شكلت أعمال مالك حداد وراهن المشهد الروائي الجزائري محور المداخلات التي قدمت خلال أشغال ملتقى مالك الذي نظمته مديرية الثقافة لولاية قسنطينة خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 3 جوان بحضور كوكبة من المبدعين والباحثين الأكاديميين الذين جاءوا من مختلف مناطق الوطن.
وقد كان الهدف من الملتقى الاحتفاء بهذا الروائي الكبير الذي استطاع وبشهادة كل الذين عايشوه أو قرأوا أعماله أن يترك بصمته في المشهد الشعري والروائي الجزائري عبر روائعه الإبداعية التي تنوعت بين الشعر والرواية .
و تميز حفل الافتتاح بتكريم الروائي واسيني الأعرج تقديرا لمشواره الإبداعي الحافل بالإبداع ، وقد عبر واسيني في كلمة ألقاها بالمناسبة عن سعادته بالتكريم الذي حظي به في إطار فعاليات ملتقى حداد هذا المبدع الذي يشكل بالنسبة له مرجعا أساسيا وتجربة متميزة في المشهد الإبداعي الجزائري والعالمي وأوضح واسيني قائلا:” لقد تعلمت من مالك حداد أشياء كثيرة فهو استطاع أن يجمع بين النثر بوصفه لغة مباشرة وبين الشعر بوصفه حساسية استثنائية وكان يؤمن دائما أن الكتابة التي لاتورث الحب ليست كتابة.
كما تم تكريم الكاتب الجزائري باللغة الفرنسية، ياسمينة خضرا، بمناسبة بيع بالإهداء لمؤلفه الأخير “أولمب دي أنفورتين”، الذي أعيد نشره من طرف منشورات “ميديا بليس”، ودافع المؤلف، الذي ترجمت أعماله في 40 بلدا، لدى جلسة نقاش بالمسرح الجهوي للمدينة على هامش البيع بالإهداء عن “المغالطات” و”السلبية”، موضحا كذلك بأن “الكراهية” عدو للفن.
ويعد ياسمينة خضراء المتصور في كتابه الأخير “لأولمب” تتشكل من مهمشين وانكسارات الحياة على غرار خيال عالمي حيث يسود ويغلب توازن هش مقيم على أساس أوهام واستقالات أظهر محمد مولسهول “الاسم الحقيقي للكاتب” تفاؤلا وكرما، معتبرا بأن “المنفى بالنسبة للكاتب يكمن في نصه”، وأن “الخيال أكذوبة لا يؤمن بها سوى الكاتب نفسه”"
فمن “حورية”، أول مختاراته القصصية مرورا بـ”الاغتيال” و”الكاتب” و”بنت الجسر” و”امتياز فيليكس” و”ما يقدم النهار لليل” أو “ابنة العم ك” التي يعتبرها أحسن مؤلفاته وتطرق لمسألة غياب مدينة القنادسة مسقط رأسه في رواياته وكتاباته فهو “يحكي بلدا حسب عقليته وليس جغرافيته.”
وأكد الكاتب ياسمينة خضراء المعجب بمالك حداد أنه كاتب أصيل، كان يتمتع بسيادة الفعل وتأنيب الضمير في النص وأنه تعلم من حداد بأن “المطر قد يكون لديها مواهب”
واتبعت الجلسة التكريمية لواسيني بأصبوحة شعرية شارك فيها عدد من الشعراء والشاعرات حيث قرأت الشاعرة زينب لعرج قصائد من مجموعتيها الشعريتين “أرفض أن يدجن الأطفال “و”نوارة لهبيلة” وقد نالت قصيدة “مرثية لقارئ بغداد” إعجاب الجمهور الذي تفاعل مع الأحاسيس المرهفة لزينب الأعوج التي نقلت في نصوصها يوميات الوجع العراقي ، في حين قرأت الشاعرة نسيمة بوصلاح قصائد من مجموعتها الشعرية “حداد التانغو” أهدتها إلى مسقط رأسها مدينة قسنطينة التي ألهمت الشعراء والمبدعين فكتبوا فيها روائعهم على غرار الروائية أحلام مستغانمي التي تمحورت روايتها “ذاكرة الجسد” حول قسنطينة، وكان للشاعرة خالدية جاب الله التي سبق لها وأن تألقت في مسابقة أمير الشعراء التي تنظمها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث حضورها الشعري عبر باقة من القصائد التي ضمتها مجموعتها الشعرية” للحزن ملائكة تحرسه”، فيما ألهب الشاعر محمد برقطان المنصة بقصائده وطريقته المتميزة في الإلقاء حيث رحل ابن مدينة قالمة بالحاضرين إلى تاريخ الجزائر العميق الحافل بالنضال والتضحيات
كما شارك في الأصبوحة الشعرية كل من الشاعر عبد الحميد شكيل والشاعرة نادية نواصر من مدينة عنابة وتألق في الجلسة الشعرية التي نشطها الدكتور عبد الله حمادي كل من الشاعرين مسعود حديبي و أحمد عاشوري والشاعرة حنين عمر
وقد عمل المتدخلون خلال أشغال الملتقى التي تواصلت على مدار ثلاثة أيام على إبراز الجوانب الفنية والمرجعيات الفكرية لمالك حداد، وفي هذا الصدد قدمت الباحثة فتيحة شفيري من جامعة بومرداس مداخلة حول بناء الشخصية في أعمال مالك حداد واختارت شخصية “خالد بن طوبال” في رواية الأزهار لايجيب” كنموذج لدراستها المعمقة في هذا العمل الروائي الذي نال شهرة كبيرة، فأوضحت أن شخصية خالد بن طوبال الذي كان البطل المحرك لأحداث الرواية حيث عانى خالد من التمزق الثقافي بعد نفيه إلى فرنسا لأن انتماءه لوطن عربي جعله يعيش في حالة من الحيرة والقلق .
