أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مساء اليوم الأحد أن نحو 58 بالمائة من الناخبين الاتراك وافقوا في استفتاء اليوم على تعديل دستوري عرضته الحكومة وذلك بعد فرز 99 فى المائة من الأصوات.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي ولأنصاره في مدينة استانبول كما أظهرت لقطات تلفزيونية حية أن ” اليوم هو عيد للديمقراطية بالنسبة لنا. لقد أيدت أمتنا الإصلاحات الدستورية باستخدام حقها فى التصويت. وآمل أن يفيد ذلك بلادنا”.
وأفادت مصادر إعلامية أن الناخبين صوتوا بأغلبية 4ر58 بالمائة ” بنعم” لصالح التعديلات في مقابل 7ر41 بالمائة صوتوا “بلا” من اصل 49 مليونا و446 ألفا و269 ناخبا.
وذكرت المصادر أن غالبية الناخبين الأتراك صوتوا لصالح تعديل الدستور في الاستفتاء الذي جرى اليوم على حزمة من التعديلات الدستورية أقرها البرلمان في السابع من ماي الماضي وتضمن تعديل 29 مادة من الدستور .
ويشكل الاستفتاء اختبارا كبيرا لشعبية رئيس الوزراء الذي يدعم حزبه إصلاحات ليبرالية.
وكان البرلمان التركي أقرّ في قراءة أولى التعديلات الدستورية بغالبية 336 صوتا، في ماي الماضي، وصادق عليها الرئيس التركي عبد الله غول، مع الإشارة إلى أنّ هذه التعديلات تشمل 26 مادة و4 مواد مؤقتة، وتتضمن إصلاحات ديمقراطية متعلقة بالحقوق النقابية للموظفين وحماية الطفل، وإنشاء آلية لفض النزاعات بين المواطن والحكومة.
ويعد البند الخاص بالحد من صلاحيات المحكمة العسكرية، الأهم في الإصلاحات، حيث يتضمن إخضاع العسكريين للمحاكم المدنية في قضايا الجنايات والجنح، وإلغاء المادة المؤقتة التي تمنع محاكمة كل من شارك في انقلاب 1980 من عسكر ومدنيين، وهذا ما جعل الحكومة ترفع شعارا مفاده أنّ التعديلات هي فرصة للانتقام من الانقلابيين والحد من سلطات العسكر.
وتتضمن التعديلات الجديدة إلغاء المادة 15 المؤقتة للحد من سلطة المحاكم العسكرية، وتمنح المادة المذكورة الحصانة من الملاحقة القضائية لجميع الضباط والجهات الفاعلة في النظام العسكري الذي تأسس قبل 30 سنة.
كما تتضمن التعديلات المقترحة مطلبا قديما للاتحاد الأوروبي، يقضي بإنشاء ديوان للمظالم، من دون ضمان استقلاليته، وآخر يتعلق بالعمل الإيجابي بالنساء مختلف قليلاً عن النص الموجود في الدستور الحالي.
وفيما أعلن نجم الدين أربكان الذي يشرف على حزب السعادة الإسلامي أنه سيصوت لمصلحة التعديلات، لتضمنها ما يخدم الديمقراطية، مبديا توجسه في المقام ذاته وعدم الثقة في نوايا الحكومة التركية، أعلن حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضان، أنهما سيدفعان للمطالبة بانتخابات مبكرة، إذا رفض الشعب تعديلات الحكومة، وأبرز كلاهما عدم ثقته بخطوة تشكيلة أردوغان التي تستهدف من التعديلات مادتين فقط ما يتيح لها فرض سيطرتها على القضاء، السد الأخير أمام هيمنة حزب العدالة والتنمية على جميع مقدرات تركيا، مثلما ورد على لسان قياديي الحزبين المذكورين.
كما أعلن حزب السلام والديمقراطية الكردي رفضه التعديلات، معتبرا أنها لم تحمل للأكراد أي شيء يتعلق بقضيتهم، كما دعا حزب العمال الكردستاني مقاطعته لأولئك الموالين للحكومة والذين سيشاركون في الاستفتاء.
وتنتقد المعارضة البذخ الذي ظهر في إعلانات الحكومة لإقناع المواطنين بالمشاركة في الاستفتاء والتصويت لمصلحة التعديلات، متساءلة عن مصدر هذا التمويل الذي بلغ عشرات الملايين من الدولارات.
وينظر قادة المؤسسة العسكرية التركية، ومعهم قضاة المحكمة الدستورية، وعدد من الأحزاب والمثقفين الأتراك، بعين الريبة إلى حزب العدالة والتنمية، ويرون فيه خطرا يهدد أسس العلمانية التركية، ويعمل على تقويض دور الجيش، وقمع منتقديه، خصوصا وسائل الإعلام المناوئة له.
وموازاة مع ذلك، تركز المعارضة على التعديلين الخاصين بإعادة هيكلة المحكمة الدستورية والهيئة العليا للقضاة، إذ ترفع التعديلات من عدد القضاة في المؤسستين، في شكل يتيح للحكومة والرئيس تعيين قضاة جدد مقربين منهما، يكسرون احتكار الأتاتوركيين لهاتين المؤسستين.
وكان قادة الجيش قد حاولوا منع وصول عبد الله غول إلى رئاسة الجمهورية، حيث طعنت المحكمة الدستورية في قانونية الحزب الحاكم، وحاولت حظر النشاط السياسي لرئيس الوزراء ومجموعة من قادة العدالة والتنمية، لكن المحاولة فشلت، بعد أن دعا أردوغان إلى انتخابات مبكرة، عززت نتائجها شعبية الحزب وقوته.
ويشكل الاستفتاء محطة مفصلية في تاريخ الجمهورية التركية، لأن نتيجته ستكون حاسمة في اتجاه صيغة ومعادلة الحكم الجديدة في تركيا، وفي طبيعة المرحلة القادمة، التي تطمح فيها تركيا إلى لعب أدوار محورية في محيطها الجغرافي وفي منطقة الشرق الأوسط.