صناعة مجموعة أعمال تنتج منتجات متشابهة أو تقدم خدمات متشابهة. فمثلاً، تنتج شركات صناعة النقل بالمحركات منتجات كالسيارات والعربات الكبيرة. وشركات الصناعة المصرفية تقدم السلفيات وتتعامل مع الاستثمارات، وتوفر الخدمات المالية الأخرى.
هنالك آلاف الصناعات، تشمل صناعات الدعاية والإعلان والبناء والزراعة وتجهيز اللحوم والتعدين والإذاعة المسموعة والمرئية.
تحوّل كثير من صناعات المواد الخام إلى إنتاج مفيد. فمثلا، تُحَوِّل صناعة الصلب خام الحديد إلى حديد صلب، وبعض الصناعات، كصناعة النقل البحري والنقل البري تنقل البضائع من مكان لآخر. وتقدم صناعات أخرى خدمات كالطاقة الكهربائية والرعاية الصحية والاتصالات الهاتفية.
وكلمة الصناعة تُشير أيضًا إلى كل الأعمال التجارية مجتمعة. وبهذا المفهوم تمدنا الصناعة تقريبًا بكل ملابسنا وطعامنا ومأوانا وغير ذلك من الحاجات الأساسية. وتُسهم الصناعة أيضًا في جعل حياتنا أكثر صحة وسعادة؛ بتقديم الترويح والأجهزة المساعدة في العمل والأدوية وأشياء أخرى كثيرة.
وبالرغم من أن الصناعة تُثري الحياة، إلا أن لها بعض الآثار الجانبية الضارة؛ فالمصانع تلوث الهواء والمياه بنفاياتها مما يعرض صحتنا للخطر. ويعطل ازدحام المواصلات انتقالنا من مكان إلى آخر. وتحدث الآلات الضجيج الذي يكون غالبًا غير مقبول والذي قد يُتلف حاسة السمع. كما أن النمو السريع للصناعات قد يستنفذ كل ما لدى العالم من نفط وغاز طبيعي.
تناقش هذه المقالة ماتحتاجه الصناعة للإنتاج، وكيف تختلف الصناعة حول العالم والمشاكل والتحديات التي تواجهها الصناعة الحديثة. كما تصف كيف تُصنف الصناعات. ولمعرفة المزيد عن تطور الصناعة .
ماذا تحتاج الصناعة للإنتاج
يستخدم الخبراء الذين يدرسون الصناعة مصطلح مُنْتَج لكل مادة أو خدمة تنتجها صناعة. وقد يكون المنتج لفة من قماش، أو ثلاجة أو استشارة قانونية. ولكي تنتج منتجًا تستخدم المنشأة مدخلات الإنتاج كالآلات والمواد الخام. وتعتمد كمية ونوعية مدخل الإنتاج على كمية ونوعية مخرجات الإنتاج ومدى الفعالية التي يستخدم بها المُنْتَج هذه المدخلات. وتُسمى مدخلات الإنتاج أيضًا بالموارد الإنتاجية. وتحتاج الصناعة لخمس مدخلات إنتاج أساسية هي:
1ـ موارد طبيعية 2ـ رأس مال 3ـ يد عاملة 4ـ إدارة 5ـ تقنية. ويعتبر بعض الخبراء أن مُدخلات الإنتاج ثلاثة فقط لأنهم يدخلون الإدارة ضمن القوى العاملة والتقنية ضمن رأس المال.
الموارد الطبيعية. تشمل الغابات وخامات المعادن والتربة والشمس والمياه، والحيوانات البرية (الحياة الفطرية). وتعتبر الموارد حيوية للزراعة وصيد الأسماك والتعدين وبعض الصناعات الأخرى. وحتى صناعة الخدمات كالمصارف والتأمين تحتاج للموارد كالأخشاب لصناعة الورق والطاقة والمعادن للاتصالات.
وكمية بعض الموارد الطبيعية محدودة، وتسمى مثل هذه الموارد غير المتجددة. فمثلاً، تحتوي الأرض على كميات محدودة من الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط. وسوف تنضب مثل هذه الموارد يومًا ما. وبعض الموارد الأخرى كالأسماك والغابات تسمى الموارد المتجددة. ويمكن للناس التأكد من استمرار إمدادات الأسماك والأشجار، بإعادة بعض الأسماك إلى المسطحات المائية وبإعادة زراعة الغابات.
