الأمم المتحدة تأسست خلال انعقاد مؤتمر دولي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1945م، في الصورة الرئيس الأمريكي هاري ترومان (إلى اليمين) يلقي خطابه في الجلسة الختامية.
العلاقات الدولية تدرس العلاقات الرسمية بين الحكومات والبلدان المستقلة. ويمكن أن تكون هذه العلاقات علاقات سِلْم أو علاقات حرب. وتسعى معظم الحكومات الوطنية إلى إقامة علاقات مع بعضها عن طريق ممثِّلين خاصين يعملون على زيادة التعاون الدولي.
ويمكن أن يطلق مصطلح العلاقات الدولية على أنواع أخرى من الاتصال بين الدول أوسع من الاتصالات بين الحكومات. ومن هذه الاتصالات أنشطة الشركات متعددة الجنسيات (الشركات التي تعمل في بلدين أو أكثر)، وكذلك البرامج العالمية مثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف). وكذلك يطلق مصطلح العلاقات الدولية على العلاقات التجارية بين الدول، وعلى حركة الأفراد بين بلد وآخر. وتهتم الحكومات بالعلاقات الدولية عن طريق التجمعات الإقليمية الاقتصادية والسياسية. مثال ذلك مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة شعوب جنوب شرقي آسيا (آسيان) والمجموعة الأوروبية، ومثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية.
تحاول كل دولة تحقيق مصالح مواطنيها. ولهذا، تتعاون الدول لتحقيق هذا الغرض. ويؤثر عدد من المشاكل على الناس في أكثر من دولة، ومن ذلك مشاكل التلوث وانتشار الأمراض والأوبئة. ولا يمكن لدولة واحدة أن تحل هذه المشاكل بمفردها، ولهذا تتعاون الدول معًا لمعالجة هذه المشاكل.
لا توجد حكومة عالمية تمارس ضغطًا على الدول ليتعاون بعضها مع بعض، لأن كل دولة مستقلة لها سيادة خاصة بها، وهذه السيادة تعني أن الدولة لا تعترف بسلطة أعلى من سلطتها. ويمكن للدول أن تعرض نزاعاتها على محكمة دولية للفصل فيها. لكن مثل هذه المحاكم ليس لديها القوة لفرض قراراتها. وإذا لم تستطع الدولتان حل خلافاتهما بطرق سلمية، فإنهما تلجآن للحرب.
المحافظة على العلاقات السِّلمية
تقوم الدول بالمحافظة على علاقات دولية سلمية عن طريق عدة سبل، منها استخدام الدبلوماسية، ومنها المنظمات والاجتماعات الدولية، والمعاهدات، والقانون الدولي. أو ربما تفرض بعض الدول عقوبات اقتصادية أو غيرها من العقوبات للتأثير على دول أخرى.
وهناك عدد من الحروب المحدودة التي حدثت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عام 1945م). لكن معظم الدول تسعى الآن حثيثًا ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى حل مشاكلها ونزاعاتها الثنائية بطرق سلمية. ويعلم زعماء هذه الدول أن الحضارة يمكن أن تندثر إذا ما تطورت الحروب المحدودة إلى حرب شاملة تُستخدم فيها الأسلحة النووية.
الدبلوماسية. تُعرَّف الدبلوماسية بأنها ذلك العمل اليومي الذي يقوم به السفراء والدبلوماسيون بين بلدهم والبلد المضيف. وهم يقومون بإعداد المعاهدات وخدمة مواطنيهم الذين يعيشون في الخارج. وعن طريق المفاوضات، والنقاش، يمكنهم إيجاد حلٍّ للخلافات أو النزاعات.
وترسل الحكومات غالبًا ممثلين دبلوماسيين إلى البلدان الأخرى. ويمكن لطرف ثالث يسمى الوسيط أن يتوسَّط في حل خلاف بين دولتين. وفي عام 1982م، قام الجنرال الأمريكي ألكسندر هيج بدور وسيط لحلّ النزاع بين الأرجنتين وبريطانيا حول جزر الفوكلاند.
