 4- سنوات ما قبل المراهقة.
مرحلة الطفل الحَابِي. تبدأ تلك المرحلة من 18 شهرًا حتى السنة الثالثة من العمر. ويكون معدل النمو البدني للطفل في مرحلة الثمانية عشر شهرًا الثانية المكوّنة لهذه المرحلة أبطأ بصورة عامة من معدل نموه البدني في الثمانية عشر شهرًا الأولى من عمره، التي تبدأ منذ ولادته.
وببلوغ الثمانية عشر شهرًا من العمر، يستطيع معظم الأطفال إطعام أنفسهم، ويمشون ويهرولون لمسافات قصيرة، ويصفّون بعض مكعبات البناء، ويقولون القليل من الكلمات المفهومة. ومن المتوقع أن يتحسن الطفل الذي يحبو في كل هذه المهارات، إلا أن معظم الأطفال البالغين من العمر عامين لا يستعملون إلا كلمة أو اثنتين لفكرة كاملة. ولا يتأكد الوالدان دائمًا من معنى هذه الكلمات. فعلى سبيل المثال، الطفل الذي يقول "لبن" أو "ضاع اللبن" قد يعني أي شيء من "أريد بعض اللبن" حتى "لقد سكبت لبني". ويتمكن معظم الأطفال عند الثالثة من عمرهم من ربط بعض الكلمات لتكوين جملة كاملة مفيدة. ويستطيعون نطق تسعمائة كلمة، وهذا يُعد زيادة عظيمة في قاموسهم اللغوي عند سن الثمانية عشر شهرًا والذي يتراوح في العادة بين 10 و 20 كلمة.
وتتحسن قدرات التقليد والتخيّل لدى الأطفال الذين يحْبُون بدرجة كبيرة. وتتسم بعض أنواع التقليد بالطرافة وشد الانتباه، وذلك مثل تقليد أصوات الحيوانات. ويكون لدى معظم الأطفال في هذه المرحلة خيال حي، كما يحبون التظاهر أو الادعاء. فقد يتظاهرون أو يدّعون أن كوب الماء هذا هو كوب من الشاي، أو أن هذه الدراجة الثلاثية العجلات، ما هي إلا سيارة أوطائرة.
وتنمو العلاقات الاجتماعية للطفل الذي يحبو ببطء. فالأطفال حتى الثانية من عمرهم يميلون للخجل عند اتصالهم بالصغار الآخرين. ويتغلب الأطفال على هذا الخجل عادة بعد دقائق قليلة، هذا في الوقت الذي ينظرون فيه للأطفال الآخرين على أنهم أشياء أكثر من كونهم أشخاصًا. ويبدأ الأطفال عند الثالثة من عمرهم في إدراك ما بينهم وبين الأطفال الآخرين من عوامل مشتركة. وهنا يبدأون في النظر إليهم على أنهم أقران متساوون.
وتتوجه أقوى الانتماءات لدى الأطفال الذين يحْبُون إلى والديهم الحقيقيين أو بالتبني. ومن الأهمية بمكان أن يشعر هؤلاء الأطفال بمساندة الوالدين لهم ورضاهم عنهم. ونتيجة لهذا المطلب فإن لديهم حساسية لأي إشارة من إشارات الرفض أو عدم الرضا من جانب الوالدين.
لُعب المحاكاة يمكن أن تساعد الأطفال على تعلم أدوار الكبار. فربما يتظاهر هؤلاء الصغار بأنهم أسرة تتناقش في كيفية قضاء يومهم والاستمتاع بالجو الصحو.
مرحلة سنوات ما قبل المدرسة. تمتد تلك المرحلة من سن الثالثة حتى الخامسة من العمر، وتساعد هذه المرحلة في إعداد الأطفال لتحمل تبعات الاستقلال والمسؤولية ـ وهما صفتان تكتسبان في المرحلة التالية من الطفولة ـ والأطفال في هذه المرحلة شديدو النشاط ويكتشفون الدنيا من حولهم باستمرار. وفي الوقت نفسه، يبدأون في إدراك معايير السلوك وأحكامه، كالأشياء الواجبه والأخرى المنهي عنها.