رأس المال. له معنيان فيما يتعلق بالصناعة: 1ـ المال الذي تحتاجه المنشأة لتأجير العمال وشراء الإمدادات ودفع المستحقات (الفواتير). 2ـ السلع الرأسمالية، كالمباني والآليات والأدوات والسلع الأخرى، التي تؤدي خدمات إنتاجية خلال فترة زمنية معينة. ففي المخبز يعتبر الفرن أحد السلع الرأسمالية، ولكن الدقيق والخميرة لا يكونان كذلك. وتحتاج بعض الصناعات لنفقات رأسمالية كبيرة بالمقارنة مع النفقات الأخرى. ومثل هذه الصناعات يطلق عليها الصناعات الرأسمالية المكثفة، تشمل الطاقة الكهربائية وكثيرًا من الصناعات الكيميائية.
ولزيادة الإنتاج تحتاج الصناعة إلى المزيد من السلع الرأسمالية. إلا أن إنتاج السلع الرأسمالية يحتاج إلى مُدخلات أو موارد وهي محدودة في كل قطر. لهذا فكل دولة تتطلع لتطوير صناعتها عليها استخدام موارد لإنتاج السلع الرأسمالية ويجب عليها الاستغناء عن السلع الاستهلاكية التي كان يمكن لتلك الموارد إنتاجها. من هنا فإن استخدام الموارد لإنتاج السلع الرأسمالية يسمى بالاستثمار.
العمل. ما يقوم به الإنسان لإنتاج السلع والخدمات. وكل الصناعات تحتاج للعمل. إلا أن بعض الصناعات تحتاج لأموال أكبر للحصول على ما تحتاجه من العمل، مقارنة بما تحتاجه من المال للحصول على الموارد والآليات. وفي مثل هذه الصناعات الكثيفة يشمل العمل، المحاسبة والمحاماة وغيرها من الصناعات الخدمية.
وتعتمد كمية العمل المتاحة للصناعة على عدد من العوامل. وتشمل هذه العوامل حجم السكان ونسبة السكان العاملين أو الباحثين عن العمل وعدد الساعات التي يعملها كل فرد.
كما يختلف العمل في النوعية أيضًا؛ فالناس يختلفون في مقدراتهم الموروثة والمهارات المكتسبة. ولذا فهم يختلفون في نوعية وحجم مايمكن أن ينتجوه، وبأي قدر من المهارة يستطيعون أن يقوموا بأعمالهم. فالتعليم والتدريب يمكنهما تحسين مهارة العامل. ولكن التعليم والتدريب، مثل تكديس السلع الرأسمالية، يحتاجان للتضحية بالحاضر لاكتساب المنافع المتوقعة مستقبلاً. ولذلك يشار للمهارات والقوى العاملة برأس المال البشري.
الإدارة. نوع خاص من العمل يناط به مهمة اتخاذ القرارات الخاصة بالمنشأة. ويقرر الإداريون ماذا ينتج؟ وكم ينتج؟ وأي الأسواق تخدم؟ وحجم الإعلان ومستوى أسعار البيع. كما يقررون أيضًا كيفية الحصول على رأس المال سواء عن طريق طرح الأسهم والسندات أو عن طريق الاقتراض من المصارف.
ومن القرارات المهمة التي تتخذها الإدارة، اختيار مزيج مدخلات الإنتاج ـ لحصص كل من رأس المال والعمل والمواد الخام التي تستخدمها في الإنتاج. وذلك للوصول إلى حد أدنى من التكاليف. فإذا كانت تكاليف العمل مرتفعة مثلاً، فقد تستثمر الشركة معدات آلية بحيث يؤدي عدد أقل من العمال العمل نفسه بتكاليف أقل. أما إذا كان العمل رخيصًا، فقد تُقرر الشركة زيادة عدد العمال بدلاً من شراء آلة للقيام بالعمل. ومزيج مدخلات الإنتاج الذي يُمكن الشركة من إنتاج سلعها أو خدماتها بأفضل الطرق الاقتصادية، يسمى بالمزيج الأمثل لمدخلات الإنتاج.