ولكل دولة وزارة للخارجية تقوم بالإشراف على علاقات الدولة مع الدول الأخرى. وتقوم هذه الوزارة بتعيين الدبلوماسيين وإرسال المبعوثين الذين يسمون القناصل إلى المدن الأجنبية، حيث يقومون بتنشيط وحماية المصالح الاقتصادية لمواطنيهم في الخارج.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت الحكومات تتصل ببعضها عن طريق السماح لوسائل الإعلام بنشر وإذاعة تصريحات مسؤوليها وبياناتهم. وقد قلل استخدام التلفاز وغيره من وسائل الإعلام من الدور الذي كان يؤديه الدبلوماسيون.
المؤتمرات والمنظمات الدولية. يمكن أن تتشعب المشاكل الدولية وتؤثر على أكثر من دولة واحدة، كما يمكن أن تظهر الحاجة لحل نزاعات متعددة في آن واحد. ولذلك تقوم الدول بإرسال ممثليها إلى مؤتمرات دولية لمناقشة هذه المشاكل. وعلى سبيل المثال، فقد تبنت الأمم المتحدة سلسلة من الاجتماعات الطويلة لصياغة معاهدة دولية للتحكم في تطوير وحماية المحيطات. وفي بعض الأحيان يعقد رئيسا دولتين أو أكثر مؤتمرات قمة، فمثلاً تقوم المجموعة الأوروبية وزعماء الكومنولث بعقد اجتماعات دورية، وكذلك ما كان يقوم به زعماء الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) من لقاءات قمة دورية.
تنتمي معظم الدول إلى عضوية الأمم المتحدة، وترسل ممثلين لها إلى هذه المنظمة الدولية. ويناقش هؤلاء الممثلون وسائل وطرق حلِّ النزاع وتحقيق السلام العالمي. ويُعدُّ مجلس الأمن الوكالة الرئيسية في الأمم المتحدة المعنية بحفظ السلام، حيث يمكن أن يدعو المجلس أعضاء الأمم المتحدة لمقاطعة أيِّ دولة تهدد الأمن الدولي. ويمكن أن يطلب مجلس الأمن من أعضاء الأمم المتحدة إرسال قوات مسلحة لحفظ السلام. وعلى أي حال، فإن مجلس الأمن لم ينجح دومًا في المحافظة على السلام، ويعود ذلك في المقام الأول لعدم مقدرته على فرض إرادته وتوصياته على الدول.
المعاهدات. المعاهدة اتفاق رسمي بين الحكومات الوطنية. ويمكن أن تكون ثنائية فتوقع عليها دولتان، كما يمكن أن تكون متعددة يوقِّع عليها أكثر من دولتين. ويقوم الممثلون الرسميون للدول المستقلة بصياغة هذه المعاهدات. وقبل تنفيذها، يلزم أن تُصادق عليها الحكومات المعنية.
ويمكن أن تصادق الدول على معاهدات لتطوير مصالحها الاقتصادية. مثال ذلك، ما قامت به ست دول عام 1951م، حينما وقَّعت بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبرج وهولندا وألمانيا الغربية على معاهدة باريس. بموجب هذه المعاهدة أسست هذه الدول منظمة دولية سمتها مجموعة الحديد والفحم الحجري الأوروبية. وضمَّت هذه المجموعة الدول الأعضاء الست في سوق واحدة لإنتاج وتجارة الفحم الحجري والفولاذ وخام الحديد والخردة. وألغت هذه الاتفاقية جميع عوائق التجارة لهذه السلع بين البلدان الأعضاء. وسمحت المنظمة لعمال الحديد والفولاذ من أيِّ بلد عضو للعمل في أيِّ بلد آخر عضو في مجموعة الحديد والفحم الحجري الأوروبية.
وقد قاد نجاح هذه المجموعة أعضاءها إلى توقيع معاهدات روما عام 1957م. وتنص هذه المعاهدات على إنشاء منظمتين أخريين هما: المجموعة الأوروبية للطاقة النووية (يورا توم) والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. وعن طريق المجموعة الأوروبية للطاقة النووية يجمع الأعضاء مواردهم لتنمية الطاقة النووية للاستخدامات السلمية. كما تعمل المجموعة الاقتصادية الأوروبية على توحيد الموارد الاقتصادية للدول الأعضاء في هيكل اقتصادي واحد. وفي عام 1967م تجمعت هذه المنظمات الثلاث، مجموعة الحديد والفحم الحجري الأوروبية والمجموعة الأوروبية للطاقة النووية، والمجموعة الاقتصادية الأوروبية، في كيان واحد سُمّي المجموعة الأوروبية. وقد انضمت كلٌّ من الدنمارك وبريطانيا وأيرلندا لعضوية المجموعة الأوروبية عام 1973م. كما انضمت اليونان أيضًا إلى المنظمة عام 1981م، وكذلك انضمت البرتغال وأسبانيا عام 1986م. ثم تطورت المجموعة في يناير 1993م لتضم أعضاء أكثر وتتعدد مجالات التعاون بين الدول الأعضاء ويصبح اسمها الاتحاد الأوروبي.
