كانت سلمى تتنزه في الحديقة، وكانت رائحة الورود ومنظرها المغري يدفعانها
لقطف واحدة منها.
وعندما مدت سلمى يدها لتقطف وردة..لامس إبهامها الشوكة الموجودة في ساق
الوردة، شعرت بالألم فسحبت يدها بسرعة وأخذت تمسح قطرات الدم التي كانت
تنزف من أصبعها.
ركضت سلمى نحو أمها وسألتها: ماما لماذا أشعر بألم جراء وخزة شوكة صغيرة؟
ضحكت أمها وقالت لها مشيرة بملعقة الطعام الكبيرة إن الشعور بالألم نعمة
كبيرة!! ولو فكرت جيداً ستعرفين لماذا وهبنا الله إحساس الألم!
جلست سلمى وحدها وهي تعصر وتجفف قطرات الدماء وتفكر.. لماذا نشعر بالألم!
في مكان آخر.. في عالم يعجّ بالازدحام والحركة، يضبطه
النظام والدقة، في داخل جسم سلمى وبالتحديد داخل إبهامها..كان هناك حدث ما
يدعو للاستنفار!!
انطلقت صفارات الخطر.. وبدأ التحرك بشكل منظم وسريع جداً .. مالأمر؟ وماذا
حدث حتى تبدل الهدوء والاستقرار إلى تأهب واستنفار؟
زمور الخطر يصدح والنهايات العصبية تتنبه بشدة في إبهام سلمى.
بدأت الأعصاب الحسية تتحدث فيما بينها فقال عصب صغير لجده: ماذا سنفعل
ياجدي ؟
أجاب الجد: أرسل إشارات وتنبيهات الألم إلى مركز الألم
الحبل الشوكي ليترجمها للمخ وتشعر سلمى بالألم.
قال العصب الصغير: ومادخلنا نحن ياجدي؟ لماذا يجب علينا أن نفعل هذا؟
أجاب الجد: من أجل أن تتنبه سلمى إلى أن اصبعها في خطر وعليها الإسراع في
ابعادها عنه، هيا اذهب إلى أمك وتدرب على كيفية إرسال الإشارات إلى
الحبل الشوكي مركز الإحساس. تتصعد أحاسيس الألم من خلال الحبل الشوكي إلى جزء بالمخ يدعى
المهاد البصري. ومن ثم تتجه الأحاسيس القادمة من الإبهام مثلاً إلى الجهة المقابلة من
المخ
أي أن أحاسيس الألم بالإبهام الأيسر لسلمى
تسير نحو الجزء الأيمن من المهاد البصري حيث يستشعر الإحساس
بالألم. وفي
المهاد البصري تؤثر مواد
طبيعية مختلفة في شدة الألم.
قفز العصب الصغير ثانية نحو جده وهمّ بالكلام، ولكن سبقه الجد وقال له: هل
مازلت هنا؟ لقد انتهى عملنا وخف الألم ومرت الأعراض على مايرام، هيا اذهب
وتابع نومك في هدوء.
_ ولكن لدي سؤال واحد ياجدي
تفضل ولكن بسرعة، لأن شغبك هذا يجعل سلمى تشعر بالألم.
لماذا يشعر الإنسان بالألم، ولماذا علينا كلما تعرض لوخز أو حرق أن نستيقظ
ونهرع للعمل ونرسل إشارات تنبيهيه.. إن هذا العمل مزعج!
قال الجد: تخيل لو أن أحدهم قفز من مكان عال وكسرت قدمه، دون أن يشعر
بالألم.. هل تتخيل ماسيحدث له؟
ستورم قدمه، وتلتهب انسجتها، ومن ثم تلتئم عظامها بطريقة خاطئة دون أن
يدري.
وفي حالة سلمى إن عدم شعورها بالألم سيجعل الأشواك تخترق جلدها إلى مناطق
عميقة من اللحم وتسبب الالتهابات دون أن تشعر سلمى بذلك، وهكذا فإن الألم
ينذرها لتبتعد عن الخطر
ألا تعلم أن هناك مرض يمنع الشعور بالألم؟ ألم تتعلمه في المدرسة ياولد؟
أجاب الحفيد بثقة: نعم نعم ..هذا المرض يدعى باسم
سيرينجوميليا syringomyelia فالشخص المصاب بهذا المرض لايشعر
بالألم حتى لو ذابت يده حرقاً، أو دق مسمار فيها!
تابع الجد قائلاً: ومثل هؤلاء الأشخاص المصابين بهذا المرض يتعرضون للكثير
من الأذى! هيا نم ياصغيري.
والآن هل أدركت يا أخي لماذا نشعر بالألم ؟
إذاً أحمد الله على ذلك... ولو رأيت سلمى يوماً ما أخبرها بما تعلمت،
وعرّفها بالحكمة الإلهية من شعورنا بالألم.
ولاتنس أن تقول لها:
إن قطف الأزهار عادة سيئة
وأنّ أي تصرف سيء لابدّ أن يسبب لنا ألماً أياً كان نوعه.