وتؤثر رغبة الشركة في تخفيض تكاليفها، على اختيار موقعها أيضًا. فمن النادر أن توجد المدخلات التي تحتاجها الشركة بالقرب من السوق التي تخدمها. وتكاليف النقل تعتمد على الوزن والحجم والمسافة. وعليه، فإن الموقع الذي تختاره الشركة يعتمد على ما إذا كانت السلعة التي تنتجها أخف وزنًا أم أثقل من وزن المواد التي تستخدمها في الإنتاج. فصناعة المشروبات الخفيفة (الغازية) التي تضيف الماء لمواد أخرى لصناعة منتجها، تعتبر مثالاً للصناعة التي تنتج منتجات مكتسبة للوزن. لذلك فإن صناعة المشروبات الخفيفة تتوطن بالقرب من المستهلكين لإنتاجها. أما صناعتا الورق وكتل الأخشاب فهما مثال للمنتجات المفقدة للوزن. ولذا نجد أغلب مثل هذه الصناعات، تتوطن بالقرب من المواد الخام التي تستخدمها.
التقنية. معرفة المجتمع بالآليات والمواد وفنون الإنتاج وأدواته. ويمكن للمجتمع تشجيع التقدم التقني باستخدام المزيد من الموارد لنشاطات كالتعليم والبحث. إلا أن اكتساب المزيد من التقنية كزيادة رأس لمال، يحتاج للتضحية بالحاضر، من أجل الحصول على منافع في المستقبل. وللمزيد من التفاصيل عن هذا الجانب للصناعة.
كيف تختلف الصناعة حول العالم
الدول المتقدمة والدول النامية. تختلف الصناعة في الدول المتقدمة والنامية اختلافًا كبيرًا. وتشمل الدول المتقدمة أغلب دول أوروبا وشمالي أمريكا وكذلك اليابان. وتشمل الدول النامية أغلب أقطار إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وتنتج الصناعة في الدول المتقدمة سلعًا وخدمات لكل فرد أكثر مما تنتجه في الدول النامية.
يُعزى انخفاض الإنتاج في الدول النامية لنقص في كمية الآليات وغيرها من السلع الرأسمالية الأخرى وللتقنية الأقل تقدمًا. وينتج العمال فيها كثيرًا من الطعام والمأوى والاحتياجات الأخرى بأدوات وفنون إنتاج بدائية ولذلك يقل إنتاج كل عامل. وعلى عكس الدول الصناعية فإن الدول النامية ينقصها رأس المال البشري الكافي بما في ذلك المهندسون والإداريون والعمال المهرة الذين تحتاجهم الصناعة لكي تنمو.
وهنالك العديد من المعوقات التي تمنع توسع الصناعة في الدول النامية. فالزيادة السريعة في أعداد السكان تمنع تراكم رأس المال وذلك لضرورة استخدام المزيد من الموارد لإنتاج الطعام وغيره من السلع الاستهلاكية. وينفق أغلب الناس كل مايستطيعون اكتسابه من أجل البقاء، وليس لديهم مدخرات لكي يستثمروها. والكثيرون من الذين يستطيعون التوفير يستثمرون مدخراتهم في الذهب والمجوهرات والأراضي، وغير ذلك من أنواع الثروة بدلاً من استثمارها في السلع الرأسمالية. ويعوق النقص في المدارس والمدرسين إنتاج رأس المال البشري.
تختلف الدول النامية عن الدول المتقدمة أيضًا في نوعية الإنتاج؛ فنسبة كبيرة من إنتاج الصناعة في الدول النامية، يذهب لإنتاج الطعام وغيره من الحاجات الأساسية، بينما في الدول المتقدمة، تذهب نسبة كبيرة من الإنتاج الصناعي لإنتاج المنتجات الترفيهية والبذخية بمختلف أنواعها. أضف إلى ذلك، فالكثير من الدول الفقيرة تنتج واحدة أو اثنتين من المواد الخام التي تتبادلها مع بقية العالم. وتعاني إذا ما انخفضت أسعار موادها الخام.
اختلاف النظم الاقتصادية. تختلف الصناعة باختلاف الأنظمة الاقتصادية. ففي مختلف الدول تعمل الصناعة تحت ظل نظام اقتصادي مختلف. وتعتمد هذه الاختلافات أساسًا على مَنْ يمتلك الأعمال التي تتكون منها صناعة القطر. ففي الدول التي يمتلك فيها القطاع الخاص أغلب الصناعات يسمى النظام الاقتصادي بالرأسمالية أو المشروع الخاص. والرأسمالية هي النظام الاقتصادي السائد في كندا واليابان والولايات المتحدة. وفي الدول التي تمتلك فيها الدولة أغلب الصناعات يعرف النظام الاقتصادي بالشيوعية. ويوجد هذا النظام في الصين وكوبا.