عند سن الثالثة أو الرابعة من العمر يصبح معظم الأطفال في حالة من الإدراك المتزايد لطبيعة أنفسهم وللآخرين أيضًا. فبالإضافة لإدراكهم أفعالهم الخاصة يدركون أيضًا أن للناس الآخرين مشاعر مثل مشاعرهم. وفي هذه المرحلة من النمو يبدأ الأطفال في ضبط بعض أفعالهم تبعًا لما تثيره تلك الأفعال من رضاً أو سخط لدى الآخرين.
ومن أول الأحكام التي يُتوقع أن يتعلمها الأطفال القدرة على التحكم في المثانة والأمعاء، وهي عملية تسمى التدريب على الإخراج، ولكن يختلف الأطفال فيما بينهم اختلافًا بينًا، وذلك بالنسبة للعمر الذي يمكِّن الطفل من أن يتحكم في هذه العملية. هذا وتختلف المجتمعات أيضًا فيما بينها اختلافًا كبيرًا بالنسبة لتحكم أطفالها في هذه العملية. إلا أن معظم الأطفال يبدأون في التحكم فيها عند الثالثة من العمر.
وبجانب التدريب على الإخراج هناك ما يتعلمه الأطفال من أحكام السلوك الأخرى في كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية. تشتمل هذه الأحكام على الطاعة والصدق واحترام الممتلكات وأحكام السلوكيات والأدوار الجنسية المختلفة، أي تلك الأدوار المتوقعة من الإنسان ذكرًا كان أو أنثى. وتختلف المجتمعات، كما هو الحال في عملية التدريب على الإخراج، بالنسبة للعمر الذي يُتوقع أن يتعلم الأطفال عنده تلك الأحكام. ولكن، يستطيع معظم الأطفال أن يتعلموا هذه الأحكام عند حوالي الثالثة أو الرابعة من أعمارهم.
يستخدم معظم الآباء والأمهات العقاب والثواب لتعليم أطفالهم أحكام السلوك. فهم يكافئون أطفالهم إذا قاموا بأعمال مرغوبة، ويعاقبونهم على الأعمال غير المرغوبة.وقد تكون كلمة مدح أو ضَمَّة صدر مكافأة كافية. أما العقوبة فتكون عادة كلمة "لا" التي تقال بصرامة أو ضربةً خفيفة، ويتعلم الطفل بالتدريج أن هناك أعمالاً جيدة وأخرى سيئة. وعلى أية حال، يحدد الوالدان بنفسيهما ما إذا كان العمل المعيّن جيدًا أم سيئًا.
وكذلك يتعلم أطفال ما قبل المرحلة المدرسية أحكام السلوك من خلال عملية قد تكون لاشعورية تسمى التشبه أو التقمص. وهي عملية تبدأ غالبًا في مرحلة الطفل الذي يحبو، ولكنها تكتمل في مرحلة ما قبل سن المدرسة. فالأطفال يتشبهون بشخص آخر إذا شعر أحدهم أنه يمتلك نفس الصفات البدنية والنفسية لهذا الشخص، كما يتشبه معظم الأطفال بواحد أو أكثر من أفراد أسرهم وخصوصًا الوالدين.
ولا يدرك غالبية الأطفال وهم في سن الثالثة أو الرابعة أنهم مخيَّرون في أعمالهم، فإذا قاموا بشيء أغضب والديهم شعروا بالقلق أو الخجل أو الأسف، إلا أنهم لا يلومون أنفسهم لهذا العمل. ويبدأ معظم الأطفال عند الخامسة من العمر إدراك أنهم يستطيعون الخيار بين عمل أو آخر. وهنا يبدأ الأطفال في الشعور بالذنب والخجل إذا أخطأوا السلوك.
تنمية المهارات اللغوية تعتبر تحدِّيًا رئيسيًا للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة. ويقدم كثير من الآباء والأمهات القصص والصور لمساعدة أطفالهم الصغار على تنمية مفرداتهم اللغوية وتقوية قدراتهم على بناء الجُمَل.
مرحلة السنوات المدرسية الأولى. تبدأ هذه المرحلة من الخامسة حتى الثامنة من العمر، وتمثل نقطة تحول رئيسية في النمو النفسي للطفل. فالأطفال يستمرون في تحسين مهاراتهم البدنية في هذه المرحلة. إلا أن هذه المرحلة تتميز بصورة خاصة بتطورات مهمة في النمو العقلي والعاطفي والاجتماعي للطفل.