ويمكن أن تُوقِّع الدول معاهدات تحالف لتعميق أمن بلدانها، حيث تنص هذه المعاهدات على التزام كلّ من الدولتين بحماية الدولة الأخرى في حالة تعرض أيٍّ منهما لاعتداء خارجي. وفي عام 1949م، وقعت الولايات المتحدة وكندا وعشر دول أوروبية أخرى على معاهدة تحالف دفاعي سُمِّيت معاهدة حلف شمال الأطلسي. وفي عام 1950م أسَّست هذه الدول الاثنتا عشرة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تتولى توحيد القيادة العسكرية لدول التحالف. وقد وصلت عضوية هذه المنظمة اليوم إلى خمس عشرة دولة. وبالمقابل فقد كانت هناك معاهدة تُسمى معاهدة حلف وارسو الدفاعية، وضمت الاتحاد السوفييتي (سابقاً) وست دول شيوعية أخرى في شرقي أوروبا. وقد وقعت الدول السبع على المعاهدة عام 1955م.
وفي عام 1975م وقَّع خمسة وثلاثون رئيس دولة اتفاقية هلسنكي، وقد سميت باسم المدينة التي وقعت فيها في فنلندا. وتعبيرًا عن تحسن العلاقات بين الدول الشيوعية الأوروبية وبين الغرب، اتفق الرؤساء على تطوير العلاقات الاقتصادية والبيئية وعلاقات التعاون العلمي بين شعوبهم. وفي خضم المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاقية، قبل الغرب باحترام الحدود القائمة في أوروبا الشرقية. وفي مقابل ذلك، وعدت الدول الشيوعية باحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حق الأفراد في دخول ومغادرة بلدان حلف وارسو.
القانون الدولي. يُعرَّف القانون الدولي بأنه مجموعة القواعد الملزمة للحكومات والدول التي يجب عليها احترامها في علاقاتها مع بعضها. وقد تطوَّر جزء من هذه القواعد بحكم العادة، كما تطوَّرت أجزاء أخرى منه عن طريق المعاهدات الدولية. ويتضمن القانون الدولي أمورًا عدَّة من أهمها حقوق الأفراد المسافرين خارج بلادهم، وحقوق السفن التجارية المبحرة خارج مياهها الإقليمية. وتقوم محكمة العدل الدولية، وهي وكالة من وكالات الأمم المتحدة، بالفصل في القضايا والخلافات الدولية في ضوء القانون الدولي. ولا يمكن إجبار أي دولة على الامتثال إلى التقاضي أمام هذه المحكمة، إلا بموافقة تلك الدولة نفسها.
العقوبات غير العسكرية. تفرض على بعض الدول لإجبارها على تغيير سياساتها وربما تكون هذه العقوبات مقاطعة اقتصادية أو حظرًا تجاريًا. ففي المقاطعة الاقتصادية تمنع الدولة مواطنيها من شراء منتجات الدولة الأخرى، أو تمنع عن المشاركة في النشاطات الرياضية وغيرها من الأنشطة التي تضمها هذه الدولة. أما في الحظر التجاري، فإن الدولة توقف تعاملاتها التجارية مع الدولة الأخرى. وتتضمن العقوبات أيضًا وقف المساعدات المالية والاقتصادية.