وتعتمد حاليًا أغلب الدول على شكل من أشكال الاقتصاد المختلط. وفي الاقتصاد المختلط، تمتلك الدول الصناعات الرئيسية كصناعة الحديد والصلب والسكك الحديدية. ولكن الكثير من الصناعات الأخرى قد تمتلك ملكية خاصة.
المشاكل والتحديات
تواجه الصناعة الحديثة مشاكل وتحديات كثيرة. ويشمل أهمها 1ـ تلوث البيئة 2ـ إمدادات الطاقة 3ـ البطالة 4ـ النظم الحكومية.
تلوث البيئة. أثر جانبي للكثير من العمليات الصناعية. تنفث المصانع الدخان وغيره من الملوثات في الهواء، وتلقي بالمخلفات في البحيرات والأنهار. والتلوث يضر بالبيئة، ويعرض صحة الكائنات الحية للخطر.
ولمكافحة التلوث، يمكن للصناعات تركيب نظام تنقية لإبعاد المواد الضارة من المخلفات. ويمكنها أيضًا تطوير طرق إنتاج تقلل التلوث. كما يمكنها إيجاد طرق لإنتاج منتجات مفيدة من مواد المخلفات الصناعية. فمثلاً يمكن تحويل محتويات المجاري إلى أسمدة أو طاقة. كما يمكن إعادة استخدام علب الألومنيوم والزجاج ومنتجات الأوراق. ولقد أصدرت الحكومات قوانين تطلب من الصناعات إيقاف أو تخفيض كثير من النشاطات التي تتسبب في التلوث.
ولكن مكافحة التلوث تستخدم موارد مثلها مثل إنتاج السلع والخدمات؛ فأجهزة السيطرة على التلوث والعمليات التي تقلل التلوث تتطلب رأس مال وعمال وتقنية ومدخلات إنتاج أخرى، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين أو انخفاض أرباح الصناعة.
إمدادات الطاقة. تتطلب الصناعة كميات هائلة من الطاقة لإدارة الآلات ولتوصيل الحرارة للعمليات الصناعية. وتؤدي تكاليف الطاقة ومدى توافرها دورًا رئيسيًا في توطين الصناعة وغير ذلك من قرارات العمل. وتنتج الصناعة أيضًا السيارات وأنظمة التدفئة وغير ذلك من وسائل الراحة التي تحتاج للطاقة لتشغيلها. وأغلب الطاقة تنتج حاليًا من موارد طبيعية كالفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط. وتهدد سرعة نمو الصناعة بنضوب إمدادات العالم من النفط والغاز الطبيعي السهلة الاستخراج والمعقولة السعر.
ولأن هذه الموارد الطبيعية غير قابلة للاستبدال، يرى بعض الناس أنه ينبغي على الحكومة أن تراقب أسعار الطاقة وتحدد الكمية التي يستخدمها الأفراد والصناعة من الوقود والكهرباء. ولكن أغلب الاقتصاديين ينادون بتقليل التدخل الحكومي، ويحتجون بأن العجز السابق في الطاقة قد نتج عن سياسات الحكومة التي أدت إلى تخفيض أسعار الطاقة من النفط والغاز الطبيعي بصورة مفتعلة. ويعتقدون بأنه لو سمحت الحكومة لأسعار الطاقة أن ترتفع، لحفَّزت الأسعار المرتفعة منتجي الطاقة لزيادة إنتاجهم كما أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى تطوير مصادر بديلة للطاقة.
البطالة. تتسبب البطالة في فقدان الدخل لمن لا وظيفة له، وانخفاض الأسواق بالنسبة للصناعة، وفقدان الإنتاج بالنسبة للمجتمع ككل. ويحدث المستوى العالي من البطالة خلال الانحسار الاقتصادي؛ حيث تُخفض العديد من الصناعات إنتاجها، وتُفصل بعض عمالها. فالذين يفقدون وظائفهم ينفقون أقل مما كانوا على السلع والخدمات، مما يقلل الطلب، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة العاطلين. وتحدث البطالة أيضًا إذا تغيرت أذواق المستهلكين، أو تم تطوير منتجات جديدة مما يؤدي إلى انحسار بعض الصناعات. ولمكافحة البطالة تلجأ الحكومة لاستحداث وظائف بزيادة إنفاقها وتخفيض الضرائب، أو بزيادة طرح النقود.
وحتى لو أتيحت الوظائف فإن البطالة قد تحدث إذا لم تتوافر المهارات المطلوبة لتلك الوظائف لدى العمال الباحثين عن العمل. فالعديد من العمال لايستطيعون الحصول على وظائف والعديد من الأعمال لا تجد العمال المهرة. ولمكافحة هذا النوع من البطالة أنشأت بعض الحكومات برامج لتدريب العمال.
الأنظمة الحكومية. يقتصر مصطلح الصناعة المنظمة أحيانًا على الصناعات ومجالات العمل التي تحدد فيها الإدارات الحكومية الأسعار ونوعية الخدمة أو غير ذلك من جوانب العمل. وحتى في الدول الرأسمالية تنظم الحكومة مجالات للعمل كالمذياع والتلفاز. ومن الصناعات المنظمة الأخرى شركات المرافق العامة كالكهرباء والغاز والهاتف. وكثير من المرافق العامة يمكن أن تحتكر خدماتها في منطقة معينة. وتسمح الحكومة بهذا النوع من الاحتكار، لكنها تنظم الأسعار التي تفرضها وكذلك نشاطاتها.
وعادة ماتكون هنالك أنظمة عامة تنطبق على جميع الصناعات. وتشمل هذه الأنظمة فرض معايير السلامة والصحة في مكان العمل، والقوانين الخاصة بشروط التوظيف ومستويات الأجور. فنقاء الطعام وسلامة وفعالية الأدوية، يتم السيطرة عليها بطريقة مشددة في أغلب الأقطار. وتخضع السلع الاستهلاكية لأنظمة السلامة، والسلوك العملي للشركات مقيد أحيانًا بالقوانين التي تمنع الاحتكارات والممارسات التجارية غير العادلة.
والأنظمة الحكومية مكلِّفة، لذا فالإدارات المنوط بها تنفيذ الأنظمة الحكومية يجب أن يكون لديها مفتشون وموظفون آخرون لتطبيق القوانين. ونفقات هذه الوكالات تسهم في زيادة الضرائب. كما أن الصناعات تضيف تكاليف التزامها بالأنظمة الحكومية إلى أسعارها فتحوَّل تلك التكاليف إلى المشتري.
تحمي الأنظمة الحكومية المستهلكين من تلوث البيئة والسلع غير السليمة والدعاية والممارسات التجارية غير الأمينة. ولكن الأنظمة قد تضرّ المستهلكين أيضًا؛ فانعدام المنافسة في الصناعات المنظمة على سبيل المثال قد يتسبب في عدم فعالية الشركات، وإهمال تحسين الإنتاج. وفي هذه الحالات فإن أفراد المجتمع يدفعون عدة مرات ليس فقط في شكل أسعار مرتفعة وضرائب عالية، ولكن أيضًا في شكل منتجات وخدمات رديئة النوعية.
كيف تصنف الصناعات
في محاولة لتنظيم المعلومات الوفيرة عن الصناعة، طور الاقتصاديون وغيرهم من الخبراء نظم تصنيف متعددة؛ فكل نظام يجمع الصناعات المتشابهة بصورة ما. من الأنظمة الشائعة الاستخدام في أبحاث الاقتصاد نجد التصنيف الصناعي المعياري الدولي، الذي تستخدمه الأمم المتحدة. ولكن هناك أنظمة أخرى أكثر ملاءمة لأغراض معينة.
التصنيف الصناعي المعياري الدولي. يجمع الصناعات على أساس تشابه المواد الخام وفنون الإنتاج المستخدمة. وبناء على هذا التصنيف تقسم الصناعات إلى عشرة أقسام رئيسية كل واحد منها يُمثل رقمًا وهي :
1ـ الزراعة والصيد والغابات والأسماك 2ـ التعدين والتنجيم 3ـ التصنيع 4ـ الكهرباء والغاز والمياه 5ـ البناء والتشييد 6ـ تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق 7ـ المواصلات والتخزين والاتصالات 8ـ التمويل والتأمين والممتلكات وخدمات العمل 9ـ الخدمات الاجتماعية والشخصية 10ـ أقسام أخرى.
