التجارة الخارجية
تطورالتجـــارة الخارجية الجزائرية
من المسلـم به حاليـا إدراك العلاقة العضوية بين تحريـر الإقتصاد و التجارة من جهة و التنمية الإقتصادية من جهة أخرى.
و إنطلاقا من ذلك و ضمن مسار كلي أدركت الجزائر أهمية القيام بإصلاحات عميقة في هذه المجالات ، إمتدت لأكثر عشرية من الزمن.
شكلت سنة 1991 الخطوات الأولى ، ضمن المسار الكلي للإصلاحات ، فيما يخص تحرير التجارة الخارجية.
حيث تم إصدار تشريع خفف من احتكار الدولة للتجارة الخارجية بفتح مجال التدخل في عمليات الإستيراد و التصدير لتجار الجملة
و الوكلاء المعتمدين لدى بنك الجزائر.
إتسم هذا الانفتاح الجزئي بمحدوديته كونه:
- يستند على صفة الإعتماد التي كانت تحدد نوعية المتدخل في التجارة الخارجية
- كما أن الجانب المالي كان مقيدا بعدم قابلية التحويل التجاري للعملة الوطنية إذ اقتصرت حينذاك المعاملات على الحسابات بالعملة الصعبة للمتعاملين الخواص المرخصين في هذا المجال.
المرحلة الثانية سنة 1995:
تم إدخال حيز التنفيذ لقابلية التحويل التجاري للعملة الجزائرية لكافة المتعاملين الإقتصاديين المقيدين بالسجل التجاري أي المتمتعين بصفة التاجر دون الخضوع لأي نوع من الإعتماد.
هذه الخطوات الأولية خطوات هامة في تحرير التجارة الخارجية بيد أنها لم تكن كافية.
السبب هو أن النسق الكلي لاسيما من حيث الإطار التشريعي و التنظيمي المسير للتجارة الخارجية و من ضمنه التعريفة الجمركية لم يكونا بالمواصفات المعتمدة عالميا.
لذاتم الشروع في إصلاح التعريفة الجمركية و كذا تأهيل تشريعاتنا مع المواصفات المعتمدة عالميا.
لقد إحتوت التعريفة الجمركية قبل سنة 1992 على تسعة عشر (19) معدلا بلغ معدلها الحدي 120% ،
لتصل سنة 1997 إثر إصلاحات جزئية من 19 إلى 5 معدلات في بمعدل حدي لا يتجاوز 45 %.
لكن هذه الإصلاحات التعريفية لم تكن بالعمق المرجو لإعطاء الشفافيةو المقروئية المتطلبة للمتعاملين و المستثمرين ، حيث أن بعض الوضعيات التعريفية خضعت لنسب تتجاوز بكثير المعدل الحدي و ذلك بفعل تطبيق القيم الإدارية لدى الجمارك عليها ، من جهة ، و وجود رسوم أخرى ذات مفعول مكافئ للحقوق الجمركية.
هذه القيم الإدارية التي كانت مطبقة لدى الجمارك و التي كانت إستثناءا على مبدأ القيمة التعاملية كان من شأنها العمل على تقييد إستيراد بعض المنتوجات لدوافع حمائية و ذلك بالرفع من الوعاء الضريبي الخاضع للحقوق الجمركية مؤديا بذلك إلى مضاعفة الحقوق الجمركية المترتبة على المنتوجات المعنية بهذه التدابير.
لقد كان للإصلاح التعريفي الأخير و الشامل الفضل الأكبر في إعطاء التعريفة الجمركية الحالية الوضوح و الشفافية و التقديرية التي تتسم بها حاليا.
لقد قام الإصلاح التعريفي الأخير سنة 2001 ، إعادة هيكلة كلية للتعريفة الجمركية كان من نتائجها :
تفكيك كلي للقيم الإدارية لدى الجمارك و إعتماد القيمة التعاملية ، كما عرفتها المادة 7 من الجات (GATT) ، كقاعدة وحيدة يتم بموجبها حساب الحقوق الجمركية المترتبة،
كما تم بموجب هذا الإصلاح تفكيك آخر رسم ذو مفعول مكافىء للحقوق الجمركية و هو الحق الإضافي المؤقت.
