مع انتشار الدراما التركية المدبلجة الى العربية, تحديدا في اللهجة السورية. و حصدها متابعة جماهيرية عربية كبيرة, فرض السؤال نفسه: هل تشكل هذه الدراما الوافدة إلينا تهديدا للدراما العربية لا سيما المصرية و السورية منها؟
في تفسير نجاح االأعمال التركية اتفق الكثيرون ممن سألناهم على أن ذلك يرجع إلى (المساحة الهائلة من المشاعر الإنسانية التي لامست قلوب المشاهدين)
و ذهب البعض للحديث عن (إتقان في صنعة أحسن فيها الأتراك الشغل الدرامي) لكن هذا التفسير لا يبدو كافيا إلا حين يضيف إلى ذلك نجاح الممثلون السوريون بنقل إحساس الممثلين الأتراك من خلال لهجة الدوبلاج : التي هي المحكية السورية أي اللهجة ذاتها التي قدمت الدراما السورية الناجحة نفسها من خلالها. و لعل في هذا التفسير ما يصلح لانطلاقة أكثر واقعية لمحاولة تحليل ظاهرة الرواج الجماهيري الذي لاقته حتى الان, الدراما التركية.
يدرك المتابع الدقيق للدراما العربية السورية على وجه الخصوص, و لما قدمته الدراما اتركية المدبلجة أن تقاطعات كبيرة في الموضوع و التكنيك الاخراجي بين دراما البلدين.
فلا جديد حملته الدراما التركية أكثر من وجوه الممثلين. أما الحديث (عن مساحة هاثلة من المشاعر الإنسانية) حملتها الدراما التركية, فهو يثير الاستغراب حين نستذكر اللون الدرامي الذي طغى منذ سنتين و استمر أي (دراما الحب). فقط تابعنا بشغف أعمالا مثل (أهل الغرام - ندى الأيام - سيرة الحب - أسأل روحك - هذا العالم) و بعيدا عن الحب بوصفه سيد الأعمال الفنية الجماهيرية خصوصا, ماذا لو استحضرنا مسلسلات سورية مثل (على طول الأيام - أحلام كبيرة و عصي الدمع) للمخرج حاتم علي, و (نساء صغيرات و رسائل الحب و الحرب) لباسل الخطيب, و انتظار للليث حجو, ألم تحمل جميعها (مساحة هائلة من المشاعر الإنسانية)!
ماذا نقول عن موجة أفلام الشباب المصرية ؟ ألم تكن سينما نظيفةا تنطق على اختلافها إلا بـ( مساحة هائلة من المشاعر الإنسانية)؟
ببساطة ما من موضوع طرحته الأعمال التركية التي شاهدناها حتى الان. إلا و عالجته الدراما السورية و المصرية حتى عالم رجال الأعمال و المافيا, فما الجديد إذا؟!
في التكنيك الإخراجي , اشتهر السوريون بدراما تقترب بصريا من مستوى السينما, في حين كانت الدراما المصرية أقرب إلى إذاعة مرئية, كلتاهما عملتا داخل الاتستوديو و خارجه. و في الحالتين كانت ثمة تكامل درامي عربي يجعل من تلقينا للدراما التركية, حدثا عاديا, لا يحمل أي ملامح إخراجية تستدعي التوقف عندها. و لعله من المفيد التذكير أن التقطيع بين مشاهد المسلسل بمشاهد من حركة الحياة اليومية الذي اعتمده المخرج التركي (إذا كان هذا هو اللافتفي المسلسل التركي) هو الأسلوب ذاته الذي اعتمده المخرج حاتم علي في أعماله السابقة ( أحلام كبيرة - عصي الدمع - وعلى طول الأيام) و هو أسلوب تابعناه قبل في مسلسلات غربية. فما الجديد اإخراجي في (الصنعة التي أحسنها الأتراك) و يسوقها البعض في تفسير النجاح الدرامي التركي؟ الجواب ما من جديد في الأعمال الدرامية التركية و بالتالي لا بد من البحث في سر رواجها بعيدا عن مقارنتها بالأعمال الدرامية العربية.
ظاهريا يبدو أن نجاح الأعمال التركية تم تحميله لنجاح الدراما السورية, فتشابه البيئتين و مظاهرهما الاجتماعية عموما, و اللهجة السورية المحكية, كل ذلك جعل من الأعمال التركية ... سورية بامتياز.
و بعيد عن هذا السبب الظاهري فنحن بحاجة في تحليل سبب النجاح التركي لمحللين نفسيين لدراسة شخصية المشاهد العربي و اتجاهاته و اختياراته, لا لنقاد فنيين يشرحون الأعمال الدراممية.
لنتذكر في هذا السياق أن ما من أحد استطاع أن يفسر سر الرواج الذي لاقاه المسلسل المكسيكي (كاساندرا) في التسعينيات, و لنتذكر ان عملا فنيا مثل باب الحارة ينطوي على العشرات من الماخذ الفكرية و الفنية حصد أكبر قاعدة جماهيرية في العالم العربي!
باختصار, للمشاهد العربي فيما يختار متابعته بشغف... شؤون, لا يدركها سوى خالقه!