وهذه التصنيفات العشرة مقسمة إلى 33 مجموعة فرعية، يُرمز لكل واحدة منها برمز مكون من رقمين. وهذه المجموعات الفرعية مقسمة إلى صناعات متخصصة يرمز لكل واحدة منها يرمز مكون من ثلاثة أرقام. فمثلاً في المجموعة الرئيسية رقم 1، فالرمز 11 يغطي الزراعة والصيد والرمز 111 يغطي الزراعة والإنتاج الحيواني.
نظم التصنيفات الأخرى. وتُعَدُّ نُظم التصنيفات الأخرى أكثر فائدة من التصنيف الصناعي المعياري الدولي للعديد من الأغراض. ولدراسة المنافسة في الأسعار أو فعالية تأثير الدعاية قد يقسم الاقتصاديون المنتجات على أساس أقرب البدائل. فمثلاً، العلب المعدنية والأواني الزجاجية، تخدم العديد من الأغراض المماثلة. ولكنهما تصنفان في أقسام مختلفة حسب التصنيف الصناعي المعياري الدولي؛ لأنهما يُنْتَجَان من مواد خام وعمليات مختلفة.
يقسم الاقتصاديون الصناعات في بعض الدراسات على أساس مدى عمرها الزمني في العمل. فالأدوات وقطع الأثاث المنزلية تصنف على أساس أنها معمرة، بينما الطعام والملابس يصنفان على أساس أنهما غير معمرين. فأثناء فترات الانحسار الاقتصادي تعاني الصناعات التي تنتج السَلع المعمّرة أكثر من التي تنتج السلع غير المعمرة. فمن الممكن أن يؤجل الناس شراء أثاث جديد، ولكنهم لا يستطيعون تأجيل شراء الطعام أو استبدال ملابسهم البالية.
ويمكن أيضًا تقسيم الصناعات على أساس الصناعات التي تنتج السلع الاستهلاكية لبيعها للأفراد، وتلك التي تنتج السلع الرأسمالية التي تباع للمنشآت. فالسلع الاستهلاكية تشمل الملابس والمواد المنزلية ولعب الأطفال وغيرها من السلع المعدة للاستخدام الشخصي. أما السلع الرأسمالية ـ وتسمى أيضًا السلع الإنتاجية أو السلع الاستثمارية ـ فتشمل أدوات الحفر والآليات والجرارات، وغير ذلك من أنواع المعدات التي تستخدم في الإنتاج.
وتعتمد طريقة أخرى لتصنيف الصناعات على أساس مرحلة الإنتاج؛ فالزراعة وصيد الأسماك والغابات والتعدين، تتبع لمرحلة الإنتاج الأولي التي تستخدم فيها الموارد الطبيعية، أو تستخرج فيها المواد الخام. فهذه الصناعات تسمى بالصناعات الأولية أو الصناعات الاستخراجية، وأما الصناعات الكيميائية والنسيج، وغيرها من الصناعات التحويلية، التابعة للمرحلة الثانية من الإنتاج التي تحول فيها المواد الخام إلى سلع نهائية فتسمى الصناعات الثانوية أو الصناعات التحويلية. والمرحلة الثالثة تنتقل بها السلع من المنتجين إلى المستهلكين. ومثل هذه الصناعات تشمل بائعي السيارات والصيدليات وشركات النقل، وتسمى بالصناعات الثالثية أو الصناعات التوزيعية.
التنظيم الصناعي
التنظيم الصناعي أحد حقول علم الاقتصاد المتخصصة، الذي يبحث في كيفية تنظيم الصناعات وكيفية عملها وكيفية تأثير تنظيمها على عملها. ويركِّز الاقتصاديون الذين يدرسون التنظيم الصناعي على ثلاثة أوجه رئيسية: 1- البنية 2- السلوك 3- الأداء. وكل من هذه الأوجه الثلاثة يؤثر على الأخرى بطرق عديدة.
البنية. يُقصد بها الطريقة التي يتلاءم بها المنتجون الأفراد مع بعضهم بوصفهم أصحاب صناعة. وتشمل عوامل عدة كعدد المنشآت المكونة للصناعة وأحجامها، وصعوبة دخول منشآت جديدة في الصناعة المعنية.
