على استاد "أورلاندو" بضاحية سويتو الجنوب أفريقية ، في عصر يوم سبت بشهر تشرين الأول/أكتوبر انتشرت المئات من آلات النفخ البلاستيكية المعروفة باسم "فوفوتزيلا" عبر مدرجات الاستاد الشاسعة وكأنها تدعو أهالي الضاحية الساحلية للصلاة.
وأخذ الرجال والنساء الذين يرتدون الملابس الصفراء والسوداء التي تميز فريق كايزر شيفس والملابس السوداء تماما التي تميز فريق أورلاندو بايرتس ، يهللون ويغنون في سعادة بالغة قبل مباراة دربي سويتو بين الخصمين اللدودين.
ويمثل كايزر شيفس وأورلاندو بايرتس بالنسبة لجوهانسبرج تماما ما يمثله ريفر بلات وبوكا جونيورز بالنسبة للعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس أو جلاسجو رينجرز وسيلتكس بالنسبة لمدينة جلاسجو الاسكتلندية ، فالندية الخالدة بين الفريقين اللذين يعتبران من أهم فرق مسابقة الدوري الممتاز بجنوب أفريقيا أسطورية حقا.
ويقول سامي موتسييلوا مدير نادي كايزر شيفس : "في ثمانينات القرن الماضي لو كنت جئت هنا (ملعب فريق بايرتس) ولم تفعل هذه الإشارة (وضع الذراعين أمام الصدر في وضعية العظمتين المتصالبتين علامة القراصنة) كانوا سيضربونك".
وتعتبر كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى بالنسبة للأغلبية السوداء الفقيرة من أبناء الشعب الجنوب أفريقي ، حيث يتدرب الشباب في البلدات الصغيرة على ضربات الجزاء مستخدمين كرة مصنوعة من بقايا حقائب التسوق ويلعبون مبارياتهم على ملاعب متواضعة أحيانا لا تزيد عن كونها مجرد مستطيل من الأرض الحمراء وغصنين ملتويين مربوطين سويا كمرمى لكل فريق.
وكما كان نجم كرة القدم الإنجليزي الشهير ديفيد بيكهام مصدر إلهام في تسريحات الشعر بالنسبة لجيل كامل من جمهور كرة القدم البريطاني ، فلا يختلف الأمر كثيرا من حيث تقليد الجنوب أفريقيين لكل ما يفعله نجوم الكرة البارزين في بلادهم. ويتوج العديد من شباب جنوب أفريقيا رؤوسهم بالضفائر الطويلة التي تعلو رأس مهاجم منتخب البلاد الأول ونادي إيفرتون الإنجليزي ستيفن بينار.
ويؤكد مشجعو فريق شيفس ، الذي أسسه لاعب سابق من فريق بايرتس في عام 1970 ويرفع شعار السلام والحب ، أن مشجعي بايرتس مازالوا يحبون العراك.
ولكن الحقيقة هي أن شغب جماهير كرة القدم يعتبر ثقافة أجنبية بالنسبة لجنوب أفريقيا.
فأكبر مشجعي الفريقين تعصبا ممن يضعون أغطية للرأس بلاستيكية غالبا ما تكون عبارة عن خوذات آمنة تحمل ألوان فريقها ، عادة ما يجلسون في الاستاد خلف مرمى فريقهم تحت سحابة من دخان مخدر "الماريجوانا".
وعادة ما تكون الأجواء داخل استادات جنوب أفريقيا مكهربة خاصة وسط ضجيج أصوات الفوفوتزيلا التي سببت إزعاجا شديدا للعديد من اللاعبين الأوروبيين ومراسلي الشبكات التليفزيونية والإذاعية خلال بطولة كأس القارات في حزيران/يونيو الماضي لدرجة أن إجراء أي حوار أو مناقشة كان أمرا مستحيلا في أغلب الأحيان.
ويقول بيتروس ماتلوكو أحد المشجعين المتحمسين لفريق بايرتس والذي يعمل في منجم للبلاتين يبعد مسافة ثلاث ساعات بالسيارة شمال غرب جوهانسبرج ويسافر وراء فريقه في كافة أرجاء جنوب أفريقيا : "طالما كانت هناك مباريات فسآتي دوما".
