افتتح هذا الاثنين بالجزائر فعاليات الملتقى الدولي حول “الإسلام والعلوم العقلية بين الماضي والحاضر”، ويشهد الموعد الذي ينظمه المجلس الإسلامي الأعلى، حضور كوكبة من الأساتذة والمختصين من الجزائر والعالمين العربي والغربي، سيبحثون على مدار ثلاثة أيام مدى اهتمام الحضارة الإسلامية بالعلوم العقلية عبر العصور وما حققته من تطور وازدهار في هذا المجال، وكذا ماهية العلوم الطبية والرياضية والفلكية، بالإضافة إلى علوم الطبيعة والفيزياء والكيمياء.
ولدى افتتاحه الملتقى، أكد الشيخ بوعمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أنّ اللقاء يعد “ردا” على تساؤلات بعض المفكرين حول مدى انسجام الإسلام مع الفعل ومدى إسهامه في الحضارة العالمية، ورأى بوعمران أنّ هذه التساؤلات ناتجة حسبه عن قلة الإطلاع على الثقافة الإسلامية، وغياب الاهتمام بها من لدن عموم الباحثين والعلماء والإعلاميين خاصة في العالم الغربي.
وفي هذا الشأن أوضح بوعمران أن هذا النوع من الأسئلة يفسر قلة الإطلاع على الثقافة الإسلامية من بداية ظهورها إلى اليوم وغياب الاهتمام بها من الاهتمام من قبل بعض الباحثين والعلماء والإعلاميين خاصة في العالم الغربي، مضيفا “رأينا من واجبنا أن نعرف ثقافتنا بوضوح وموضوعية بناء على الدراسات العلمية الصحيحة”.
وقال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى إنّ القرآن العظيم والحديث النبوي الشريف جاء فيهما أكثر من إشارة إلى فضائل التعقل والتدبر والتفقه، وحث المرجعين على حساسية البحث والإطلاع في العلوم العقلية.
وشهد اليوم الأول من الملتقى، عديد المحاضرات التي اهتمت بما نهضت الحضارة الإسلامية من أدوار في نقل العلوم إلى أوروبا، وما انطوت عليه نظرية الإعجاز العلمي في القرآن والتصوف في الإسلام.
وركّز “الطيب ولد لعروسي” من معهد العالم العربي بباريس، في مداخلته ” الدور العربي الإسلامي في نقل العلوم إلى أوروبا”، على الدور البارز الذي لعبه المسلمون في نقل مختلف العلوم إلى أوروبا، بينها علم الرياضيات الذي برع فيه المسلمون الأوائل.
أما الدكتور نضال قسوم، فتطرق إلى “نظرية الإعجاز العلمي” من وجهة نقدية، وأكّد على أهمية توخي روح المنهجية الناقدة تجاه الذات تماما كتوخي ذلك ضدّ الغير، وشدد قسوم على أهمية مقاربة المسلمين فيما يكتبونه والتمحيص فيه بشكل منهجي وعلمي دقيق، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى ما يقوم به الآخرون من محاولات تشويه وتغطية لمنجزات الحضارة الإسلامية.
كما دعا قسوم إلى النظر في سلامة المبادئ التي تقوم عليها نظرية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ومدى سلامة تطبيقها والنتائج التي تتوصل إليها لتفادي انزلاقات في اتجاهات خاطئة وسلبية.
وأكد قسوم على أهمية الملتقى الذي يحاول –كما قال- أن ينضج طروحات سليمة تكشف الاتجاهات الخاطئة، حتى يتم مناقشة المسلكيات التي ينبغي للمسلمين أن يتخذوها مسارا، وإيجاد أرضية مشتركة بين التصور الإسلامي للإنسان والحياة والفكر وبين النظريات العلمية.
وفي مداخلته حول “ظهور وتطور الأنشطة الرياضية في الحضارة الإسلامية بين القرنين الثامن والسادس عشر”، ركّز الأستاذ أحمد جبار من جامعة ليل الفرنسية، على عدم وجود قطيعة بين الشرق والغرب في حقل العلوم العقلية.
وأكد جبار أنّ المسلمين ساهموا في كل الميادين العلمية الدقيقة سواء في الرياضيات أو غيرها، بالإضافة إلى إتيانهم بنتائج جديدة مكمّلة لما توصّل إليه قدماء اليونان، مشيرا إلى إضافات المسلمين لمواد الجبر وحساب المثلثات والحساب التوافقي وتأليفاتهم التي أغرقوا بها المكتبات على مستوى العالم.
ولاحظ أستاذ جامعة ليل أنّ بعض المؤلفات عثر عليها مثقفون أوربيون في القرن الثاني عشر ونقلوها إلى اللاتينية والعبرية وأعانتهم –كما أضاف- على تحقيق أولى الإحرازات العلمية وما أعقبها من نهضة أوروبية.
وتقاطع الدكتور مفتاح عبد الباقي مع نظرة جبار، مستعرضا في مداخلته “عالم الرياضيات والفلك،ابن البناء المراكشي”، مختلف التطورات التي شهدها علم الرياضيات لدى المسلمين، واهتمام علماء المغرب الكبير بعلم الرياضيات منذ القرون الأولى للإسلام، تماما مثل العلوم الفلكية، بما عُدّ القاعدة التي انبنت عليها النهضة الحديثة، ليس فقط في الرياضيات والفلك، بل في علوم أخرى كعلم الميراث.
ويسعى القائمون على الملتقى، إلى مقاربة مواضيع لها صلات بالحضارة الإسلامية في العصور الوسطى لاسيما في العهد العباسي وما حققته من تطور وازدهار وإشعاع في مختلف العلوم العقلية، وربطها بالحاضر لتدارك النقائص المسجلة حاليا.
ويُنتظر أن يشهد الموعد عدة محاضرات حول أدوار الحضارة الإسلامية في نقل العلوم إلى أوروبا ونظرية الإعجاز العلمي في القرآن والتصوف في الإسلام، علما أنّ الأشغال ستستمر على مستوى أربع ورشات عمل لمناقشة ودراسة تجليات العلوم العقلية في مجالات الفلسفة و علوم النفس والاجتماع والتاريخ، فضلا عما يتعلق بالطب والرياضيات وعلوم الفلك والفيزياء والكيمياء.
وسيكون ضيوف الملتقى مساء هذا الثلاثاء على موعد مع عرض مسرحي لفرقة مدينة بجاية، ستقوم الأخيرة بتسليط الضوء على ما قدّمه العالم الرياضي الإيطالي “فيبوناكشي” الذي تعلم اللغة العربية والرياضيات العربية بعاصمة الحماديين، قبل أن ينطلق في رحلة علمية شاقة في موطنه الأصلي وعلى امتداد القارة العجوز.