الكثير من الشركات الصاعدة في مجال التكنولوجيا طالما احتارت في جدوى الاستعانة بمساعدات تقنية أثناء تطويرها لمنتجاتها عبر شركات أخرى خارجية بحجة توفير النفقات وهو الاتجاه المعروف بـاسم (Outsource). إلا أن العديد من الخبراء نصحوا الشركات الناشئة بعدم اللجوء لهذا الاتجاه ، حيث أن هذا الاتجاه يلائم الشركات الكبرى التي لها عمليات حول العالم، وإذا كان سيُستخدم فعلاً فيجب أن يقتصر على عمليات التجريب أو تطوير منتجات ثانوية وليس منتجات رئيسية.
يرى بعض الخبراء أن سوق المساعدة الخارجية أو الـ (Outsource) غير فعال بالنسبة لصناعة التكنولوجيا حيث لم تمثل مساهماته فيها يوماً ما أكثر من 15%، حيث أن مساهماته في قطاعات أخرى - حتى إن كانت أصغر- تبدو أكثر وضوحاً حيث يساهم بنسبة 40% في عالم البنوك والتمويل والتأمين، وبنسبة 17% في صناعة الاتصالات و12% في دنيا الصناعة. نسبة 15% لعالم تكنولوجيا المعلومات تضمنت العمليات التي قامت بها شركات مثل مايكروسوفت وأدوبي وسيسكو لتطوير منتجاتها الخاصة ولكن في شركات خارجية تابعة لها.
عالم تقديم المساعدات الخارجية تطور كثيراً في الآونة الأخيرة بل وأصبح يقدم خدمات جليلة في مجالا البحث والتطوير خصوصاً في دول مثل روسيا وأوكرانيا والهند. كما أن أغلب الشركات الرائدة في هذا السوق استطاعت تجاوز الأزمة الاقتصادية بل ويمكن القول أنها خرجت منتصرة مثل شركة GlobalLogic على سبيل المثال.
ولكن ورغم هذه المؤشرات الإيجابية المتعلقة بالـ (Outsource) إلا أن الشكوك ما تزال تحوم حول قدرته وجدواه فيما يتعلق بتطوير المنتجات الرئيسية، حيث يرى الخبراء أن الفريق المطور يجب أن يتواجد في مكان واحد وبيئة عمل صحية لكي يستطيع تقديم الابتكار المطلوب توافره في المنتج وهناك العديد من الأسباب يقدمها الرافضون لفكرة المساعدة الخارجية لتطوير المنتجات الرئيسية وهي كما يلي:
1- التواصل وخدمات العملاء
تطوير أي منتج تقني يتطلب فهم عميق لمطالب العملاء وتفاعل موسع مع المستخدمين. لذلك فالمسافات التي تفصل بين المطورين من ناحية وبين العملاء من ناحية أخرى تقلل من فرص إنتاج منتج تقني متميز.
2- توافق المكونات والأفراد
البرمجيات المعقدة تتطلب وجود ملائمة بحيث تعمل مكوناتها الرئيسية بصورة موحدة متطابقة، لذلك لا يجب تطوير كل مكون من مكونات المنتجات التقنية على حدة بشكل منفصل عن المكونات الأخرى لأنهم في النهاية سيشكلون معاً وحدة متكاملة. ومن نفس المنظور يجب أن يعمل أعضاء فرق تطوير البرمجيات بشكل متقارب ضمن إطار عمل واحد.
3- الإدارة
يرى الخبراء أنه أمر صعب جداً من الناحية أن الإدارية أن يتم التعامل مع العديد من فرق التطوير المتواجدة في أماكن متفرقة بتوقيتات مختلفة، حيث سيكون من الضروري الاستعانة بالعديد من المراحل الإدارية المتسلسلة.
4- قلة عدد المطورون غالباً ما تعطي إنتاجية أكثر
في عالم تكنولوجيا المعلومات هناك مفهوم معروف يشير إلى أن فرق التطوير الصغيرة عدداً غالباً ما تكون أكثر ابتكاراً وإنتاجاً.
5- ندرة المهارات
من المعروف أيضاً أن العقلية والمهارات المتخصصة التي تبحث عنها شركات التكنولوجيا من الصعب العثور عليها، ففي الهند مثلاً لا يوجد تقريباً مبرمجين جيدين لألعاب الكمبيوتر نظراً للظروف الاقتصادية التي لم تساعدهم في بداياتهم على استيعاب هذا النوع من البرمجة المتخصصة. كما أن المبرمجون المتميزون في الهند يتعاملون فقط مع الشركات الكبرى فقط ولا يتعاملون مع الصغيرة منها.
