"الإسلام دين الدولة"
الواقع الفلسطيني
مقدمة:
مُعظم دساتير الدول العربية تنص على أن "الإسلام هو دين الدولة": الدستور المصري لسنة 1971 (المادة 2) ينص بأن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". أما دتور الأردن لسنة 1952 والذي كان سارياً على الضفة الغربية فينص في المادة الثانية أيضاً بأن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية". أما الدستور التونسي لسنة 1959 فينص في المادة الأولى على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". كذلك هو الحال مع الدستور الجزائري (1996، المادة 2) الدستور العراقي (1970، المادة 4) الدستور الكويتي (1962، المادة 2) القانون الأساسي لعُمان (1996، المادة 2) الدستور القطري (1972، المادة 1) اليمن (1994، المادة 2).
الحال يختلف في الدستور السوداني (1998، المادة 1)حيث نقرأ أن "... الإسلام دين غالب السكان، وللمسيحية والمعتقدات العرفية أتباع معتبرون". والدستور السوري (1973، المادة 3، الفقرة 1) يكتفي بتحديد "دين رئيس الجمهورية الإسلام". أما الدستور اللبناني (1926) فلا ينص على أن الإسلام هو دين الدولة. تحديد دين الدولة ليس ظاهرة تخص الدول العربية أو الإسلامية، بل كانت ظاهرة عرفتها دول غربية أيضاً حتى عصورٍ حديثة، محددة الكاثوليكية، أو الأرثذوكسية... كدين رسمي للدولة.
الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين
لم يتم ذكر "الإسلام دين الدولة" في الميثاق الوطني لعام 1968 ولا في إعلان الاستقلال لعام 1988. وحتى النسخ الأولى للقانون الأساسي فقد خلت من تلك الفقرة. أما القانون الأساسي الذي تبناه المجلس التشريعي في 2-10-1997 في قراءته الثالثة (القانون رقم 1-96) ووقَّع عليه رئيس السلطة التشريعية في 28-5- 2002 فينص على أن "الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين" (المادة 4، الفقرة 1). الفقرة نفسها نجدها في مشروع الدستور الفلسطيني (المادة 6 من النسخة الأولي التي تم تحضيرها عام 2001، والمادة 5 من النسخة الثانية والثالثة والدستور التي تم تحضيرها عام 2003).
إن الوضع القانوني لغير المسلمين في فلسطين هو من دون شك نفسه للمسلمين: إنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، ويشاركون قي الحياة الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية (كما فعلوا دائماً). لا يوجد أي تحديد لدين رئيس الدولة أو الحكومة، أو للوزراء أو للبرلمانيين. نظرياً يمكنه أن يكون أي شخص، شرط أن يكون فلسطينياً. عند الانتخابات التشريعية سنة 1996 أقر الرئيس عرفات مرسوماً ينص بتحديد عدد مقاعد ليكون حد أدنى لغير المسلمين، فكان للمسيحيين مثلاً 6 مقاعد (على الأقل) من أصل 88، وهو أكثر بكثير من نسبة المسيحيين إلى العدد الكلي للسكان.
الديانات التوحيدية
الفقرة التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة تتبعها عادة فقرة أخرى تنص على أن للديانات التوحيدية احترامها. إن معنى "الاحترام" ليس واضحاً ولا يكفي مضمونه حتى في أفضل معانيه في بلد ينوي مُعاملة مواطنيه بمساواة، دون تمييز بسبب الدين أو الجنس. لن ننسى أيضاً بأن ذلك الاحترام يختصر على الديانات التوحيدية، المسيحية واليهودية، دون غيرها من الديانات. ينص القانون الأساسي على ضمان الحرية الدينية (المادة 4، 18) بينما ينص مشروع الدستور بأنه للجميع الحق في ممارسة دينه (المادة 44) وهذا الأخير ينطبق أكثر على الواقع الفلسطيني، والعربي بشكل عام، إذ أن الدين الإسلامي لا يسمح بتغيير الدين (أو بالأحرى لا يسمح بالردة عن الدين الإسلامي فقط). الدين لا يتم اختياره بل ينتقل مع الاسم من أب إلى ابنه.
إن للحرية الدينية مهمة خاصة في فلسطين، وذلك لوجود الأماكن المقدسة. وهي تعني قبل كل شيء حرية الوصول إلى أماكن العبادة (المادة 44 من مشروع الدستور). وهي تتضمن أيضاً حرية العبادة والتعبير عنها خارجياً، فردياً أو جماعياً. لكن الوثائق الدستورية تجاهلت موضوع الأماكن المقدسة، ولم تذكر أي من الاتفاقيات التي أبرمتها منظمة التحرير في هذا الشأن، كالاتفاق مع الفاتيكان لسنة 2000 مثلاً.
أما الجامعات والمدارس الخاصة (المسيحية مثلاً) فيحميها الدستور بشرط ألا يتم التعرض للنظام العام والأعراف. أما سلطة المحاكم الكنسية فإنها ستستمر كما كانت سابقاً، الفرق الوحيد هو أن مصدر سلطات أولئك الحكام أصبح، ولأول مرة، المُشرع الفلسطيني.
خاتمة
إن إعلان الإسلام دين الدولة لا يخلق بحد ذاته مشاكل كثيرة، ولا يجب أن يثير مخاوف غير مبررة. المهم هنا هو ألا تُترجم تلك الفقرة على أرض الواقع بقوانين أو ممارسات حكومية تمس الحريات الدينية الشخصية والجماعية، وتميز بين المواطنين على أساس الدين. من المهم إذن أن نرى نتائج تلك المادة القانونية على غير المسلمين. أي تعميم، في هذا الموضوع، مصيره الخطأ، إذ أن نسبة "أسلمة" الدولة تختلف من بلد عربي إلى آخر وإن احتوت معظم دساتيرها على نفس المادة التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة".