إنها أميرة ليست ككل الأميرات، تجذبك بصراحتها وبساطتها وروحها الخفيفة، وتأسرك بنظرات عينيها الزرقاوين اللتين ورثتهما من جدتها ذات الأصل البربري. تحكي بعفوية واسترسال، وتتحدث بكثير من الحماس، وخاصة حين تتطرق لموضوع نضالاتها من أجل مساعدة ضحايا فيروس الإيدز، أو حين تعبّر عن اعتزازها بأمومتها وعلاقتها بأبنائها الثلاثة، الذين تعدّهم أجمل ما حققت في حياتها، وعن حبها اللاَّمحدود لشقيقها الأمير ألبير الثاني، أمير موناكو الحالي، الذي تربطها به علاقة وثيقة تقول أنها ساعدتها على تجاوز الكثير من مصاعب الحياة التي واجهتها.
فيما يلي نص الحوار:
ـ منذ أيام قمت بافتتاح "دار الحياة" المخصصة لإيواء مرضى الايدز، وخاصة منهم النساء والأطفال. ما الذي دفعك في التفكير في افتتاح مثل هذه الدار؟
ـ عندما كنت سفيرة لبرنامج Onusida، وهو برنامج تابع لمنظمة الأمم المتحدة يعنى بمحاربة فيروس الإيدز، سافرت برفقة عدد من الجمعيات التي تعنى بمساعدة مرضى الإيدز إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا، ورأيت عن قرب ما يعاني من منه مرضى الإيدز من معاناة ووحدة وإقصاء يصدر أحيانا عن أقرب الناس إليهم. وهذا أمر مرعب جدا، وخاصة أن أول ضحايا هذا الإقصاء هن النساء وأطفالهم، رغم أنه في غالب الأحيان، وخاصة في البلدان الفقيرة والنامية، يكون الرجل هو المتسبب في نقل هذا الفيروس لزوجته، بسبب عدم إتاحة الفرصة للمرأة كي تتحكم في حياتها وعلاقتها بالرجل الذي ترتبط، سواء كان زوجا أو صديقا. وكوني أمّا وامرأة جعلني أتأثّر كثيرا بتلك المعاناة. لذا قرّرت مساعدة ضحايا مرض الايدز بكل ما يتوفر لديّ من إمكانيات. في البداية، أسّستُ جمعية "نساء في مواجهة الايدز"، التي اندمجت لاحقا في جمعية "موناكو سيدا"، ثم أصبح اسمها حاليا "فايت إيدز موناكو" Fight Aids Monaco.
ـ لقد صرّحت في إحدى المقابلات الصحفية مؤخرا أنك رغم مكانتك كأميرة قمت ببناء نفسك بنفسك، دون مساعدة أحد. هل هذا الشعور هو الذي جعلك تمدّين يد المساعدة لمرضى الايدز الذين لا يجدون المساعدة حتى من أقرب الناس إليهم؟
ـ لا يمكننا مدّ يد العون والمساعدة للآخرين إذا كنا غير قادرين على مواجهة مشاكلنا وحلها بأنفسنا. إذا كنا نعاني نحن أنفسنا، فإن الآخر سيشعر حتما بهذه المعاناة. لا يمكن أن نحل مشاكلنا أو أن نخفّف من معاناتنا من خلال معاناة الآخرين. أعتقد أننا ينبغي أن نكون متصالحين مع أنفسنا، لكي نكون مؤهلين للعطاء ومساعدة الآخرين. عندما أزور الأطفال المصابين بهذا الفيروس، أشعر أنهم يمنحونني القدرة على العطاء بفضل شجاعتهم وصبرهم. وفي مثل تلك اللحظات بالذات، أشعر أنني محظوظة لأن أولادي في صحة جيدة. حاليا أشعر بالقدرة على المساعدة وتقاسم معاناة المرضى من خلال "دار الحياة"، وأنا سعيدة بذلك. عندما عشت في لوس أنجيليس، في عقد الثمانينات، فقدتُ عدة أصدقاء بسبب هذا المرض، و لم أكن أفهم أو أقدّر الأمور في تلك الفترة مثلما أفعل الآن بعد أن بينت عائلة وصار لدي أطفال. ما يمكنني قوله هو أنني كنت دوما مستعدة لمد يد العون للآخرين، سواء في محيطي العائلي أو من خلال جمعيات التي كانت تعنى بالمعاقين عقليا والمسنّين وغيرها. وهذه الرغبة بل الحاجة لمساعدة الآخرين ورثتها وتعلمتها من والدتي الأميرة غراس، التي كانت تملك قلبا كبيرا يسع كل معاناة الناس...
ـ هل تعتقدين أن مركزك كأميرة من شأنه أن يشكل دافعا للناس من أجل دعم جمعيةFight aids Monaco والتبرع لها أكثر فأكثر؟
ـ لم أقم بتأسيس هذه الجمعية، مثل بعض المشاهير الذين يتخفون وراء الجمعيات الإنسانية، بهدف جذب انتباه واهتمام الرأي العام، أو كنوع من الدعاية الشخصية. مثل هؤلاء المشاهير، عندما يحقّقون هدفهم من الدعاية واستقطاب التعاطف والاهتمام، يتركون الجمعيات الخيرية التي أسسوها تتخبط لاحقا في مشاكل بلا نهاية. بالطبع، أنا أستعمل مكانتي الاجتماعية لمساعدة مرضى الإيدز، لأنني أؤمن بنبل هذه المهمة التي أقوم به، وأشعر بمدى احتياج هؤلاء المرضى لمن يساعدهم ويعتني بهم. لقد كنا في البداية جمعية صغيرة وذات إمكانيات بسيطة، لكننا شيئا فشيئا استطعنا تحقيق أشياء عديدة لخدمة مرضى الإيدز وتحسين أوضاعهم. وما نزال نطمح لتحيق المزيد، لأن هذا المرض ما يزال للأسف يفتك بآلاف الناس عبر العالم.
ـ ما هي الرسالة التي تودّين توجيهها إلى القراء والقارئات العرب عبر "مشاهير"؟
ـ أناشدهم بأن يعاملوا مرضى الإيدز بطريقة إنسانية وبشيء من الاحترام والتفهم. يجب أن يفهم الناس أن الكثير من هؤلاء المرضى ليسوا مذنبين في شيء. ويجب أن نضع في الحسبان دوما أننا سواسية أمام المرض والمعاناة والألم، مهما كان نوع المرض. أطالب بأن ننظر إلى مرضى الإيدز بعين الرحمة والإنسانية لنقاسمهم آلامهم ونخفف عنهم. فالذهنيات تجاه هذا المرض لم تتطور بعد. وبمجرد أن يكشف المريض أنه مصاب بهذا الفيروس، يقصى من العمل ويُهمّش في المجتمع وحتى من قبل أقرب أفراد عائلته. وذلك لأننا، للأسف، نعيش في زمن تطغى فيه الأنانية وحب النفس. رسالتي هي الدعوة للتفكير إنسانيا في شأن هؤلاء المرضى. كما أدعو لمدّ الجمعية التي أسسناها بالأموال، حتى وإن كانت المبالغ المتبرّع بها صغيرة، لأن "دار الحياة" فتحت أبوابها منذ فترة قصيرة بعد أربعة سنوات من الجهود والعمل المستمر. وهي بحاجة لإمكانيات أكبر لكي تستطيع استقبال مرضى الايدز، وتوفير ما يحتاجونه من مساعدة طبية ومادية ومعنوية..