يُتِم الأطفال في معظم المجتمعات تعلُّم الأحكام الأساسية للسلوك الاجتماعي عند بلوغهم سن الخامسة. كما أنهم يدركون أيضًا الحكم على الأفعال المعينة إذا ما كانت طيبة أو سيئة. وهنا يُمكن أن ينال الطفل درجة أكبر من الاستقلال. وعلى أية حال فإن الكبار يوجهون هذا الاستقلال في مسارات محكمة. ففي غالبية المجتمعات الصناعية يبدأ معظم الأطفال الالتحاق بالمدرسة عند الخامسة أو السادسة من العمر.
والقدرة على حل المشكلات هي إحدى المهارات المتوقعة من الطفل في سن المدرسة، وهي مهارة تنمو بالتدريب. والطفل في سن الخامسة قد يحاول حل مشكلة معينة باختيار أول حل يطرأ على عقله. ولكن الطفل في سن السادسة أو السابعة يفكر في حلول محتملة أخرى ويدرك سبب تفضيل حل على آخر. ويبدأ الأطفال في هذه السن في إدراك كيفية التشابه بين الأشياء وكيفية الاختلاف بينها. وأخيرًا، يكتسب الأطفال ثقة في قدراتهم العقلية، ويبدأون في الاستمتاع بصحة حلول مشكلاتهم.
يبدأ معظم الأطفال في سن السابعة أو الثامنة، في تبرير عقائدهم ـ أي اكتشاف أسباب اعتناقها. ومن هنا فقد يقررون أن أحكام السلوك التي تعلموها جديرة بالاعتناق. ويتطور الأطفال في هذا العمر في مقارنة أنفسهم بأقرانهم من الصغار. وتؤدي هذه المقارنة إلى تكوين الطفل لـ صورة الذات ـ وهي رأي الإنسان في نفسه. وتؤثر صورة الذات التي تتكون في الطفولة على سلوك الإنسان طوال حياته.
ويبدأ الأطفال في تكوين صورة الذات خلال سنوات ما قبل المدرسة أثناء اقتدائهم أو تشبههم بالوالدين أو بالآخرين من أعضاء الأسرة. وتتوقف صورة الذات لدى الطفل على كونها محبّبة أو غير ذلك، على الاتجاهات والعواطف الخاصة بالأشخاص الذين يتشبه الأطفال بهم أو ينتمون إليهم. فعلى سبيل المثال، لو ارتأى الأطفال أساسًا أن في والديهم خصائص غير محببة فإنهم سوف يميلون إلى النظر إلى أنفسهم بمنظار سلبي. كما أن الأطفال إذا ما اكتسبوا انطباعات جيدة عن والديهم فإنهم يكِّونون صورًا ذات خصائص محببة لديهم. وتتعزز صور الذات هذه أو تتغير عند مقارنة الأطفال أنفسهم بأقرانهم.
الرياضة البدنية أساس نمو الطفل وتساعده على اكتساب اللياقة البدنية والصحية.
مرحلة سنوات ما قبل المراهقة. تمتد هذه المرحلة من عمر الثامنة حتى الثالثة عشرة. وتُعرف أيضًا بمرحلة ما قبل المراهقة، وفي هذه المرحلة يزداد معدل النمو البدني بشكل حاد بعد أن كان قد انحدر بعد إتمام مرحلة الرضاعة. ويبدأ الطفل في هذه المرحلة في النمو وزنًا وطولاً مع اكتساب الخصائص الجنسية للكبار. فعلى سبيل المثال تبدأ معظم البنات في الحيض الشهري عند سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة. وينمو الشَّعَر لدى معظم الأولاد على أجسادهم ووجوهم، كما تتخشن أصواتهم. وتسمى المرحلة الكاملة التي ينضج فيها الشخص بمرحلة الحُلم أو البُلوغ. وقد يكتمل النضج الجنسي لبعض الأطفال قبل الثالثة عشرة. ولكن الغالبية لا تنضج جنسيًا إلا ببلوغ الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة. انظر: الجنس.
وخلال سنوات ما قبل المراهقة، تؤدي جماعة الأقران وهي دائرة أصدقاء ومعارف الطفل، دورًا حيويًا متناميًا في عملية نمو الطفل. فالأطفال في هذه المرحلة ينظرون أساسًا إلى أقرانهم، بدلاً من والديهم، وذلك للتحبب والقبول. فهم يحكمون على أنفسهم تبعًا لأحكام جماعات أقرانهم، وهكذا تستمر صور ذواتهم في النمو، وقد يتغير سلوك الطفل بدرجة ملحوظة تحت ضغط جماعة الأقران.
