أكد جمال الشريف الحكم الدولي السابق والخبير التحكيمي الحالي في قناة الجزيرة الرياضة خلال حديث خص به الموقع الإلكتروني للجزيرة الرياضية، أن الأخطاء التحكيمية في أي بطولة عالمية هي جزء لا يتجزء من كرة القدم وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما.
واعتبر الشريف أن المستوى الفني في كأس العالم المقامة حالياً في جنوب أفريقيا لم يرتق في الكثير من المباريات إلى مستوى الحدث، خصوصاً لجهة الفرق التي كان يعَوّل عليها واعتادت أن يكون لها بصمات ودور بارز في المنافسات والتي غادر بعضها باكراً مما أفقد البطولة رونقها في ظل افتقارها إلى زخم النجوم.
كفة فرق أميركا اللاتينية تبدو الأقوى
وعلّق الدولي السوري السابق الذي قاد مباريات عديدة في كأس العالم أعوام 1986 و1990 و1994 على وصول أربعة منتخبات من أميركا الجنوبية إلى ربع النهائي معتبراً أن كفة فرق أميركا اللاتينية تبدو الأقوى لغاية الآن لكن هذا الواقع قد يتبدل لاحقاً في نصف النهائي.
واستطرد قائلاً: "أعتقد أن المنتخبات التي تتميز بالأسلوب الجماعي وانصهار نجومها وابتعادهم عن الأداء الفردي هي التي ستذهب بعيداً".
وعن الكرة الآسيوية قال الشريف إنها حققت قفزة نوعية وكان التطور في أدائها ملحوظاً لناحية الانضباط والتكتيك مما جعل منتخبي كوريا الجنوبية واليابان يعبران إلى الدور الثاني بقوة وجدارة.
وأضاف: "الكرة الآسيوية تسير على الطريق الصحيح لكنها تحتاج إلى المزيد من الاحتكاك والكثير من المباريات ذات المستوى العالي مما سيجعلها أكثر قدرةً على المنافسة في المستقبل كونها تملك الإمكانيات ووسائل الارتقاء بعيداً "، مشيداً بمستوى منتخب اليابان الذي قد تحضر بشكل جيد ويملك قدرات فردية وجماعية مميزة جعلته يقتحم الدور الثاني.
وشدد الشريف على مستوى كرة قدم أميركا الجنوبية الرائع الذي تجلى بتواجد أوروغواي وباراغواي والأرجنتين والبرازيل في الأدوار المتقدمة للبطولة الأمر الذي لا يتكرر غالباً مقابل تراجع ملحوظ للكرة الأوروبية وتقهقر واضح لنظيرتها الأفريقية التي لم تقدم المأمول منها ما أصاب الكثيرين بخيبة أمل.
وعن المنتخب الفرنسي اعتبر أن المشاكل التي عصفت به على صعيد الانضباط والروح الجماعية لم تنسجم إطلاقاً مع آمال وطموحات عشاق كرة القدم.
أخطاء تحكيمية قاتلة
أما عن التحكيم فقد تحدث الشريف بإسهاب معتبراً أن الأخطاء موجودة في عالم ساحرة الشعوب لكن ما حدث في النسخة التاسعة عشرة لكأس العالم ساهم بإخراج بعض الفرق وبرز ذلك واضحاً في مباراتي إنكلترا-ألمانيا والأرجنتين-المكسيك بالدور الثاني نهار الأحد الماضي، حيث ساهم التحكيم السيئ بتغيير مسارهما، وذلك حين لم يحتسب في الدقيقة 38 هدف لامبارد الصحيح ومن ثم احتساب الهدف الغير الشرعي لتيفيز مهاجم الأرجنتين الذي جاء بعد حالة تسلل فاضحة وأدى إلى تحويل مسار المباراة.
وتابع قائلاً: "إن المنتخب الأميركي كان يستحق الفوز على سلوفينيا فالهدف الذي سُجل في الدقيقة 85 هو هدف صحيح ولا غبار عليه كون اللاعب كلينت ديمبسي الذي استفاد من الكرة لم يكن متسللاً مما حرم منتخب الولايات المتحدة نقاط المباراة الثلاث، لكن ذلك لم يؤثر في المقابل على مستوى المجموعة بشكل عام"، وبالنسبة لمنتخب جنوب أفريقيا الذي كان قد طرد حارسه الأساسي في المباراة أمام أوروغواي قال: "طرد حارس مرمى جنوب أفريقيا في الدقيقة 72 بعد إعاقته لمهاجم أوروغواي وإن كان صحيحاً بسبب الخطأ الذي ارتكبه، فإن ضربة الجزاء كانت مرفوضة كلياً لأن الكرة وصلت إلى المهاجم وهو في حالة تسلل".
وعلى مستوى المخالفات الذي وصل عددها إلى 1705 على 56 مباراة بينها 201 إنذاراً، قال الشريف أن الرقم مقبول نسبياً مؤكداً في الوقت ذاته أنه أقل من نظيره في البطولة الماضية التي استضافتها ألمانيا عام 2006، وأحصى الشريف 14 حالة طرد منها 8 بشكل مباشر(بطاقتين حمراوين) و6 بسبب الإنذار الثاني (بطاقتين صفراوين) و9 ركلات جزاء واحدة منها كانت غير صحيحة، مضيفاً أن هناك 14 ضربة جزاء لم تحتسب أغلبها نتج عن حالة مسك أو شد داخل منطقة الجزاء.
التحكيم الآسيوي
وأثنى الدولي السوري السابق على مستوى التحكيم الآسيوي وخصوصاً على الأداء الذي قدمه الحكم الإيراني المساعد حسن كامرانيفار، وأضاف أن أكبر دليل على ارتفاع مستوى الحكام الآسيويين هو اختيارهم لإدارة مباريات الدور ربع النهائي إذ أن الحكم الأوزباكي رافشان إيرماتوف سيدير مباراة الأرجنتين وألمانيا في الوقت الذي سيكون فيه يويتشي نتاغونغيرا من اليابان حكم مباراة البرازيل وهولندا.
