النِّصف من شعبان وسلامة الصدر من الأحقاد
شعبان شهر كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصوم فيه أكثر ممّا يصوم في غيره من الشهور، بل ورَوى عنه أصحابُه رضي الله عنهم أنّه كان يصوم حتّى يُقال إنّه لا يفطر ثمّ يفطر أيّامًا حتّى يقال لا يصوم.
أمّا ما جاء عن ليلة النصف من شعبان، فقد وردت فيها أحاديث كثيرة ردَّها كثير من أهل العلم، وأصحّ ما ورد فيها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''يطّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن'' رواه ابن حِبّان في صحيحه.
أما المشرك، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء...} النِّساء:.116
وأمّا المشاحن فهو الذي تكون بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة وعداوة وقطيعة ـ هذا يُحرم من المغفرة. وفي حديثٍ رواه البيهقي: ''أنّ الله يطّلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخّر أهل الحقد كما هم''، يحرمون من المغفرة في النصف من شعبان بل ويحرمون منها كلّ أسبوع في يوم الإثنين والخميس كما جاء في صحيح مسلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''تفتح أبواب الجنّة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكلِّ عبد لا يشرك بالله شيئًا إلاّ رجلاً بينه وبين أخيه شُحَنَاء فيُقال انظروا هذين حتّى يصطلحَا، انظروا هذين حتّى يصطلحَا'' يعني أخِّرُوهما.
هكذا يُحرم في كلّ أسبوع مَن كانت بينه وبين أخيه قطيعة أو بينهما عداوة فاشتعلت نار الحقد والبغضاء في قلوبهما ثمّ يأتي النصف من شعبان ليحرمَا من هذه المغفرة..
كم هُم أولئك الّذين هُم في قطيعة وهجران بعد أن كانوا في صحبة ومحبّة؟ صديقان كانَا يتزاوران ويتجاوران ويسألان عن بعضهما إن غاب أحدهما، بل انتقلت هذه الصحبة والمحبة إلى أولادهما وأهليهما، ثُمّ سرعان ما انقلبت المحبّة إلى عداوة والصحبة إلى هجر وقطيعة. ما بالهما وقد كانَا أخوين أو مثل الأخوين؟ لا شك أنّ الشيطان قد فعل فعلته، ونفّذ مهمّته وفرّق بينهما، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الشيطان قد يئِس أنْ يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنّه لم ييأس من التحريش بينهم'' رواه مسلم.
الإسلام لا يرضى لهؤلاء أن يكون حالهم هكذا.. قال صلّى الله عليه وسلّم: ''لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث'' رواه البخاري.
علام يتخاصم النّاس ويتقاطعون؟ ويهجر بعضهم بعضًا من أجل دنيا؟ من أجل مصلحة؟ بل في كثير من الأحيان من أجل أمر تافه لا يستحق أن يخسر النّاس بعضهم بعضًا من أجله، فتضيع محبّتهم وأخوتهم وتذهب هباء منثورًا.
يأتي الإثنين والخميس وتأتي الجُمَع ويأتي النصف من شعبان ويأتي رمضان والأحقاد كما هي يغفر لمن يشاء أن يغفر لهم ولكنّه يُؤخِّر أهل الحقد كماهم...
أهل الحقد والبغضاء الّذين لا تصفي الأيام سرائرهم، الّذين لا تنقي الأحداث ضمائرهم.. لا يتسامحون.. لا يعفون: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ...} النور:.22
هذا درس ينبغي أن نتعلَّمه مِنَ النصف من شعبان ومن يوم الإثنين والخميس، حيث يغفر الله لكلّ عبدٍ لا يُشرك بالله شيئًا إلاّ مَن كانت بينه وبين أخيه شحناء.
ولم يرخِّص لنا الشّرع إلاَّ في ثلاثة أيّام، تنطفئ فيها ثورة الغضب حينما قال صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام'' رواه البخاري ومسلم.
المصدر :الشيخ لخضر لشهب/إمام بمسجد التقوى-مدينة حاسي الرمل