[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عدد من الموسيقيين تقدموا بشكوى إلى نقيب الموسيقيين المصريين "منير الوسيمي" بمجرد انتخابه من أجل أن يتدخل لإيقاف ما وصفوه بالتردي والتدهور في الذوق العام، خاصةً مع انتشار أغاني المطرب "أبو الليف" والتي احتوت على كلمات "كاورك" و"خرنج" وغيرها.
"منير" وعد بإعمال القانون، خاصةً وأن لديه مادة صريحة تمنح النقابة مسئوليةَ الحفاظ على الذوق العام، وأكد أنه في سبيله لاتخاذ الإجراءات المناسبة، ولم يكن "الوسيمي" هو أول من يفكر في ذلك، دائمًا نقابة الموسيقيين يتم دفعها لهذا الاتجاه.
سبق وأن تابعنا آخر قرار مماثل أصدره الموسيقار الراحل "حسن أبو السعود" الذي كان يشغل موقع رئيس نقابة المهن الموسيقية المصرية والذي كان يمنع غناء أي مطرب جديد لأي من الأغنيات القديمة، ولاقى قراره وقتها حفاوة بالغة من الرأي العام قبل أن يشيد به عدد كبير من الموسيقيين لأنه يدعم اتجاها بات مؤثرًا جدًا في المجتمع يرى أن قوته تكمن في الإبقاء على ماضيه بلا أي إضافة، وأن أي مساس بالقديم تدخل في إطار إهانة التراث.
كان عدد من المغنيين الشعبيين يفكرون في إعادة تقديم أغانٍ من التراث الموسيقي، حيث أصدر النقيب الراحل تحذيرًا من نقابة المهن الموسيقية ضد كل من تسول له نفسه ويفكر بإعادة تقديم أي من الأغنيات القديمة لأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وغيرهم؛ وذلك حفاظًا على تراثنا الغنائي من التشويه.
وهذا هو ما يردده أيضًا في كثير من أحاديثه نقيب الموسيقيين الحالي "منير الوسيمي". وكان قد تردد أن هناك نية لدى عدد من المطربين والمطربات مثل "ماريا" اللبنانية "وسعد الصغير" لإعادة تقديم عدد من أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم.
وينسجم هذا الموقف تمامًا مع ما حدث تحت قبة البرلمان المصري عندما انفعل زكريا عزمي -رئيس ديوان رئيس الجمهورية- ضد محمد سعد في فيلم "اللمبي" قبل 8 سنوات، وقال كيف يغني رائعة أم كلثوم "حب إيه" حيث تضمن الفيلم مشهدًا لسعد وهو يغني "حب ايه". وكالعادة انضم إليه كل الأعضاء وقالوا "آمين"، وأغلب الأقلام انحازت إلى رئيس الديوان الجمهوري.
أما الرقابة فلقد تراجعت عن موقفها الأول وحذفت الأغنية بعد أن كانت قد صرحت بها في فيلم "اللمبي".. وأيضًا بطل الفيلم "محمد سعد" بعد أقل من عامين من هذه الواقعة حرص على أن تتضمن الأحداث في فيلمه الثالث "عوكل" أغنية بصوت أم كلثوم، وأخذ يشيد بها حتى يغفر له الجمهور ما فعله بها في "اللمبي".
وعلى الجانب الآخر فإن الرقابة نفخت كالعادة في الزبادي، ومنعت أحمد حلمي من غناء مقطع لقصيدة الأطلال "هل رأي الحب سكارى مثلنا" ضمن أحداث فيلم "صايع بحر"!!
المجتمع العربي دائمًا ما يرحب بهذه القرارات المحافظة التي تبدو في ظاهرها الرحمة إلا أن باطنها العذاب.. وجه منها نراه وكأنه يحمي القيم الراسخة، وعلى الوجه الآخر نرى مجتمعًا فقد روحه الساخرة التي كانت عنوانًا له سبق وأن أصدرت نقابة الفنانين في سوريا قبل بضع سنوات قرارات مماثلة تمنع غناء "هيفاء" و"نانسي" و"إليسا" هناك!!