وعندما يتعارض موعد مباراة ما مع مواعيد عمله فكل ما على ماتلوكو فعله وقتها هو أن يخبر رؤساءه في العمل بأن بايرتس يلعب فيقولون له حينها : "عليك أن تذهب إذا".
وبما أن سعر تذكرة المباراة في مسابقة الدوري الجنوب أفريقي تتراوح ما بين 20 و40 راندا (6ر2 و2ر5 دولار) فإن ماتلوكو لا يواجه صعوبة بالغة في شرائها.
ولكن بطولة كأس العالم مختلفة على حد قول ماتلوكو.
فأقل سعر لتذكرة كأس العالم ، وهي للفئة الرابعة المخصصة لجماهير جنوب أفريقيا نفسها ، يبدأ من 140 راندا (نحو 20 دولارا) بالنسبة لمباريات دور المجموعات مما يجعلها بعيدة عن متناول العديد من جماهير البلد المضيف لكأس العالم التي يبلغ أدنى مرتب شهري فيها 200 دولار ويعاني 25 بالمئة من الأشخاص في سن العمل بالبلاد من البطالة.
وذهب نصف عدد تذاكر كأس العالم السبعمائة ألف المباعة حتى الآن إلى الجنوب أفريقيين ولكن عندما تنتهي عملية بيع التذاكر وعندما تقبل الجماهير الأجنبية ، التي كانت تنتظر الجولة الأخيرة من تصفيات كأس العالم للتأكد من تأهل بلادها للنهائيات ، على شراء التذاكر فمن المتوقع أن يفوق عدد الجماهير الأجنبية عدد جماهير جنوب أفريقيا بكثير خلال مباريات المونديال.
وإذا كان يمكن الاعتداد ببطولة كأس القارات التي أقيمت بمشاركة ثمانية منتخبات فقط ، فستكون أعداد جماهير جنوب أفريقيا من أصحاب البشرة البيضاء كبيرة أيضا.
ورغم انجذاب البيض في جنوب أفريقيا عادة إلى رياضة الرجبي أو الكريكيت ، فإنهم يستعدون الآن لتحويل اهتمامهم إلى كرة القدم في أشهر العد التنازلي قبل انطلاق كأس العالم 2010 . وكانت جماهير جنوب أفريقيا البيضاء شديدة التحمس خلال بطولة كأس القارات حيث ظهروا مرتدين ألوان منتخبهم الوطني الصفراء والخضراء.
ويقول المشجع ألان بادر : "بالتأكيد هذه الرياضة أكثر انتشارا وشعبية في البلدات الصغيرة ولكنها ليست رياضة مقصورة على أصحاب البشرة السمراء".
وقد استأجر بادر /26/ وهو مسئول تنفيذى فى صناعة التأمين حافلة صغيرة لتقله ومعه 11 من أصدقائه من جوهانسبرج إلى سويتو لحضور دربي كايزر شيفس مع أورلاندو بايرتس.
ورغم أنه من مشجعي فريق بايرتس ، لم يسبق لبادر الذهاب لحضور أي مباراة كرة قدم ، كما أنه لم يسبق له أبدا الذهاب لمقاطعة سويتو التي كانت مركزا للصراع المناهض لسياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهي محطة مهمة على الخريطة السياحية للبلاد.
وبعد انتهاء مباراة الدربي بالتعادل السلبي قرر بادر وأصدقاؤه التوجه إلى الضواحي الشمالية لجوهانسبرج لمتابعة نهائي مسابقة الدربي الوطنية على التليفزيون.
مثل هذه المشاهد لجنوب أفريقيين يقطعون البلاد طولا وعرضا وصولا إلى بعضهم البعض ، متجاوزين الخطوط العنصرية ، هو ما تأمل جنوب أفريقيا في أن تحظى به وبكثرة خلال بطولة كأس العالم بالصيف المقبل.
ويؤكد داني جوردان رئيس اللجنة المنظمة لكأس العالم 2010 والناشط السابق ضد سياسة الفصل العنصري أن هذه الصورة لجنوب أفريقيا "هي بالتحديد نوع المجتمع الذي عملنا جاهدين لكي نحظى به وصارعنا بشدة من أجله".