وأشار الخبير التحكيمي في الجزيرة الرياضية أن التعيينات كانت عادلة وموضوعية فعندما يلتقي منتخبان من قارة واحدة من الطبيعي أن يكون الحكم من قارة أخرى، وأضاف أن لجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم اتسمت بالحيادية المطلقة في اختيارها للحكام، فهي لم تنظر إلى انتمائهم ولا إلى أسمائهم بل إلى أدائهم ومستوياتهم وهذا بنظري شيء عادل وإيجابي ونتمنى أن يستمر".
وتابع قائلاً: "أعتقد أن أفضل الحكام حتى الآن هم الإسباني ألبرتو أونديانو والإنكليزي هوارد ويب والألماني فولفغانغ ستارك والبرازيلي كارلوس سيمون والمكسيكي بنيتو أرشونديا".
ويب الأقرب إلى قيادة المباراة النهائية
وتوقع الشريف أن يكون الإنكليزي هوارد ويب الأقرب إلى قيادة المباراة النهائية كونه حكم محايد وليس له فريق في البطولة بالإضافة لقيادته 3 مباريات بنجاح ملفت، كما وأن المباراة النهائية من النسخة الماضية أدارها حكم من أميركا الجنوبية وبالتالي قد يكون الدور للحكام الأوروبيين هذه المرة. وتابع أن الألماني ستارك مرشح بقوة أيضاً للمباراة النهائية لكن ذلك يرتبط ببقاء أو خروج منتخب بلاده".
وتحدث جمال الشريف عن ظاهرة خداع الحكام التي تكررت عدة مرات وعن اللجوء إلى الغش للفوز بأسلوب غير مشروع عن طريق الإيحاء للحكم وبالتالي التأثير على قراره قائلاً: "للأسف هناك بعض المدربين وهم قلة يلجأون إلى تطوير هذه المهارة بحثاً عن الطريق الأسهل للفوز، هناك مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى وقانونية، وعلى الحكم أن لا يغفل عن هذه الأمور عن طريق البقاء قدر المستطاع بالقرب من مكان تواجد الكرة واتخاذ المزيد من القرارات الشجاعة والحاسمة للحد من تفشي هذه الآفة التي تفقد كرة القدم روعتها ورونقها، ونحن بحاجة إلى تعاون الحكام واللاعبين والمدربين في هذا الموضوع".
استخدام التكنولوجيا موضوع معقد
أما في موضوع التكنولوجيا فتكلم الشريف بصراحة وموضوعية معتبراً أن هناك فريق يتزعمه الرئيس الحالي للفيفا سيب بلاتر لا يرغب بإدخال التكنولوجيا وذلك في إطار إبقاء لعبة كرة القدم قريبة من جميع طبقات المجتمع حيث أن هناك بعض الاتحادات التي لا تتمتع بالإمكانيات المادية لمساعدة حكامها على امتلاك التكنولوجيا، فالأخطاء هي جزء من كرة القدم وما تثيره من مشاعر وعواطف". علماً أن العودة إلى الفيديو في القرارات المهمة والمفصلية طالب به البعض خصوصاً على مستوى البطولات الكبرى.
وقال الشريف: "ما حصل مع إنكلترا لا يحصل إلا نادراً (كل 4 أو 5 بطولات). فكرة عين الصقر المستوحاة من كرة المضرب فكرة جيدة بالإضافة إلى نظام الكرة الذكية التي تتمتع بخصائص تستطيع تنبيه الحكم في حال تجاوزت خط المرمى، هذه الأمور تم اختبارها على مستوى بعض بطولات الناشئين وخلص الأمر انه لم يكن هناك أي حالة تستدعي استخدامها وبالتالي جُمدت ومن ثم ألغيت قبل أشهر قليلة".
وتابع: " أرى اليوم أنه ونتيجة ضغوط المسابقة وخروج المنتخب الإنكليزي بهذه الطريقة وما رافقه من ضغط إعلامي واعتراضات من فرق لها باع طويل في كرة القدم خصوصاً الإنكليز أصحاب فكرة عين الصقر، تم الإعلان أن الفيفا سيدرس إمكانية استخدام التكنولوجيا من أجل تهدئة النفوس، فالموضوع ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض فهو يحتاج إلى دراسات ومراجعات وتحديث القوانين وهذا أمر غير سهل، فتحديد من يمكنه أن يوقف المباراة للعودة إلى الفيديو ومن يتخذ القرار النهائي وما إلى ذلك... يجب درسه بإمعان. اعتقد بأن الجميع يريد مباريات بدون أخطاء لكن الوصول إلى الحقيقة دون الإخلال باللعبة تجعل الفيفا يتردد، وما حصل في أمسية 27 حزيران/يونيو جعل بلاتر يتكلم فقد كان لا بد من تصريح يمتص الثورة والنقمة لدى الرأي العام".
وختم: "ليس المهم تحميل الحكام وزر ما حصل ذلك اليوم لكن الأهم هو فتح الباب مجدداً أمام إعادة البحث بالموضوع، سيكون هذا الملف مادة لجدل كبير في الأشهر المقبلة فالأمر قد يبدو سهلاً ظاهرياً لكنه يحتاج إلى الكثير من الإمعان والتدقيق وليس من السهل تغيير قوانين لعبة منتشرة بهذا الشكل في كافة أنحاء العالم. عدم التسرع ومقاربة الموضوع بجدية قد يكون السبيل الأمثل لنهضة كرة القدم مجدداً".