وفي نهايات مرحلة ما قبل المراهقة، قد يصاب الأطفال بالقلق إذا ما تناقض حكم سلوكي جديد مع حكم سلوكي سابق. وهم يزيلون عادة هذا القلق بمناقشته مع أصدقائهم. وعلى أية حال، فإن الأطفال في نهاية هذه المرحلة يشعرون بحاجة متزايدة للحفاظ على الاتساق بين القيم التي يؤمنون بها. ومن هنا فقد يرفضون حكمًا متناقضًا مع سابق أحكامهم، أو يعيدون النظر فيه. كما يبدأ الأطفال في هذا العمر في تبرير السماح بأداء فعل خاطئ تحت الاضطرار في ظروف معينة.
الفروق الفردية بين الأطفال
تُعد الوراثة والبيئة العاملين الأساسيين المسؤولين عن وجود الفروق الفردية بين الأطفال. فالوراثة هي العملية التي من خلالها يرث الأطفال الخصائص البدنية والعقلية من والديهم. والبيئة هي جميع ما في الأوساط المحيطة بالطفل والتي تؤثر على نمو الخصائص الموروثة لديه.
وتحدث الفروق الفردية بين الأطفال نتيجة للفعل المشترك بين الوراثة والبيئة، وليس نتيجة لفعل كل منهما على حدة. وعموماً، فإن الوراثة تحد من قدرة البيئة على التأثير على نمو الطفل. فعلى سبيل المثال، يرث كل طفل استعدادًا للنمو حتى طول معين. وهنا لا يمكن ـ ولو حتى تحت أفضل الظروف البيئية ـ أن يتعدى الطفل هذا الطول كثيرًا. إلا أن الأطفال يحتاجون إلى الظروف المناسبة، بما فيها التغذية السليمة والرياضة البدنية، حتى يبلغوا الطول الذي تسمح به الوراثة. وهكذا فإن الوراثة والبيئة معًا يحددان الفروق الجسدية بين الأطفال. ويحدد العاملان أَنفسهما أيضًا الفروق الفردية في الذكاء.
الفروق البدنية. يتفاوت الأطفال كثيرًا في مظهرهم البدني ومعدلات نموهم. فمثلاً، يتراوح الوزن الطبيعي لأولاد التاسعة من العمر بين 25 و37كجم. كما تتراوح أطوالهم الطبيعية بين 130و140سم. وبالنسبة للبنات في عمر التاسعة فإن هذه المعدلات تقل قليلاً. وتنمو معظم البنات بسرعة فيما بين التاسعة والثانية عشرة من العمر. وتكون البنات عادة في هذه السنوات أطول وأكثر وزنًا من الأولاد. إلا أنه عند حوالي الثانية عشرة من العمر يبدأ معظم الأولاد في النمو بسرعة، بينما ينخفض معدل نمو البنات. وعند الرابعة عشرة من العمر، يكون معظم الأولاد أطول وأكثر وزنًا من معظم البنات في العمر نفسه. ويبدأ بعض الأطفال هذا النمو السريع مُبكرين أو متأخرين عن الغالبية العظمى من الأطفال بسنة أو اثنتين. ولا يكون الأطفال بالضرورة غير طبيعيين إذا اختلفت أوزانهم أو أطوالهم بعض الشيء عن المعدلات الطبيعية لأعمارهم.
الفروق في الذكاء. يتم قياس الفروق في الذكاء بين الأطفال عادة باختبارات نسبة الذكاء. وتصمَّم هذه الاختبارات لتبيّن القدرة العقلية العامة للطفل بالنسبة للأطفال الآخرين في نفس العمر. ويقوَّم أداء كل طفل في هذه الاختبارات معبرًا عنه بقيمة معامل الذكاء. وتتراوح تلك المعدلات لحوالي ثلثي الأطفال بين 84 و 116 وذلك في معظم هذه الاختبارات. ويقل سُدس هذه المعدلات عن 84، بينما يزيد السُدس الآخر عن 116.
