عد ست سنوات عانى فيها الأمرين تحت قيادة مدربٍ جعل منتخب بلاده يدفع ثمن فلسفته "الغريبة" في عالم الساحرة المستديرة، يبدو أن المنتخب الفرنسي استعاد أخيراً توازنه وعاد إلى السكة الصحيحة بعد سلسلة انتصارات مستحقة حققها، كان آخرها الفوز على المنتخب الإنكليزي ودياً في ويمبلي 2-1 يوم أول من أمس الأربعاء تحت قيادة مدربه الجديد لوران بلان.
مهمة صعبة
عقب المشاركة الكارثية في نهائيات كأس العالم الماضية، أوكلت مهمة قيادة السفينة الفرنسية المتهالكة إلى لوران بلان، ليرث الأخير عن سلفه ريمون دومينيك، أنقاض فريق مدمّر قدّم أسوأ صورة ممكنة عن الكرة الفرنسية على الصعيدين المهني والأخلاقي في جنوب أفريقيا حيث خرجت فرنسا من الدور الأول بتعادلها مع أوروغواي وخسارتها أمام كل من المكسيك وجنوب أفريقيا.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل هز عالم الكرة وفرنسا عصيان اللاعبين أوامر مدربهم ورئيس اتحادهم وذلك بعد امتناعهم عن خوض حصة تدريبية عقب طرد المهاجم نيكولا أنيلكا الذي توجه بكلمات نابية إلى المدرب أدت إلى طرده من معسكر الفريق.
هذا الفشل الذريع في المونديال الأفريقي، جاء ليؤكد صحة انتقادات الصحافة الفرنسية وقدامى المنتخب، له والتي لم تؤمن يوماً بإستراتيجية وخيارات هذا الرجل الذي قاد فريقه إلى الهاوية في نهائيات كأس أمم أوروبا 2008 في سويسرا والنمسا حيث خرجت فرنسا من الدور الأول أيضاُ بخسارتين أمام كل من إيطاليا وهولندا وتعادل مع رومانيا، هذا فضلاً عن المستوى السيئ الذي قدمه الفريق في السنوات الأربع الأخيرة وعدم الاعتماد على تشكيل ثابت ونموذجي ما جعل فرنسا تحتل المركز السابع والعشرين في التصنيف الذي أعلنته الفيفا في شهر أيلول/سبتمبر الماضي وهو الأسوأ لفرنسا منذ العام 1930.
انطلاقة متعثّرة
تعيين بلان (44 عاماً) الفائز مع بلاده بكأس العالم 1998 وأمم أوروبا 2000مدرباً لفرنسا، لاقى ترحيباً واسعاً من الجميع في بلاد نابوليون، نظراً لإمكانات مدافع إنتر الإيطالي ومانشستر يونايتد الإنكليزي التدريبية السابق والذي قاد بوردو إلى الفوز بلقب الدوري الفرنسي في موسم 2008-2009 بعد حلوله وصيفاً للبطل في الموسم الذي سبقه واختياره أفضل مدرب في الدوري الفرنسي.
وخلافاً للتوقعات، لم تكن انطلاقة بلان مع الديوك موفقة في المباراة الودية الأولى له أمام النروج في أوسلو في 11 آب/أغسطس الماضي، إذ لم تتمكن المجموعة التي اختارها والتي ضمت بغالبيتها وجوهاً جديدة وشابة لعدم إمكانية استدعاء أي من اللاعبين الذين خاضوا المونديال بسبب قرار إيقافهم، من الخروج بنتيجة طيبة فعاد بلان ورجاله مهزومين (1-2) من أوسلو.
وفي أول مباراة لها ضمن التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2012 في 3 أيلول/سبتمبر الماضي، سقطت فرنسا في عرينها " استاد دو فرانس" صفر -1 أمام ضيفتها بيلاروسيا المتواضعة في لقاء جاء دون المستوى من الفرنسيين الذين لعبوا بطريقة باهتة، ليخيم جو من التشاؤم في فرنسا حول مستقبل الفريق الذي اعتبرته الصحافة "فاقداً لثقافة الفوز حتى مع مدرب جديد".
أبى بلان والملقب بالـ"الرئيس" و"العاقل" الاستسلام، وقاد مجموعته بعد أربعة أيام على الهزيمة أمام بيلاروسيا، إلى فوز هام ومستحق على البوسنة (2-صفر) في عقر دار الأخيرة في سراييفو لتحصد فرنسا أول ثلاث نقاط في التصفيات. ولم يأت الفوز في هذا اللقاء من فراغ، لأن الديوك كانوا الطرف الأفضل طوال الوقت وخاضوا مباراة كبيرة على المستويين الفني والتكتيكي.