نبذة تاريخية
يعتقد معظم المؤرخين أن العلاقات الدولية لم تظهر بشكل ملموس إلى حيِّز الوجود إلا بعد القرن الخامس عشر الميلادي، ويعود ذلك إلى ظهور الدول القومية في أوروبا في ذلك الوقت، لكن مصطلح العلاقات الدولية لم يستخدم إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. ظهر في هذه الفترة نظام توازن القوى، واستخدمت الحكومات هذا المبدأ في ذلك الوقت للمحافظة على السلام. والواقع أن توازن القوى يحدث إذا لم تتمكن دولة واحدة أو تحالفٌ من الدول من مهاجمة دولة أخرى أو تحالف مقابل. وإذا ما تمكنت دولة واحدة من بناء قوتها العسكرية يمكن لمجموعة من الدول الضعيفة المواجهة أن تبني تحالفًا مؤقتًا رادعًا ضد الدولة الأولى، وبهذا لن تتمكن الدولة القوية من مهاجمة أيٍّ من الدول الضعيفة، لخوفها من هجوم مضاد عليها من الدول المتحالفة.
يعتقد بعض السياسيين أن بريطانيا كانت ضمن الدول التي تعمل على توازن القوى. فإذا ما هدَّدت دولتان إحداهما الأخرى، فإن بريطانيا ترمي بثقلها لصالح الطرف الضعيف للمحافظة على التوازن. وفي بداية القرن التاسع عشر، نجح نابليون الأول في بناء إمبراطورية ضخمة في فرنسا أخلَّت بنظام توازن القوى. وقد تحالفت عدة دول من بينها بريطانيا ضد فرنسا. ونجحت في الانتصار عليها عام 1815م، كما أسهمت هذه الدول في إعادة نظام توازن القوى إلى ما كان عليه من قبل. والحق أن بريطانيا لم تكن تحارب فرنسا أو غيرها من أجل توازن القوى، ولكن من أجل انفرادها بالقوة.
وفي عامي 1814م و 1815م، اجتمع القادة الأوروبيون في فيينا واتفقوا على قواعد جديدة لإدارة العلاقات الدولية، وسُمِّي هذا النظام الجديد الاتفاق الأوروبي. ينص هذا النظام على تعاون الدول الأوروبية للحفاظ على السلم. رغم أن نظرتهم للحفاظ على السلم تكمن في توزيع المستعمرات واقتسام الدول الضعيفة واستغلال خيراتها، إلا أن القادة لم يتفقوا دومًا على أنجح الحلول، ولذلك فقد اندلعت حروب عدة في أوروبا بين مؤتمر فيّينا وبداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
الأمن الجماعي. الأمن الجماعي مفهوم جديد في العلاقات الدولية برز بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918م. وقد اجتمع ممثلو 32 بلدًا بالقرب من باريس عام 1919م للاتفاق على ترتيبات السلام. وقد ابتدعوا مفهوم الأمن الجماعي الذي يدعو الدول إلى حسم نزاعاتها الدولية عن طريق المفاوضات. كما تقوم الدول بناءً على ذلك، بالتكاتف ضد الأعمال الحربية التي تقوم بها أي دولة. وأُسست عصبة الأمم عام 1920م، وهي تجمُّع لعدد من الدول للمحافظة على السلام العالمي عن طريق الأمن الجماعي. لكن العصبة فشلت لأسباب منها عدم توافر قوة بوليس دولية تحت إمرتها لمنع أي دولة من الهجوم على دولة أخرى. ولم تقم العصبة بأي عمل جادٍّ بعد هجوم اليابان على الصين عام 1931م، ثم في عام 1937م. ولم تقم العصبة يإيقاف الهجوم الإيطالي على أثيوبيا عام 1936م، أو احتلال ألمانيا للنمسا عام 1938م. ولذلك، فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد غزو ألمانيا لبولندا.
أما الأمم المتحدة فقد أسست عام 1945م بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب، وفي عام 1946م أُلغيت عصبة الأمم. وتعهد أعضاء الأمم المتحدة بالتعاون للمحافظة على السلام عن طريق الأمن الجماعي لكنهم لم يكلّفوا قوة بوليس دائمة لدعم هذا التعهد.
وقد اقتربت الأمم المتحدة من تطبيق مبدأ الأمن الجماعي في الحرب الكورية التي بدأت عام 1950م. وأرسلت الأمم المتحدة وخمس عشرة دولة عضوًا في الأمم المتحدة قوات مسلحة لمحاربة قوات كوريا الشمالية التي غزت كوريا الجنوبية. وقد انتهت الحرب الكورية عام 1953م بعد أن وقَّعت كوريا الشمالية والأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار.