منولوجات شكوكو
هذا المجتمع قبل نحو 50 عامًا لم يكن لا هو يضيق بمحمود شكوكو ولا هي أيضًا أقصد أم كلثوم تضيق به عندما غنى لها على موسيقى لحن "حب إيه" مع تغيير في الكلمات، والمونولوج لا تزال فضائيات الأبيض والأسود تقدمه بين الحين والآخر، وتقول كلماته حب إيه اللي انت جاي تقول عليه هو في ف الدنيا أحلى من "البوفيه"، وكل أغانيها الأخرى مثل "أراك عصي الدمع" "ذكريات" "أنا لن أعود إليه" تحولت إلى مونولوجات ساخرة قدمها "شكوكو".
وغنى مرة أخرى ساخرًا من قصيدة "لا تكذبي".. "لا تكذبي إني رأيتكما معا كنت أحسبك ملوخية لكن طلعتي مسقعة"، ولم نسمع أن شاعر "لا تكذبي" كامل الشناوي ولا ملحنها "محمد عبد الوهاب" ولا المطربة "نجاة" احتجوا .
أما أحمد عدوية فلقد غنى لعبد الحليم "نار يا حبيبي نار فول بالزيت الحار"، ورد عليه عبد الحليم حافظ وغنى له في إحدى الحفلات الخاصة "السح الدح امبوه ادي الواد لأبوه"، بل إن عبد الحليم حافظ كان أول من سخر من التراث الغنائي عندما غنى قبل 55 عامًا في فيلم "أيام وليالي" يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي، اشتملت الأغنية على تهكم على العديد من الأدوار والقصائد القديمة التي كانت ترددها أم كلثوم وعبد الوهاب وصالح عبد الحي، وأيضًا لم يغضب أحد.
لا يتذكر أحد الآن مونولوجا شهيرا اسمه "يا جارحة قلبي بقزازة لماذا الظلم ده لماذا"؟! هذا المونولوج غناه محمود شكوكو من تلحين "محمد عبد الوهاب" وكلمات "حسين السيد"، وكلنا نتذكر تحية كاريوكا في فيلم "لعبة الست" وهي تغني يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة، ولم يضج الناس بهذه الكلمات التي كتبها "بديع خيري" ولحنها "محمود الشريف".
هل يعلم البعض أن الصحفي والزجال الراحل حسن إمام عمر كان يُسمع أم كلثوم زجلاً يسخر فيه من كل أغانيها العاطفية والوطنية يكتبه على نفس الوزن والقافية، وكانت أم كلثوم تردده بعد ذلك لأصحابها في جلساتها الخاصة.. كان مجتمعًا قويًا يؤمن بروح الدعابة.. الآن أصبحنا نعيش في مجتمع "فقد ظله" عندما افتقد ومع سبق الإصرار والترصد "خفة ظله".
قدم صلاح أبو سيف فيلمه التراجيدي "ريا وسكينة" عام 1955 وبعد عام واحد قدم المخرج حمادة عبد الوهاب فيلمه الكوميدي "إسماعيل يسن يقابل ريا وسكينة" وبنفس بطلتي الفيلم نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم!!
في السينما الإيطالية يقدمون كاوبوى اسباجيتي يسخرون فيه من الكاوبوى الأمريكي، وتقبل الأمريكان تلك السخرية الإيطالية اللاذعة رغم أن الكاوبوى يحمل رمزًا وطنيًا أمريكيا.. أنا أتمنى أن نعود إلى التسامح مع تلك المداعبات التي تدل على أن صحة مجتمعنا العربي لا تزال بخير وعافية طالما روحه الساخرة لا تزال منطلقة ومجلجلة!!