6- حماية حقوق الملكية الفكرية
هناك دول مثل الصين، من المستحيل أن تتمكن فيها أي شركة من حماية أسرارها التجارية فهي جنة القرصنة على وجه الأرض. حيث يقوم الموظفون بسرقة أسرار المنتجات التي يتم تطويرها ثم يقومون بإنشاء شركات تتنافس مع الشركات الأصلية في ظل قوانين ضعيفة لا يتم تطبيقها.
هناك رؤية أخرى تشيد بجدوى وأهمية الاعتماد على المساعدة الخارجية وقد قام المناصرون لها بتفنيد النقاط السابقة شارحين في نفس الوقت بعض الأساليب التي تنتهجها الشركات المتخصصة في تقديم المساعدة الخارجية للتغلب على السلبيات المطروحة سلفاً وتعرض للإيجابيات أيضاً وهي كالتالي:
1- التواصل:
المناصرون لفكرة الـ (Outsource) يؤمنون بأهمية استيعاب احتياجات العملاء، لذلك تحرص شركات المساعدة على تكوين فرق تطوير صغيرة يتواجد فيها مالك المنتج ليكون عنصر مكمل لفريق التطوير. وفي حالة الاعتماد على فرق تطوير متعددة في أماكن متنوعة يكون الحل من خلال إحدى طريقتين: أ- إذا كان للمنتج عدة ملاك فهنا سيتم توزيعهم على فرق التطوير ليراقبوا العمل، ب- يمكن لمالك المنتج أن يقوم بالتعاون مباشرة مع فريق التطوير لعدة ساعات يومياً ليقدم وجهة نظره ودعمه المتواصل ويعرض لما يريده بكل حرية. كما أن أدوات التواصل الحديث سهلت إمكانية التعاون بين الأشخاص حتى لو فصلتهم آلاف الأميال عن بعضهم.
2- التكامل
كان بناء منتجات متكاملة سابقاً يمثل مشقة وأمراً معقداً ومتعباً أما الآن مع أدوات ومعماريات التطوير الحديثة أصبحت عملية التطوير أكثر وضوحاً في أهدافها وخطوات تنفيذها. أبرز دليل على ذلك مشروعات تطوير المنتجات مفتوحة المصدر.
3- الإدارة
لا يمكن التشكيك في أهمية وجود فريق التطوير في مكان واحد، ولكن مع ظهور فكرة توزيع فرق التطوير ظهرت الحاجة أيضاً لمدراء من نوعية جديدة ذات قدرات ومهارات مختلفة كلياً عن المدراء في السابق، وطالما توافرت هذه الكفاءة يمكن لمدير مع فريق موزع حول العالم أن يتفوق باكتساح على فريق متمركز في مكان يتفاعل أعضاءه مباشرة مع بعضهم.
4- الموهبة
هناك حقائق ثابتة في عالم تطوير المنتجات التقنية، وأهمها أن مبرمج واحد بارع في عمله يمكن التفوق على مجموعة كبيرة مجتمعة من المبرمجين متوسطي المستوى. ولكن أيضاً لا يجب أن نغفل أن هذه المواهب التي تصل أحيانا حد العبقرية قد تتواجد في أرجاء العالم بأسره حيث يمكن الآن ملاحظة وجود مبرمجين عباقرة في الأرجنتين وتشيلي والشرق الأوسط والهند وأوروبا الشرقية قد يتفوقون على المبرمجين المتواجدين في وادي السيليكون.
5- المهارات
منذ عشر سنوات كان من الصعب إيجاد مهارات متخصصة في الخارج، أما الآن فقد تغيرت هذه الحقيقة وتحولت مع مرور الزمن إلى كذبة كبيرة. العقد الفائت شهد تطور كبير في مستوى المبرمجين حول العالم فبعد أن كانوا يتخلفون عن المبرمجين في الولايات المتحدة لم تعد هذه الهوة متواجدة، فمقارنة مهارات المبرمجين في كل من المملكة المتحدة مثلا والولايات المتحدة ستكون النتيجة عدم وجود أي فارق تقريباً في مستوى المهارات، بل يمكن الآن التأكيد على وجود مبرمجين في أوكرانيا والهند أكثر كفاءة من نظرائهم في أمريكا.
6- الملكية الفكرية
تقول الشركات المختصة في تقديم خدمات المساعدات الخارجية أن مسألة سرقة أسرار المنتجات التقنية تمثل خط أحمر لا يمكن تجاوزه حيث أن هذا الأمر يمس مباشرة سمعة الشركة ما قد يعرضها للتدمير نهائياً إذا خسرت سمعتها، وفي هذا الجانب تؤكد شركة GlobalLogic أنها قامت بتنفيذ أكثر من ألف منتج لأكثر من 200 شركة ولم تحدث من قبل أية حادثة سرقة حقوق ملكية فكرية.