وعمومًا يكون الاختلاف بين معاملات الذكاء للأشخاص المرتبطين بقرابة الدم أقل من ذلك الاختلاف بين غير الأقرباء. ولذلك يقرر بعض الخبراء أن القدرة العقلية العامة موروثة في غالبيتها ولا تتأثر بالبيئة إلا قليلاً. إلا أن خبراء آخرين يعتقدون أن للبيئة أثرًا قويًا على الذكاء. ويؤيد نظرتهم هذه الدراسات المتعلقة بالأطفال محرومي الثقافة. ويُعد الأطفال محرومين ثقافيًا إذا انتُقصت من حياتهم المنزلية تلك الخبرات التي تساعدهم على الانتفاع من تعليمهم المدرسي. ويقل الكثير من هؤلاء الأطفال في قيمة معامل الذكاء عن 80. ولكن في عدد من الحالات، أمكن للأطفال المحرومين ثقافيًا أن يحسّنوا معدلاتهم بدرجة كبيرة بعد تعرضهم لتدريب خاص وتشجيعهم في دور التربية أو في المدرسة.
ويشك بعض الخبراء في فائدة اختبارات معامل الذكاء على أساس أنها لا تقيس المهارات العقلية الأساسية. ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن الذكاء يشتمل على مجموعة متباينة من القوى المنفصلة، مثل الذاكرة والمنطق والتقويم والأصالة. فالطفل قد تتواضع قدراته في بعض هذه المجالات بينما يكون موهوبًا في مجال أو مجالات أخرى. ولذلك يعتقد النقاد أنه يجب اختبار الأطفال وتقويمهم على أساس كل مهارة عقلية منفردة. وللمزيد من المعلومات حول الذكاء واختبارات معامل الذكاء، انظر: الذكاء؛ نسبة الذكاء.
المشكلات الخاصة بالطفولة
يكتسب بعض الأطفال أنماطًا من السلوك تمثل مشكلة لهم وللناس من حولهم. وقد يكون هذا السلوك، تحت ظروف معينة، دلالة على اضطراب نفسي أو جسدي أكثر عمقًا. وقد يفيد التوجيه الاختصاصي الطفل المضطرب نفسيًا.
ويكون سلوك الطفل دلالة على اضطراب نفسي إذا كان: 1- يختلف كثيرًا عن السلوك الطبيعي 2- له آثار جانبية أو عواقب غير مرغوبة 3- يؤدي إلى توتر الطفل.
ويجب أن تتوفر الحالات الثلاث حتى يصبح السلوك نمطًا. فمثلاً، الطفل الذي يُظهر قدرات فذة في المدرسة يختلف كثيرًا عن بقية أطفال المدرسة. ولكن هذا السلوك لايُعد نمطًا لأنه لا يؤدي عادة إلى عواقب غير مرغوبة أو إلى توترات نفسية. وهناك العديد من مشكلات الطفولة التي قد تكون أعراضًا لاضطرابات جسدية أو نفسية أكثر عمقًا. ومن أكثر هذه المشكلات انتشارًا 1- المخاوف الوهمية،2- السلوك العدائي وغير الاجتماعي.
المخاوف الوهمية. يخاف الأطفال جميعاً في ظروف معينة، وهكذا فالخوف انفعال طبيعي. وتكون المخاوف وهمية إذا تكررت بانتظام وفي غياب مخاطر حقيقية. وتكون هذه المخاوف، في بعض الحالات، مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بخبرة مرعبة سابقة. فمثلاً، الطفل الذي يخاف من جميع الحيوانات قد يكون اكتسب هذا الخوف بعد تعرضه لهجوم سابق من حيوان معين. وفي حالات أخرى، قد ترتبط المخاوف الوهمية ارتباطًا غير مباشر بحادثة سابقة. فمثلاً، الطفل الذي يشعر بذنب شديد لفعل قام به قد يتوقع عقابًا قاسيًا. ومن هنا قد يكتسب الطفل خوفًا غير طبيعي من الموت أو الحوادث أو المرض.
السلوك العدواني وغير الاجتماعي. يُعِّرف علماء النفس العدوان (العداء) بأنه السلوك غير الودي الغاضب المقصود به إيذاء أو إزعاج الآخرين. وقد ينتج هذا السلوك لدى الأطفال الصغار نتيجة الإحباط. فقد يشعر الأطفال الصغار بالإحباط إذا لم تحقق مطالبهم أو إذا هُدِّد إحساسهم بالجدارة واحترام الذات. وإذا اشتد الشعور بالغضب عند الطفل فقد ينفجر في ثورة غضب، وهي شكل من أشكال العدوان الشائعة عند صغار الأطفال.