بداية الحرب الباردة. بدأت الحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) اللذين كانا يُعتبران يومئذ أقوى دولتين في العالم. وفي الأربعينيات كان عدد كبير من الناس في الولايات المتحدة وفي البلدان الغربية الأخرى يشعرون بوجل من تحول دول شرقي أوروبا إلى الحكم الشيوعي. وقد أصبحت معظم هذه الدول دويلات تابعة للاتحاد السوفييتي أو أصبحت على الأقل دولاً يتحكم الاتحاد السوفييتي بها. وقد أدّى التوتر بين البلدان الشيوعية والبلدان غير الشيوعية عام 1949م إلى تقسيم ألمانيا إلى جزءين: ألمانيا الشرقية الشيوعية وألمانيا الغربية غير الشيوعية.
وفي عام 1949م، وقعت الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الأوروبية على معاهدة شمال الأطلسي، كما أسّست في وقت لاحق من ذلك العام منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتُقدم المنظمة قيادة عسكرية موحدة لحماية تلك الدول. وفي عام 1955م، وقع الاتحاد السوفييتي (سابقًا) وحلفاؤه في شرقي أوروبا على حلف وارسو لتأمين الدفاع المشترك لتلك الدول. وأعلن الموقّعون أن تأسيسهم لذلك الحلف يأتي ردّ فعل على إقامة حلف الناتو. وفي نهاية الخمسينيات، كان لدى كـلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) الأسلحة النووية الكافية لدك الطرف الآخر. وتحالف عددٌ كبير من الدول مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي (سابقًا). وأصبح الصراع بين البلدان الشيوعية والبلدان الديمقراطية يُسمى الحرب الباردة.
في عام 1973م، نجحت المباحثات السرية بين هنري كيسنجر من الولايات المتحدة (إلى اليسار) ولي دك تو من فيتنام الشمالية (إلى اليمين) في توقيع اتفاقية أنهت التورط الأمريكي في الحرب الفيتنامية. وقد عقدت هذه الاجتماعات في باريس.
الحرب الفيتنامية. انطوت الحرب الفيتنامية أيضًا على صراع بين الشيوعيين وغير الشيوعيين. بدأت الحرب عام 1957م، وقد تعهدت حكومة فيتنام الشمالية الشيوعية بالإطاحة بحكومة فيتنام الجنوبية غير الشيوعية وبتوحيد البلاد تحت سلطة واحدة. كما تعهدت الولايات المتحدة بإرسال مساعدات عسكرية ومستشارين لمساعدة فيتنام الجنوبية، وبحلول أبريل من عام 1969م، كان هناك أكثر من 543,000 جندي أمريكي يحاربون في فيتنام الجنوبية. وقد وقّعَت اتفاقية لوقف إطلاق النار وإنهاء التدخل الأمريكي في الحرب عام 1973م، لكن الحرب استمرت حتى تم الانتصار الكامل للشيوعيين عام 1975م، والسيطرة على فيتنام الجنوبية.
أنماط جديدة للعلاقات الدولية. برزت خلال الستينيات وبداية السبعينيات، من خلال تطوُّر القدرات الاقتصادية لليابان ودول أوروبا الغربية، أنماط جديدة من العلاقات الدولية. ونتيجة لذلك، بدأ اليابانيون يتصرفون بشكل مستقل عن حليفهم الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية، وتطورت كذلك القدرات السياسية والاقتصادية للصين واختلفت مع حليفها الاتحاد السوفييتي (سابقًا) منذ بداية الستينيات إلى أن حدثت بينهما عام 1969م، اشتباكات مسلحة على الحدود.
ومع تفكك تحالف الحرب الباردة، طورت بعض الدول الشيوعية وغير الشيوعية علاقات صداقة بينها واتخذ هذا التخفيف للتوتر اسم الوفاق. وأرسلت الولايات المتحدة وكندا واليابان ودول غربية متحالفة أخرى سفراء إلى الصين. ولم يكن هناك دبلوماسيون غربيون في الصين منذ بداية حكم الشيوعيين لها عام 1949م، ولهذا فقد انضمت الصين إلى الأمم المتحدة عام 1971م. الأمر الذي كان له أثره في زيادة التجارة والروابط الثقافية والدبلوماسية بين الشرق والغرب.