ومن الخصائص المهمة المتعلقة ببنية الصناعة مايسميه الاقتصاديون بالتركيز ـ أي النسبة الإجمالية لما تنتجه القلة من منشآت الصناعة فمثلاً، إنتاج الألومنيوم وأغلب السيارات في الولايات المتحدة، ينتجها عدد قليل من المنشآت الكبيرة. والصناعة العالية التركيز يُسيطر عليها عدد قليل من الشركات تسمى احتكار القِلِّة. وفي حالة الاحتكار فإن شركة واحدة تسيطر على كل المعروض من سلعة أو خدمة معينة ليس لها بديل.
وتعتمد درجة التركيز في صناعة ما جزئيًا على مدى انخفاض تكاليف وحدة الإنتاج بزيادة حجم الإنتاج. فبعض المنشآت تستمر تكاليفها كما هي، إن هي أنتجت 100 أو 1000 وحدة. فإيجار أو نسبة استهلاك ممتلكاتها قد لا ترتفع وكذلك تكاليف التدفئة والتبريد. وتتأثر آلاتها بنسبة أقل من نسبة الزيادة في الإنتاج البالغ قدرها عشر مرات. فالتكاليف التي تتغير قليلاً مع تغيير كمية الإنتاج تسمى التكاليف الثابتة. وفي كثير من الصناعات يمكن لمنشأة كبرى إنتاج القدر نفسه من المنتج، الذي تنتجه العديد من المنشآت الصغيرة بتكاليف أقل؛ لأن تكاليفها الثابتة لكل وحدة تنتجها أقل من مثيلتها في المنشآت الصغيرة. وهذه الخاصية تؤدي إلى إجبار المنتجين الصغار على الخروج من هذه الصناعة.
وفي بعض الصناعات، فإن الصناعات القائمة المتينة التأسيس لها ميزات على الصناعات الجديدة، التي تحاول أن تدخل السوق. فمثلاً العديد من أنواع الصناعات تحتاج لمصانع كبيرة ومعدات غالية الثمن لدرجة تجعل من الصعب على المصانع الجديدة أن تدخل في مثل هذا النوع من الإنتاج. كما أن المصانع القائمة والمتينة التأسيس قد تسيطر على إمدادات المواد الخام، أو أن منشأة واحدة قد تمتلك حقوق عمليات الإنتاج. فمثل هذه العقبات التي تحول دون دخول منشآت جديدة في الصناعة تسمى معوقات الدخول في الصناعة.
وعندما تقوم منشأة بأكثر من مرحلة من مراحل الإنتاج، يسمى هذا النوع من البنية الصناعية بالتكامل الرأسي. فمنشأة إنتاج الحديد الصلب المتكاملة اقتصاديًا، يمكن أن تنتج المواد الخام من مناجم الفحم الحجري والحديد التي تمتلكها، وتصنع منها الحديد الصلب في مصانعها. والتكامل الرأسي يقلل تكاليف النقل وغيره من النفقات. فمثلاً، مصنع الصلب قد لايصنع الصلب من خام الحديد فقط، بل قد يتمكن من صنع ألواح الحديد قبل أن يبرد، مما يوفر تكاليف إعادة تسخين المعدن.
والمنشأة التي تنتج عددًا من السلع والخدمات التي لا ترتبط ببعضها إلى حد كبير تسمى منشأة متعددة الأغراض. فالشركة المتعددة الأغراض قد تصنع الطائرات المروحية والأواني الفضية والأدوات المكتبية، وأنواعًا مختلفة من المنتجات الأخرى. وتنوع المنتجات يمنح الشركة ضمانات مالية أكبر مما لو كانت تنتج سلعة واحدة. ولأن الشركة المتعددة الأغراض تعمل في صناعات مختلفة، فإنها تستطيع أن تعوِّض خسائرها الناتجة عن انحسار إحدى صناعاتها، بمكاسبها في صناعاتها المزدهرة الأخرى.
السلوك. يُقصد به كيفية تصرف الشركات بناء على علاقاتها ببعضها واستجابتها للظروف الاقتصادية. ويشتمل على عوامل منها كيفية تحديد الشركات لأسعار منتجاتها، وكيفية الدعاية، وغيرها من أساليب زيادة المبيعات، وكم تنفق على تطوير منتجات جديدة.