ويستطيع الأطفال أن يتعلموا ضبط العدوان إذا تعلموا في بدايات أعمارهم أن بعض مطالبهم لا يمكن تحقيقها. فالطفل الذي يكتسب القدرة على تحمل الإحباط ستكون لديه احتمالات الاندفاع في ثورات غضب شديدة أو متكررة. ولكن الأطفال قد يجدون صعوبة كبيرة في اكتساب قدرات التحمل الضرورية وذلك إذا ما كان الوالدان متعنِّتين أو متهاونين. فإذا كان الوالدان متعنِّتين فإن الطفل قد يشعر بالإحباط المتزايد وهو بصدد تحقيق آمالهما الطموحة. وإذا كانا متهاونين، فإن الطفل قد ينفعل عدوانيًا لأقل درجة من الإحباط. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوالدين يزيدان من ظهور العدوان لدى الأطفال إذا كانا هما أَنفسهما كثيري الغضب وذوي سلوك عدائي.
ويتعلم معظم الأطفال ضبط العدوان ببلوغهم عمر ما قبل المراهقة. وهم قد يفعلون ذلك بتوجيه طاقاتهم للهوايات والرياضة البدنية والأشغال المدرسية وأنشطة أخرى. إلا أن بعض الأطفال لا يتعلمون التعامل مع العدوان بفاعلية. فبدلاً من ذلك، قد يلجأون للسلوك غير الاجتماعي لإزالة مشاعر الإحباط والعداء. ومن أمثلة هذا السلوك غير الاجتماعي الشغب وتخريب الممتلكات. ومما يزيد هذا السلوك سوءاً تشجيع جماعة الأقران.
مشكلات خاصة أخرى. قد تنتج مجموعة أخرى من المشكلات كأعراض الاضطرابات النفسية والبدنية. هذه المشكلات تتمثل فيما يلي 1- النشاط الزائد (الإفراط في النشاط) 2- الأداء المدرسي الرديء 3- الخجل الشديد 4- التبول في الفراش.
النشاط الزائد (الإفراط في النشاط). لا يستطيع معظم الأطفال مفرطي النشاط التركيز على أي شيء أكثر من دقائق قليلة في المرة الواحدة. ولا يعرف العلماء السبب الحقيقي لهذا الاضطراب. وهناك ما يؤيد أن بعض الحالات تنتج عن الحساسية لبعض المواد الكيميائية المضافة للغذاء، وخاصة الصَّبْغات وملونات الطعام.
الأداء المدرسي الرديء. ينتج غالبًا عن فشل في تعلم القراءة. وقد يرجع الفشل في تعلم القراءة إلى مشكلة بدنية أو نفسية، مثل ضعف البصر وضعف السمع، أو الخجل الشديد. وتكون القدرة على القراءة لدى معظم الأطفال ذوي النشاط الزائد، أو تلك الخاصة بالأطفال المتخلفين عقليًا محدودة للغاية. انظر: التخلف العقلي. وعلى أية حال، ففي حالات كثيرة يمكن تفادي مشكلات القراءة إذا أعد الوالدان أطفالهما لتعلم القراءة. وهكذا فإن الوالدين يجب أن يدرّبا أطفالهما على قراءة القصص والقصائد الشعرية أثناء مرحلتي الحَبو وسنوات ما قبل المدرسة. كما يجب على الوالدين أيضًا أن يُعرّفا أطفالهما بالكتب ومواد القراءة الأخرى، ويساعداهم على بناء قاموسهم الُلغوي. وقد يتخلف أطفال المدرسة الذين ينقصهم هذا الإعداد عن أقرانهم في تَعلُّم القراءة. كما يحتاج الأطفال أيضًا لدافع يدفعهم لتعلم القراءة. ويمكن للوالدين أن يوجِدا هذا الدافع إذا أظهرا لأطفالهما تقديرهما للتعلّم.
الخجل الشديد. يصبح الأطفال في بعض الحالات زائدي الخجل إذا تعرضوا لسيطرة إخوانهم أو أخواتهم الكبار. وقد يبدأ الخجل أيضًا كاستعداد موروث. وعلى أية حال، فإن الأسباب الدقيقة للخجل المفرط لازالت غير مفهومة تمامًا.