وظهر توتر الحرب الباردة مرة أخرى في أعقاب الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979م. وكان سبب الغزو هو رغبة القوات السوفييتية في مساعدة الحكومة الأفغانية الحليفة في حربها الأهلية ضد المجاهدين المسلمين المناوئين للشيوعية.
نهاية الحرب الباردة. وفي نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، تحسنت العلاقات بين الشرق والغرب بشكل مفاجئ ومثير. ففي عام 1987م، وقَّع الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ونظيره السوفييتي ميخائيل جورباتشوف معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، التي تنص على تدمير جميع الأسلحة الأمريكية والسوفييتية الصاروخية النووية التي تطلق من اليابسة، ويبلغ مداهـا بين 500 و5,500كم، وتحسنت العلاقات بين الشرق والغرب مرة أخرى عام 1989م حين سحب الاتحاد السوفييتي (سابقًا) جميع قواته من أفغانستان.
وكانت هناك تغيرات داخلية في الاتحاد السوفييتي (سابقًا) ساعدت على تَحسُّن العلاقات. فقد سمح جورباتشوف بنقد سياسات الحكومة. واقترح أن يكون الاقتصاد السوفييتي مثل اقتصاديات الدول الرأسمالية الغربية. بالإضافة إلى ذلك، سمح السوفييت لبلدان أوروبا الشرقية الحليفة بكثير من الحرية. ونتيجة لذلك، طبقت هذه الدول الأوروبية الشرقية، وبشكل سريع، الحكم الديمقراطي واعتمدت البلدان أيضًا النمط الاقتصادي الغربي بموافقة من السوفييت. في عام 1990م تم الاتحاد بين شطري ألمانيا الشرقي والغربي في دولة واحدة غير شيوعية. وفي عام 1990م أيضًا اتفقت دول حلف الناتو وحلف وارسو على الحد من التسلح بتدمير معظم قواتهما غير النووية في أوروبا. وفي عام 1991 اتفقت دول حلف وارسو على إلغاء الحلف، وفي نفس السنة وقَّعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) معاهدة تحديد الأسلحة الاستراتيجية (ستارت). وفرضت على الطرفين تقليص حجم الصواريخ النووية بعيدة المدى وكذلك القاذفات إلى نحو الثلث، وبهذا اقتنع عدد كبير من الناس بأن الحرب الباردة قد انتهت.
حرب الخليج الثانية. اختبرت حرب الخليج الثانية مصداقية العلاقات الجديدة بين الشرق والغرب. فقد بدأت الحرب في أوائل عام 1991م، بعد أن غزت القوات العراقية الكويت واحتلتها في أغسطس 1990م. والكويت بلدٌ صغيرٌ لكنه غنيٌ بالنفط، ويحدُّه كلٌّ من العراق والمملكة العربية السعودية. وكلا البلدين، المملكة العربية السعودية والكويت، يعدُّ من أكبر منتجي النفط المستخدم في البلدان الصناعية على مستوى العالم. وردًّا على العمل العراقي، اتخذ مجلس الأمن عدة قرارات كانت بدايتها تطبيق حظر اقتصادي شديد ضد العراق، وبعد ذلك سمح مجلس الأمن لأعضاء الأمم المتحدة باستخدام القوة العسكرية لحمل العراق على الانسحاب من الكويت.
وفي يناير وفبراير عام 1991م حارب تحالف مكوَّن من 35 دولة العراق وأخرجه من الكويت. وقد ضم هذا التحالف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعددًا من الدول العربية ومعظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ولم يشارك الاتحاد السوفييتي ولا الصين بشكل مباشر في الحرب. لكن الاتحاد السوفييتي أسهم في إقرار استخدام القوة من قِبَل مجلس الأمن، ولم تعارض الصين ذلك.