هذا الرسم الذي حدد بنسبة 60% و الذي كان قد طبق سنة 2001 على إستيراد بعض المنتوجات لمدة خمسة سنوات ، لحماية بعض القطاعات في مقابل إلغاء القيم الإدارية لدى الجمارك.
و قد تم تفكيك هذا الرسم بمعدل 12% في السنة إبتداءا من سنة 2001 و تم إلغاءه نهائيا ، نهاية 2005.
و بموجب هذا الإصلاح التعريفي ، تمتاز التعريفة الجمركية الحالية بإنخفاض عدد النسب التعريفية و مستوى توزيعها و كذا إنخفاض معدلاتها.
فمن حيث معدل النسب، تحتوي التعريفة الجمركية حاليا ثلاثة (03) نسب زيادة على الإعفاء و هي 5%15 % و 30% كأقصى معدل.
و في الواقع فقد أسفر الإصلاح التعريفي على إنخفاض محسوس في الحماية الإسمية إذ إنخفض المعدل المتوسط النسبي للحقوق الجمركية من 11% سنة 2000 إلى 10% سنة 2001 ثم 9.1 % سنة 2004 إلى وصل إلى 8.9% سنة 2005.
و في نفس السياق شهد التشريع و التنظيم المسيرين للتجارة الخارجية إعادة تأهيل للوصول إلى إطار قانوني للتجارة الخارجية مطابق لقواعد و مبادئ المنظمة العالمية للتجارة ، تسارعت وتيرته كرد فعل لإرادة الجزائر الصريحة للإندماج في الإقتصاد العالمي.
هذا الإطار القانوني كرسه إصدار الأمر 03-04 المؤرخ في 19 يوليو 2003 والمتعلق بالقواعد العامة المطبقة على عمليات إستيراد البضائع و تصديرها.
إن هذا التشريع الجديد زيادة على كونه أحدث إطارا قانونيا للتجارة الخارجية مطابقا لقواعد المنظمة العالمية للتجارة...
أقام إطارا تشريعيا شفافا سواء بالنسبة للمتعاملين المحليين أو للشركاء الأجانب
إن هذا الأمر الذي كرس مبدأ حرية الإستيراد و التصدير نص على أن كل عمليات التجارة الخارجية مفتوحة لكل شخص طبيعي أو معنوي يمارس بصفة منتظمة نشاطا إقتصاديا.
و بالطبع فإن هذا التشريع الجديد ينص على إستثناءات لمبدأ حرية التصدير و الإستيراد ، لا تعدوا عن كونها إستثناءات ذات صبغة عامة، مطابقة لقواعد و مبادئ الإتفاقية العامة حول التجارة و التعريفة (الجات) لاسيما المواد 6، 19 و 20 منها.
في مجال آخر نص هذا التشريع بشفافية تامة نوع آخر من الإستثناءات تتعلق بوسائل حماية الإنتاج الوطني من الممارسات الغاشة كالإغراق و الدعم مطابقة تماما لقواعد المنظمة العالمية للتجارة السارية المفعول في هذا المجال.
من جانب آخر هذه الإصلاحات تزامنت مع عمليات واسعة لتفكيك الإحتكارات العمومية للنشاطات الإقتصادية والتي تمت بوتيرة سريعة ، و الإستثناء الوحيد الذي شكله إحتكار إنتاج التبغ ، تم إلغاءه نهائيا سنة 2001
و يكفي أن نشير في النهاية إلى أنه في خلال عشرية من الزمن و بعد أن كانت التجارة الخارجية حكرا على الدولة ، أصبح القطاع الخاص يتدخل في حوالي ثلثي حجم الإستيراد الكلي للبلد ، مشكلا بالتالي القطاع المحرك للتجارة الخارجية