التبول في الفراش. تكون عادة التبول في الفراش بعد سن الخامسة مظهرًا للاضطراب البدني أو النفسي. ويجب أن يحذر الوالدان تهديد أطفالهما أصحاب هذه المشكلة أو عقابهم. وفي كل حالة، يجب استشارة الطبيب أو الطبيب النفسي.
دَوْر الوالدين
يستطيع الأباء والأمهات أن يستحثوا نمو أطفالهم على الوجه الأكمل من خلال طرق رئيسية ثلاث. 1- إدراك الحاجات الأساسية للطفل 2- تشجيع سلوك الطفل 3- تمثيل نماذج السلوك الصحيح.
إدراك الحاجات الأساسية للطفل. يحتاج الأطفال إلى حاجات جسدية ونفسية أساسية. ويلزم إشباع جميع هذه الحاجات حتى يتحقق النمو الطبيعي للطفل، فالحالة الصحية المتدهورة قد تضر بالنمو النفسي للطفل، كما قد توثر المشكلات النفسية على الحالة البدنية له.
الحاجات البدنية الأساسية. يحتاج الأطفال إلى وجبات مغذية منتظمة، ولباس مناسب، ومنزل نظيف مريح. كما يحتاجون أيضًا إلى قدر مناسب من اللعب والرياضة البدنية وإلى حيز مكاني كافٍ للعب فيه. هذا بالإضافة إلى أن الأطفال الذين يتعلمون العادات الصحية الجيدة ويدركون احتياطات الأمان الأساسية يقللون من مخاطر الأمراض والحوادث.
وقد أدت الرعاية الصحية المحسَّّنة إلى زيادة كبيرة في الأعمار المتوقعة للأطفال في دول كثيرة وذلك في بداية القرن العشرين الميلادي. فمثلاً، كانت أمراض مثل الدفتريا والسعال الديكي تقتل الآلاف من الأطفال كل عام. إلا أن تعميم برامج التحصين قد أدى إلى انخفاض حاد في معدلات الوفيات التي تنتج عن هذه الأمراض. ويتم تحصين معظم الأطفال قبل بلوغهم الشهر الثامن عشر من العمر. ويجب أن يعاد تحصين الطفل ضد الدفتريا وشلل الأطفال والكزاز (التيتانوس) والسعال الديكي عند حوالي الرابعة إلى السادسة من العمر. وللمعلومات المفصلة حول الحاجات الأساسية للطفل، انظر: الصحة؛ التغذية؛ السلامة.
الحاجات النفسية الأساسية. تحدد هذه الحاجات المهارات والخصائص الشخصية التي نتوقع للطفل اكتسابها. فهناك بعض المهارات والخصائص التي يُشجَّع الطفل على اكتسابها في جميع المجتمعات. ومن هنا فإن هناك حاجات نفسية معينة يحتاج اليها جميع الأطفال. فالطفل الحَابي، على سبيل المثال، يحتاج إلى اكتساب الثقة بالنفس، ولذلك يجب إشعاره بالحب والاحترام والرغبة فيه. كما يحتاج الأطفال الحابون إلى تنوع كافٍ في نمط حياتهم اليومي لمساعدتهم على اكتساب المهارات الُلغوية. والأطفال في سن ما قبل المدرسة بصورة خاصة يحتاجون إلى المرافقة اللصيقة للذين يحبونهم ويُعْجبون بهم. وتشجع هذه المرافقة على النمو العاطفي الطبيعي للطفل.
ويتوقع المجتمع من الأطفال درجة أكبر من المسؤولية في السلوك بعد بلوغهم السن المدرسي. ومن هنا يجب أن يقتنع الأطفال بأن أحكام السلوك المرغوب فيه لا تتغير من يوم لآخر. ويكتسب الأطفال في سن ما قبل المراهقة حاجة قوية للشعور بالنجاح كشأن أقرانهم من نفس العمر.