وللسلوك الصناعي علاقة وثيقة بالبنية الصناعية. فمثلاً، لو أن الصناعة تتكون من العديد من الشركات، فستكون المنافسة فيما بينها عالية جدًا. فكل واحدة منها ستحاول تقديم منتج أفضل أو أرخص مقارنة بالأخريات. وقد تنفق الشركات المتنافسة أموالاً أكثر على الدعاية والتعبئة وخدمات الزبائن وغير ذلك من وسائل زيادة المبيعات. ومن الجانب الآخر كلما قل عدد الشركات المكونة للصناعة تمكنت من التعاون فيما بينها لتحديد الأسعار. وفي احتكار القلة، فإن العدد القليل من الشركات الكبيرة الحجم ، يمكنها التأثير على السعر سواء اتفقت فيما بينها أو لم تتفق على ذلك.
وتؤثر معوقات الدخول أيضًا على سلوك المنشأة. فبعد تشجيعها لدخول شركات جديدة في صناعة ما، تُمكن معوقات الدخول الشركات القائمة من فرض أسعار أعلى، وتقلل فعاليتها الإنتاجية.
ودرجة تنوع منتجات الشركة تؤثر أيضًا على سلوكها. فبعض الاقتصاديين يعتقدون أن الشركات المتنوعة الأغراض تنافس الشركات المتخصصة بصورة غير عادلة؛ لأنها تستخدم أرباحها في منتج ما لتعويض خسائرها في منتج آخر من منتجاتها. إلا أن اقتصاديين آخرين يرون مثل هذا السلوك ممكنًا فقط في حالة حدة معوقات الدخول. فمعوقات الدخول تمنع الشركات الجديدة من المنافسة في إنتاج السلع المربحة مما يساعد على تخفيض أسعارها.
الأداء. يشير الأداء إلى نتائج بنية وسلوك الصناعة. فهو يقيس مدى ربحية وفعالية (كفاية) الشركة. وأداء جميع الشركات يحدد الأداء الاقتصادي للدولة. ويعتمد الأداء الاقتصادي للدولة على مدى تلبيته لاحتياجات السكان، شاملاً التوظيف وإنتاج السلع وتوزيع الدخل.
والمعايير الثلاثة الرئيسية لقياس أداء الصناعة هي: الفعالية الفنية والفعالية التخصيصية والفعالية الدينامية. والفعالية الفنية هي المقدرة على إنتاج سلعة بدون هدر للموارد أوغيرها. أما الفعالية التخصيصية فهي الدرجة التي تنتج بها الصناعة المستوى الذي يرغبه المستهلكون من الإنتاج. والفعالية الدينامية هي الدرجة التي تنجح فيها الصناعة في تطوير وتحسين المنتجات مع خفض تكلفة الإنتاج والأسعار. ويقدر الاقتصاديون أن الخسائر الناتجة عن عدم الفعالية التخصيصية قليلة جدًا في أغلب الصناعات، بينما الخسائر الناتجة عن عدم الفعالية الفنية ربما تكون أكبر بكثير. وكلا النوعين من عدم الفعالية التخصصية والفنية قد يكونان أكبر في الصناعات التي تملكها أو تنظمها الحكومة بالمقارنة مع الصناعات الأخرى. ويعزى بعض انعدام الفعالية في الإنتاج الحكومي إلى تقديمها لسلع أو خدمات يحتاجها الناس بأسعار أقل من الأسعار التي قد تستطيع أن تفرضها الصناعات الخاصة.
أسئلة
ما الهدف الرئيسي لأغلب المديرين الصناعيين في نظام المبادرة الحرة؟
لماذا تستطيع منشأة كبيرة إنتاج القدر نفسه من الإنتاج بأرخص مما تستطيعه منشأة صغيرة متعددة؟
ما الاحتكار ؟ وما احتكار القلة؟
ما مدخلات الإنتاج الأساسية الخمسة التي تحتاجها الصناعة للإنتاج؟
كيف تختلف السلع الاستهلاكية عن السلع الرأسمالية؟
ما مميزات المنشآت القائمة على المنشآت الجديدة التي تود الدخول في السوق؟
كيف تختلف السلع الاستهلاكية عن السلع الرأسمالية؟
ما مميزات المنشآت القائمة على المنشآت الجديدة التي تود الدخول في السوق؟
كيف تختلف الصناعة في الدول المتقدمة عن الصناعة في الدول النامية؟
ما المعنيان لرأس المال فيما يتعلق بالصناعة؟
ما الصناعة الكثيفة العمل؟