وفي الجولة الثالثة من التصفيات، استقبلت فرنسا رومانيا في 9 تشرين الأول/أكتوبر على "استاد دو فرانس" في باريس وتخطتها بسهولة (2-صفر) قبل أن تفوز بعد ثلاثة أيام على لوكسمبورغ بالنتيجة ذاتها وتتصدر مجموعتها برصيد 9 نقاط من ثلاثة انتصارات وخسارة واحدة.
مواجهة إنكلترا
جاءت المباراة الودية أمام إنكلترا يوم أول من أمس الأربعاء في لندن والتي أقيمت على "استاد ويمبلي" الشهير لتؤكد تعافي الديوك وصوابية إستراتيجية بلان بعد فوز الفرنسيين بجدارة 2-1 معيدين إلى الأذهان فوز بلان ورفاقه على إنكلترا ودياً أيضاً على الملعب ذاته بنتيجة 2-صفر سنة 1999.
وكانت هذه المباراة بمثابة اختبار جدي للديوك، لأن اللقاءات الودية بين البلدين لا تحمل هذا الطابع، فضلاً عن مكانة المنتخب الإنكليزي (السادس في جدول ترتيب الاتحاد الدولي) والذي بدا عاجزاً عن مجاراة ضيفه الذي سيطر بالكامل على مجريات الشوط الأول بعد أن اختار بلان اللعب بخطة هجومية بحتة مشركاً في خط الوسط لاعب ارتكاز واحد هو الشاب يان مفيلا (رين) وأمامه كل من يوان غوركوف (ليون) وفلوران مالودا (تشلسي) وماتيو فالبوينا (مرسيليا) في حين لعب بنزيمة ( ريال مدريد) في المقدمة.
وقدم الفرنسيون مباراة ممتازة فنياً وبدنياً وتكتيكياً. خط الدفاع المكون من الظهير الأيسر اريك ابيدال (برشلونة الإسباني) و الأيمن باكاري سانيا (أرسنال الإنكليزي) وفيليب ميكسيس (روما الإيطالي) وعادل رامي (ليل) في قلب الدفاع، أحبط جميع محاولات الاختراق من الجانب الإنكليزي الذي لم يجد إلى المرمى سبيلاً سوى التسديد من بعيد.
وفي الوسط قدّم مفيلا كالعادة مستوى مرموقاً فكان حاضراً في جميع الالتحامات وموّل زملاءه بكرات متقنة، كما فعل فالبوينا الذي أربك الوسط الإنكليزي بتحركاته المستمرة والسريعة على الأجنحة.
وشكّل كل من غوركوف ونصري ومالودا وبنزيمة مربعاً مرعباً تمكن من فرض أسلوبه وقيادة الهجمات بنجاح مع الاعتماد على "المثلثات" والتمريرات البينية القصيرة، ما كلّف الإنكليز الذين لعبوا بغياب بعض الأساسيين كفرانك لامبارد وواين روني، هدفاً عن طريق بنزيمة الذي تبادل الكرة مع مالودا بشكل جميل على حدود منطقة الجزاء قبل أن يسكنها الشباك الإنكليزية.
وكلل الديوك تفوقهم بمضاعفة النتيجة من لعبة جماعية بعد أن مرر سانيا كرة عرضية إلى داخل منطقة الجزاء سددها فالبوينا في المرمى الإنكليزي لتنته المباراة 2-1 بعدما قلص بيتر كرواتش النتيجة لمنتخب بلاده.
ومما لا شك فيه أن المباراة أمام إنكلترا كانت اختباراً حقيقياً وجدياً للمنتخب الفرنسي ومدربه بلان الذي صرح قبل اللقاء أنه كان يريد خوض مثل هذه المواجهات لاختبار فريقه. ويبدو أن إستراتيجية بلان بدأت تؤتي ثمارها، لأن التشكيل الذي لعب أمام إنكلترا كان هو نفسه في المباريات التي فازت فيها فرنسا في مبارياتها الثلاث التي سبقت مع بعض التعديلات الطفيفة.
وسيساعد هذا الفوز المعنوي الذي تحقق في لندن، في تحفيز اللاعبين وتعزيز ثقتهم لأن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في اكتساب ثقافة الفوز التي فقدها الديوك منذ اعتزال الأسطورة زين الدين زيدان بعد أن قاد بلاده للمركز الثاني في نهائيات مونديال ألمانيا 2006.