سيكون المنتخب الإسباني مطالباً بتأكيد "مصداقيته" انه قادر في أن يكون متواجداً على منصبة التتويج في 11 تموز/يوليو المقبل عندما يتواجه مع نظيره البرتغالي الثلاثاء على ملعب "فري ستايت ستاديوم" في كايب تاون ضمن الدور الثاني من مونديال جنوب افريقيا 2010.
ولم يكن مشوار أبطال أوروبا سهلاً على الإطلاق في دور المجموعات حيث اجبروا على حسم تأهلهم في الجولة الأخيرة بفوزهم على تشيلي (2-1)، وذلك بسبب الخسارة المفاجأة التي منيوا بها في مستهل مشوارهم أمام سويسرا (0-1) التي وضعت حداً لمسلسل انتصاراتهم عند 12 على التوالي وألحقت بهم الهزيمة الثانية فقط في 49 مباراة، قبل أن يستعيدوا توازنهم بفوزهم على هندوراس (2-0) ثم تشيلي ليتأهلوا مع الأخيرة إلى الدور الثاني وفي صدارة المجموعة، ما جنبهم مواجهة البرازيل متصدرة المجموعة السابعة.
ومن المؤكد أن موقعة "فري ستايت ستاديوم" مع كريستيانو رونالدو وزملائه في منتخب "برازيليي أوروبا" ستكون الامتحان الحقيقي لمقدرات "لا فوريا روخا" الذي يسعى للتأكيد بأنه تخلص من صفة المنتخب المرشح الذي يخيب آمال مناصريه في النهاية، وبأنه أصبح المنتخب القادر على الذهاب حتى النهاية كما فعل قبل عامين عندما توّج بكأس أوروبا للمرة الأولى منذ 1964.
قد يعتقد البعض أن طريق المنتخب الاسباني أصبحت أسهل بتصدره للمجموعة الثامنة لأنه تجنب البرازيليين، لكن المعطيات تؤكد عكس ذلك خصوصاً بعد الأداء الدفاعي المحكم الذي قدمه المنتخب البرتغالي أمام أبطال العالم خمس مرات في الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة السابعة، حيث اقفل المنافذ على رجال كارلوس دونغا وحرمهم من الوصول إلى المرمى بعدما شل مفاتيح اللعب تماماً.
وقدم المنتخب البرتغالي وجهين مختلفين تماماً في مشواره خلال النسخة التاسعة عشرة حتى الآن، وقد اظهر "سيليساو دوس كويناش" مرونة تكتيكية ملفتة لأنه بعد أن قدم أداءً هجومياً كبيراً أمام كوت ديفوار (0-0) وكوريا الشمالية (7-0)، بدا كأنه المنتخب الإيطالي في السبعينات والثمانينات حيث طبق أسلوب الـ"كاتيناتشيو" الذي اشتهر لأول مرة مع المدرب الأرجنتيني هيلينيو هيريرا مع إنتر ميلان الإيطالي خلال الستينات.
وقد يلجأ كيروش إلى هذا الأسلوب مرة أخرى أمام إسبانيا خصوصاً أن "لا فوريا روخا" يتميز بلعبه الهجومي الذي يستند بشكل أساسي على الاستحواذ على الكرة والاعتماد على مواهب لاعبي وسطه تشافي هرنانديز واندريس انييستا وخيسوس نافاس أو دافيد سليفا وفرانسيسك فابريغاس، وحتى أن دافيد فيا الذي أصبح أفضل هداف لإسبانيا في نهائيات كأس العالم (6 أهداف) يلعب في الجهة اليسرى وليس كرأس حربة، فيما يتولى فرناندو توريس مهام المهاجم الصريح.
ويدرك المدرب الاسباني فيسنتي دل بوسكي صعوبة المهمة التي تنتظر رجاله وهو أكد مباشرة بعد التأهل إلى الدور الثاني ليس مرتاحاً على الإطلاق لأن أبطال أوروبا تجنبوا مواجهة المنتخب البرازيلي وذلك لأن المنتخب البرتغالي ليس أسهل من "سيليساو" على الإطلاق.
وقال دل بوسكي "هل رأيتم كيف هيمنت البرتغال على البرازيل (0-0)؟ لم تمنحها أية فرصة لفرض طريقة لعبها وكانت جيدة جداً في الهجمات المرتدة. البرتغال منتخب كبير جداً، ولا اشعر برضى خاص لأننا سنواجههم (عوضاً عن البرازيل). إن كانت البرازيل أو البرتغال، هذان المنتخبان ممتازان على أية حال".