تشجيع سلوك الطفل. يشجع الوالدان الطفل عندما يدفعانه لتبنِّي نموذج سلوكي معين. فالمكافأة على السلوك الجيد هي أحد أساليب التشجيع. ويجب العقاب على الإساءة السلوكية العنيدة. إلا أنه يجب أن تكون العقوبات عادلة. فالأطفال سوف ينزعجون ـ والحق معهم ـ إذا عوقبوا على سلوك يرونه دائمًا في والديهم. ويجب أن يحاول الوالدان تشجيع أطفالهم دون إشعارهم بالتحكم فيهم. فبدلاً من ذلك، يجب أن يسعى الوالدان لإشعار أطفالهم بأنهم هم المسؤولون أنفسهم عن التحسن الطارئ على سلوكهم.
وتؤثر المكافآت والعقوبات على السلوك في جميع الحالات التي لا تُعقِّدها عوامل أخرى. فالأطفال الذين ينالون تشجيع والديهم على عمل واجباتهم المدرسية يكونون عادة أكثر نجاحًا في المدرسة من أقرانهم الذين ينقصهم مثل هذا التشجيع. والطفل الذي تعلم ضبط العدوان لا يميل لأن يصبح مشاغبًا وذلك بدرجة أفضل من حال الطفل الذي لم يتعلم ضبط العدوان. وعلى أية حال، فليس من الضروري أن يكون التشجيع ناجحًا على الدوام وذلك لوجود عوامل أخرى تؤثر أيضًا على السلوك. فعلى سبيل المثال، لا يمكن دفع الأطفال لتعلم القراءة إذا كانوا يعتقدون في ضعف قدراتهم على ذلك. كما قد يجد الوالدان أنفسهما عاجزين عن تشجيع طفلهما الذي يشعر تجاههما بالرفض والعداء.
تمثيل نماذج السلوك الصحيح. يشكل الأطفال أنفسهم بدرجة كبيرة تبعًا لوالديهم، وهم يفعلون ذلك من خلال عملية التشبه. ويتشبه الأطفال بأحد الوالدين إذا اعتقدوا أنهم يمتلكون الصفات والمشاعر التي يتميز بها، وهكذا فإن الأشياء التي يفعلها أو يقولها الوالدان ـ وكذلك أسلوب فعلها أو قولها ـ تؤثر بدرجة كبيرة على سلوك الطفل، وعلى أية حال، يجب على الوالدين أن يتصرفا دائمًا تصرف شخص يرغبان في أن يكون طفلهما مثله.
كما تؤثر أفعال الوالدين على صورة الذات التي يكونها أطفالهما أثناء عملية التشبه. فالأطفال الذين يرون في والديهم خصائص إيجابية يُحتمل أن يتعلموا رؤية أنفسهم أيضًا في صورة إيجابية. وسيجد الأطفال الذين يرون في والديهم خصائص سلبية صعوبة في رؤية خصائص إيجابية في أنفسهم. إلا أن الأطفال قد يعدّلون من صور ذواتهم كلما ازداد تأثرهم بأحكام جماعات أقرانهم خلال سنوات ما قبل المراهقة.
ولا تترك الأحداث المنعزلة، حتى ولوكانت عميقة التأثير، أثرًا دائمًا على سلوك الطفل. فالأطفال يفسرون هذه الأحداث تبعًا لاتجاهاتهم القائمة وتدريبهم السابق. فمثلاً، يستطيع الأطفال الذين يدركون أنهم محبوبون من أسرتهم، تقبُّل طلاق الوالدين أو الموت المبكر لأحدهما. أما إذا شعر الأطفال بعدم الحب فإنهم قد يفسرون هذه الأحداث على أنها علامة للرفض أو العقاب.
وبالأسلوب نفسه لا يتأثر جميع الأطفال بالألعاب واللعب، ومواد القراءة، وبرامج التلفاز تأثرًا متشابهًا. فكما هو الحال في التغير العميق في علاقات الأسرة، نجد أن تأثر الطفل بنشاط أو بتجربة معينة يتوقف على كيفية تفسير الطفل لأي منهما. ويتوقف تفسير كل طفل بدوره على أحكام السلوك التي يعتنقها. فمثلاً، قد يرفع السلوك العنيف الذي يعرضه التلفاز من الميول العدوانية للطفل الذي يَعُدُّ هذا السلوك مباحًا. كما أن الأطفال الذين تعلموا أن السلوك العنيف خطأ فإنهم لا يتأثرون بالعنف على شاشة التلفاز. انظر: التلفاز. وفي النهاية، فإن للسلوك اليومي للوالدين أنفسهما أثرًا أقوى بكثير من تلك الأحداث والخبرات المنعزلة.