وقالت المتدخلة إن شخصية خالد بن طوبال شكلت مرجعية لماضي قسنطينة كأحداث الثامن مايو وتأثيرها على الجو العام لإحدى ثانويات هاته المدينة حيث تميز بجملة من الصفات جعلته يختلف عن الشخصيات الأخرى، فهو مثقف مغترب قدم إلى فرنسا تحت وطأة الاستعمار الذي كان يترصد مضامين أشعاره وقد طرأت على أفكاره جملة من التغييرات أملتها الظروف التي ارتبط بها .وتناول الدكتور عبد الرحمن تيبرماسين موضوع” تيمة الجنس والجسد” في أعمال الروائية الجزائرية المغتربة في بيروت فضيلة الفاروق مبرزا كيف تعاملت الفاروق مع النص الروائي حيث أن انتماء صاحبة رواية “تاء الخجل ” للأوراس جعلها تستحضر دائما الموروث في أعمالها وهي تنطلق من الفكر التحرري الموجود في منطقتها والمضبوط بقيم دينية وأخلاق ،حيث تمتلك المرأة الأوراسية زادا من الحرية تحكمه ضوابط اجتماعية . وأشار تيبرماسين إلى العديد من الصفات التي تتميز بها الروائية فضيلة الفاروق منها صفة التمرد والتي جعلت البعض يتهمها بالتصادم مع الدين و المجتمع القسنطيني وأضاف تيبرماسين قائلا: “التمرد صفة تتميز بها المرأة المبدعة وأعتقد أن الكثير من الناس لم يقرءوا للفاروق وبنوا عليها حكما انطلاقا من بعض الحوارات التي أجريت معها .
وقدم الكاتب عز الدين جلاوجي قراءة في الأعمال الأدبية للطاهر وطار مبرزا عتبات الكتابة من خلال الرواية والمسرحية والتحول الذي حصل في الرؤية عند الطاهر وطار من خلال هذه العتبات
وطرح الروائي والناقد محمد ساري في ورقته واقع ترجمة الأعمال الروائية فشدد على ضرورة أن يمتلك الناقد الأدوات الفنية ليقدم ترجمة متكاملة للعمل تكون قريبة إلى حد ما من المعنى والبناء الأصلي للنص ، وقال ساري الذي ترجم عدة أعمال لروائيين جزائريين إن معظم الكتاب الذين يتحدثون عن أعمال مالك حداد لم يطلعوا عليها وخاصة الجيل الجديد من الكتاب .
وارتكزت مداخلة الشاعر والناقد فيصل الأحمر على الميراث الأدبي لمالك حداد وكيف تعامل معه ورثته من الروائيين الشباب حيث وقف الأحمر عند بعض النقاط المرتبطة بمفهوم الرواية الشعرية وخصائص هذا النوع من الكتابة مبرزا كيف تجلت هذه النقاط عند الروائيين من أمثال واسيني الأعرج .
وقدم الناقد اليمين بن تومي دراسة تحليلية في الخطاب الروائي الجديد بعد أحداث أكتوبر 1988 و قدم المتدخل وجهة نظره لمفهوم الأدب الاستعجالي الذي انتقده العديد من النقاد والروائيين .
ولم يغب فن المسرح والطرب الأصيل عن هذه التظاهرة التي أنعشت المشهد الثقافي في قسنطينة حيث تم عرض أوبرات الخيمة للجمعية الثقافية بلا حدود، القادمة من ولاية سطيف، عن نص مقتبس من رواية”اعترافات أسكرام”، للشاعر والكاتب عز الدين ميهوبي، اقتبسه وأنجزه عبد الوهاب تمهاشت وقد نال هذا العرض إعجاب واستحسان جمهور مسرح قسنطينة الذي اكتضت به القاعة ، فيما أمتع الفنان كريم حزمون الحضور بوصلات موسيقية على آلة العود واختتم الملتقى على وقع أنغام العيساوة حيث نشطت الحفل الفرقة التابعة لجمعية”مريد”، للأصول حفلا فنيا كان مسك ختام هذا الملتقى