ورد دل بوسكي على سؤال حول سبب استبداله توريس في بداية الشوط الثاني، قائلاً "لقد استبدلته لأنه كان يشعر بأوجاع عضلية خلال استراحة الشوطين لكن ذلك لا علاقة له بإصابته القديمة في ركبته. كما كنا بحاجة أيضاً إلى السيطرة بشكل أفضل على وسط الملعب، ومع سيسك، لن نخسر أي شيء من الناحية الهجومية وسنستفيد أيضاً في وسط الملعب".
أما انييستا الذي سجل عودة موفقة من الإصابة التي أبعدته عن مباراة هندوراس (2-0) بتسجيله الهدف الثاني لأبطال أوروبا، فقال "أتيحت لنا فرصة لا تعوض بعد الهزيمة في المباراة الافتتاحية (أمام سويسرا 0-1). إذ أصبح مفتاح التأهل بين ايدينا، وهذا ما تحقق بالفعل. أنا سعيد لأننا بلغنا ثمن النهائي لان ذلك هو هدفنا بغض النظر عمن يسجل الأهداف. كان هدف دافيد (فيا) مهماً للغاية لأنه جاء في لحظات عصيبة لأن الشك كان يشك طريقه إلينا. ثم أصبحنا أكثر هدوءاً بعد الهدف، وكان أداؤنا أفضل".
وتعرض المنتخب الإسباني إلى ضربة عشية موقعته مع البرتغال بإصابة مدافعه راؤول البيول لإصابة في ساقه اليمنى حيث نقل إلى احد مستشفيات من اجل إجراء الفحوصات اللازمة، لكن مدافع ريال مدريد ليس من العناصر الأساسية في تشكيلة دل بوسكي، خلافاً لزميله في النادي الملكي تشابي الونسو الذي قد لا يتمكن من مواجهة زميليه الآخرين في ريال مدريد رونالدو وبيبي الذي عاد إلى تشكيلة البرتغال بعد تعافيه من إصابة أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة.
وتعرض تشابي الونسو لالتواء في الكاحل الأيمن خلال لقاء أبطال أوروبا مع تشيلي وهو قد يغيب عن لقاء الثلاثاء أمام البرتغال حسب ما أكد دل بوسكي، فيما سيكون توريس جاهزاً للعب لأن الإصابة التي يعاني منها ليست سوى مشكلة عضلية بسيطة.
ويأمل دل بوسكي أن لا يصاب بالإحباط الذي اختبره نظيره في المنتخب البرازيلي كارلوس دونغا عندما واجه البرتغاليين، لأنه كان حانقاً تماماً على الأسلوب الدفاعي الذي طبقه منتخب كيروش الذي حافظ على سجله الخالي من الهزائم في 18 مباراة على التوالي، ليعادل الرقم القياسي الذي سجله المنتخب بين 2005 و2006 بقيادة المدرب البرازيلي لويز فيليبي سكولاري.
وأجرى كيروش تعديلات تكتيكية بحتة لمباراة البرازيل، إذ لجأ إلى تشكيلة دفاعية فلعب بيبي منذ البداية لكن أمام الخط الدفاعي المكون من الرباعي ريكاردو كوستا وريكاردو كارفالو وبرونو الفيش ودودا، كما كانت الصيغة الدفاعية طاغية في خط الوسط بعدما شغل المدافع فابيو كوينتراو مركز الجناح الأيسر، فيما لعب داني على الجهة اليمنى، وكريستيانو رونالدو وحيداً في خط المقدمة.
وهناك احتمال أن يلجأ إلى هذه التشكيلة في الشوط الأول على اقله ليختبر نية الاسبان، معتمداً على الهجمات المرتدة السريعة التي ستضع رونالدو في مواجهة زميله في ريال سيرخيو راموس والقائد كارليس بويول.
وقد انهي المنتخب البرتغالي الذي تأهل إلى الدور الثاني للمرة الثالثة في مشاركته الخامسة (بلغ نصف النهائي مرتين أخرها في العام 2006)، دون أن تتلقى شباكه أي هدف، علماً بأن البرتغاليين حافظوا على نظافة شباكهم في 22 من اصل مباريات الـ26 الأخيرة.
وقد حذر كيروش لاعبيه بان هذه الإحصائيات لا تعني شيئاً، مضيفاً "قد تلعب دوراً في تعزيز ثقتنا، لكن لا يمكننا الدخول إلى الدور ثمن النهائي مستندين على السمعة والإحصائيات. يجب على لاعبينا أن يثبتوا قيمتهم على أرضية الملعب. علينا أن نبقى على ارض الواقع لأننا في الأدوار الاقصائية الآن وأي خطأ سيرسلك إلى ديارك".