الصراع العربي ـ الإسرائيلي. منذ الحرب العالمية الثانية أصابت الجهود الدولية بعض النجاح في التعاون من أجل المحافظة على السلم. لكن كان من العسير السيطرة على الحروب المحلية، كما كانت هناك نزاعات تعذّر حلها. ومن بين هذه النزاعات، الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وقد بدأ هذا الصراع عام 1948م حين قام الصهاينة بدعم من بريطانيا بإخراج عدد كبير من الفلسطينيين من بلادهم، في محاولة لإقامة دولة لهم تنفيذًا لوعد بلفور البريطاني، وقد عارضت الدول العربية المجاورة إقامة دولة صهيونية في فلسطين على حساب الشعب العربي الفلسطيني وأرضه. وشبّ القتال بين الطرفين عام 1948م، وكذلك في الأعوام 1956، 1967، كما نشب القتال من جديد عام 1973م حين اجتاح الجيش المصري خط بارليف وعبر القناة من سيناء. وبعد أن توقف إطلاق النار بسبب تدخل أمريكا وحرصها على الكيان الصهيوني، وقَّعت كلٌّ من مصر وإسرائيل، وسط معارضة عدد من الدول العربية، معاهدة سلام عام 1979م، وقد حملت هذه المعارضة عددًا من الناس على الاعتقاد باستحالة حدوث السلام، بين العرب واليهود.
العلاقات الدولية في الإسلام
الأسس التي بنى عليها الإسلام علاقاته الدولية والإنسانية. هناك أسس كثيرة بنى عليها الإسلام علاقاته الدولية والإنسانية، ولعل من المناسب الإشارة إلى أهم تلك الأُسس: 1- العدل في المعاملة والحكم بين الناس بالعدل مطلقا بغض النظر عن أديانهم، وأجناسهم، وألوانهم. ولقد تضافرت النصوص التي تحض وتأمر بالعدل حتى مع الأعداء والأولياء ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة: 8. 2- احترام الكرامة الإنسانية انطلاقًا من إيمانه بأن الناس كلهم من أصل واحد، ومن نفس واحدة، وإنما جعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا ويتآلفوا، لا ليختلفوا، ويتنافروا ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾ الحجرات: 13. 3- اعتبار الناس كلهم أمة واحدة (كلكم لآدم وآدم من تراب ) وذلك بعد أن يقرر أن أصل الناس كلهم واحد، وأن الأجنبي ليس عدوًا مطلقًا مادام الأصل واحدًا. 4- الحث على التعاون الإنـساني على نصرة المظلـوم، وإغاثـة الملهوف ورفـع الظــلم، وردع الظالمــين المجرمــين، ولذلك ليـس من عجـب أن يكـون التعاون أصـلاً من أصول الإيمـان ﴿وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ المائدة: 2. 5- بناء العلاقات الإنسانية على التسامح غير الذليل وهذا التسامح أساسٌ طبّقه الرسول ³ مع ألدّ أعدائه في حروبه، كما حدث في غزوة بني المصطلق، وطبَّقه في معاهداته كما يشهد لذلك جليا موقفه من قريش الذين منعوه من العمرة ودخول المسجد الحرام ظلما وشططا عام الحديبية. 6- بناء العلاقات الإنسانية على مراعاة الحرية الشخصية لأن في ذلك تحريرا للنفوس من سيطرة الأهواء والشهوات، ولذلك لم يشأ الإسلام إكراه أحد على اعتناق العقيدة ﴿لا إكراه في الدين﴾ البقرة: 256. 7- التمسك بالفضيلة في معاملة الناس وحمايتها في كل الأحوال واعتبارها أساس العلاقات الدولية في حالتي الحرب والسلم. ولا غرو أن يحفظ التاريخ على أزهى صفحاته وأنصعها تلكم الوصية الخالدة التي يقولها رسول الإسلام ³ لجيوشه عندما يبعثهم: (اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد في المسند بإسناد حسن. 8- وجوب الوفاء بالعهد ضمانًا لبقاء عنصر الثقة في التعامل بين الناس أفرادًا وجماعات وحكومات، ولذلك جعل الإسلام هذا الأساس مستلزمًا من مستلزمات الإيمان بالله، ﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب ¦ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق﴾ الرعد: 19، 20. 9- تأمين الرسل والسفراء على أنفسهم حتى يعودوا سالمين إلى من بعثهم، ولهذا الأساس أهمية قصوى، وأهداف كبرى، وذلك أنه مدعاة إلى فتح باب الدعوة على مصراعيه إلى الدين وتعريف الناس به، ويعتبر وسيلة من وسائل تبادل الأسرى والفداء في الوقت نفسه، إضافة إلى تسهيل تبادل الود بين أمم الأرض، وفض المنازعات وعقد المعاهدات؛ لذلك أقر الإسلام الحصانة الشخصية لمبعوثي الدول والسفراء ـ الدبلوماسيين ـ فلم يُجِز التعرض لأشخاصهم وأموالهم وأسرهم، وأتباعهم، وأقر كذلك الحصانة القضائية لهم، فلم يلزم الوالي بتنفيذ العقوبات التعزيرية عليهم بل مال بعض الفقهاء إلى إعفائهم من المسؤولية الجنائية المتعلقة بحق الله ـ كالزنى والسُكْر ـ وقرر الإسلام الحصانة المالية لهم، فذهب الفقهاء إلى القول بإعفائهم من متعلقات الحصانة المالية.