وستكون المباراة المواجهة الأولى بين المنتخبين الأيبيريين في النهائيات، لكنهما تواجها سابقاً في التصفيات المؤهلة إلى النسخة الأولى في العام 1930 عندما فازت اسبانيا (9-0) و(2-1)، ونسخة 1950 حيث فاز الإسبان أيضاً (5-1) ثم تعادلا (2-2)، كما تواجها في الدور الأول من كأس أوروبا 1984 و2004 فتعادلا (1-1)، وفي الدور الأول من كأس أوروبا 2004 عندما فاز البرتغاليون (1-0) ليحرموا الإسبان من التأهل إلى الدور الثاني.
والتقى الطرفان في 26 مباراة ودية وتتفوق اسبانيا بـ12 فوزاً مقابل 10 تعادلات و4 هزائم فقط، ما يعني أن "لا فوريا روخا" يملك أفضلية كبيرة من ناحية مجمل المواجهات المباشرة، حيث فاز 14 مرة، مقابل 12 تعادل و5 هزائم فقط من اصل 32 مباراة.
ومن المؤكد أن المدربين سيكونان تحت ضغط كبير ولن ترحم وسائل الإعلام المحلية الطرف الذي سينتهي مشواره عن الدور الثاني، إن كان دل بوسكي الذي دخل إلى جنوب أفريقيا 2010 وهو يحمل على كتفيه عبئاً بأنه يشرف على المنتخب الأفضل في العرس الكروي والمرشح الأوفر حظاً للظفر باللقب، أو كيروش الباحث عن إثبات جدارته من خلال قيادة البرتغال إلى الدور نصف النهائي على أقل تقدير بعدما واجه كيروش حملة إعلامية كبيرة خلال التصفيات بسبب الأداء المتواضع الذي ظهر به منتخبه الذي اضطر لخوض الملحق الأوروبي الفاصل ضد البوسنة من أجل أن يحجز مكانه في النهائيات.
وترى الصحف المحلية أن عيب المنتخب انه يقدم أداء جيداً مع كيروش لكنه لا يترجم أفضليته أمام خصومه إلى أهداف، وقد بدأت هذه الانتقادات منذ الجولة الثانية من التصفيات عندما خسرت البرتغال على أرضها أمام الدنمارك (2-3)، وسخرت صحيفة "آ بولا" حينها من كيروش مشيرة إلى أن أخر هزيمة لمنتخب بلادها على أرضه ضمن تصفيات كأس العالم تعود إلى 15 عاماً عندما كان حينها بقيادة كيروش.
وكان كيروش اشرف على منتخب بلاده بين 1991 و1993 وفشل في تأهيله إلى مونديال 1994 في الولايات المتحدة، إلا انه نجح هذه المرة في تجنب الإحراج والإقالة من منصبه بعد آن تجاوز رجاله الصعوبة التي واجهتهم في الجولات الأولى حين حققوا فوزاً وحيداً في أول 5 مباريات، ليحتلوا المركز الثاني في المجموعة الأولى خلف الدنمارك، متقدمين على السويد الثالثة بفارق نقطة واحدة، فخاضوا الملحق وتخطوا البوسنة (2-0) بمجموع المباراتين رغم غياب قائدهم كريستيانو رونالدو بسبب الإصابة.
وترى وسائل الإعلام المحلية أن البرتغال قدمت أفضل العروض بقيادة سكولاري الذي انتقل إلى تشلسي الإنكليزي بعد قيادة "برازيل أوروبا" إلى نهائي كأس أوروبا 2004 ونصف نهائي مونديال 2006، تاركاً مكانه لكيروش الذي كان يشغل منصب مساعد مدرب مانشستر يونايتد الإنكليزي اليكس فيرغسون، لأن الأول عرف كيف يدير المباريات وينهيها بالفوز "وهذا ما سيبقى عالقا في الأذهان".
لكن كيروش الذي يشرف على جميع المنتخبات البرتغالية (الأول والاولمبي والشباب) رغم آن تجربته كمدرب لم تكن ناجحة خصوصاً مع ريال مدريد الاسباني (2003-2004) ومنتخب الإمارات (1997-1999) ومنتخب جنوب افريقيا (2000-2002) إضافة إلى منتخب بلاده الأول، وضع لنفسه هدفاً هو أن يسكت هذه الانتقادات وأن يكرر على اقله ما حققه سكولاري في 2006، إلا آن المهمة لن تكون سهلة لأنه اصطدم بطموح مدرب أخر يسعى لأن يرتقي إلى مستوى المسؤولية التي ألقيت على عاتقه بعد خلافة لويس اراغونيس الذي قاد اسبانيا إلى لقبها الأول منذ 1964 بعدما توًج منتخبها بطلاً لكأس أوروبا 2008 على حساب نظيره الألماني (1-0)، والى قيادة بلاده لفك عقدة المونديال حيث كانت أفضل نتيجة لها وصولها إلى نصف النهائي مرة واحدة في العام 1950، علماً بأنها ودّعت النسخة الماضية من الدور الثاني بخسارتها أمام فرنسا (1-3).