هذه بعض الأسس التي بنى عليها الإسلام علاقاته الدولية والإنسانية، وليس هناك من ريب أن الغرب تأثر بها أو بأكثرها ـ وإن لم يصرح بذلك ـ وخاصة تلك التي تتعلق بقواعد ومبادئ معاملة أسرى الحرب والجرحى ـ كما سيأتي ـ وقواعد الهدنة والحرب والصلح، أضف إلى ذلك تأمين المبعوثين والسفراء والرسل ليقوموا بمهامهم لمصلحة الأطراف المتنازعة. وإذا كانت هذه هي بعض الأسس التي بنى عليها الإسلام علاقاته الدولية والإنسانية، فلماذا شرع القتال ـ الحرب ـ وما أهدافه؟
لماذا شرع القتال. يمكننا تلخيص أسباب وأهداف القتال في الإسلام في النقاط الآتية: تأمين حرية نشر الدعوة، وكفالة حرية العقيدة، ومنع الفتنة في الدين، ورد العدوان، وحماية الأوطان من الاعتداء على الأعراض والمقدسات. وفي ذلك كله إعلاء لكلمة الله والمحافظة على القيم والأخلاق الفاضلة، ودرء الفتنة ومنع الردة والبغي داخل المجتمع الإسلامي وخارجه.
معاملة أسرى الحرب في الإسلام. مادام القتال مشروعا في الإسلام من أجل تحقيق الأهداف السابقة فإن أولئك الذين يقعون أسرى تحت أيدي المسلمين أوصى الإسلام وقرر مبادئ تقوم عليها معاملتهم وهي: الرحمة واللطف والرفق بهم والإحسان إليهم ﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا ¦ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا﴾ الإنسان: 8، 9. ثم تحريم قتل الأسرى إلا في حدود ضيقة كأن يقتل الأسير عمدًا فيقتص منه، أو لظروف خاصة تمليها ضرورة العداوة وإمعان في الأذى من قبلهم، أو لنقض العهد المتكرر، أو الاستخفاف بالمسلمين فيكون قتلهم عندئذ استئصالا لجذور الشر ومصادر الفتنة.
هذه بعض المبادئ والأسس التي قررها الإسلام في معاملة أسرى الحرب. أما قتلى الكفار فإن الإسلام اهتم بضرورة احترام الميت، وكان المسلمون يدفنون قتلى عدوهم ويوارونهم كما حدث ذلك في غزوة أحد، ونهى الإسلام نهيا قاطعا عن التمثيل بالميت لما في ذلك من امتهان لكرامة الإنسان، والبعد عن الفضيلة.. وفي الحديث الذي سقنا نحوه آنفًا: (سيروا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تمثِّلوا ) . وكما نهى عن التمثيل نهى عن حرق الجثث بالنار أو التعذيب بالنار حتى الموت، كما ورد ذلك في صحيح مسلم أن هشام بن حكيم بن حزام مر على أناس من الأنباط (هم فلاحو العجم) بالشام قد أقيموا في الشمس فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية فقال هشام: أشهد سمعت رسول الله ³ يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ) .
فالعدالة هي الميزان الذي يحدد به الإسلام العلاقات بين الناس في السلم والحرب، ففي السلم يكون حُسن الجوار قائما على العدالة وكل العلاقات الدولية والإنسانية في الإسلام يحكمها ميزان العدل، وإذا استعرت نيران الحرب يكون العدل.