فلسطـ2009 ـين: مشاهد للقصف والحصار والانقسام

لم يكن عام 2009 بالنسبة للفلسطينيين كغيره من الأعوام، وإن تميزت كلها بالسوء، بل إن الأشهر الاثنتي عشر من السنة التي تشارف على الانقضاء اعتبرت -وبحسب المتتبعين- الأسوأ على الإطلاق في التاريخ الفلسطيني الحديث، فهم ابتلوا في بدايتها بحرب ضارية شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وعاشوا فيها بين تجاذبات الانقسام الداخلي، ورحلات الحوار التي لم تأت أكلها، بعد أن آلت بهم إلى التشرذم والانقسام في خاتمة سنة قدر لها أن تختم بصرخات آخر بريء فلسطيني، يورث في القارئين القادمين حكاية ” يحكى أن…”.
حرب غزة التي توقفت .. ولم تنته
فمع مطلع السنة المنقضية، وقعت الآلة الهمجية بدايتها بعملية الرصاص المصوب كما سميت، وخلفت أزيد من 1400 قتيل فلسطيني جلهم من النساء والأطفال ونحو 5 آلاف جريح، استعملت فيها أسلحة محرمة دوليا منها الفوسفور الأبيض الذي استعمل في قصف مناطق مأهولة بالسكان.
الحدث فتح الجرح أكثر ، فبعد ذلك الذي أحدثه حصار فرض ولمدة السنتين، احدث معاناة ومآسي بالغة، هو هم أهل القطاع يبحرون على ضفاف الألم ، بعيدا عن حكاية سموها إعادة إعمار لقطاع لم يعرف حتى إعمار الأفواه رغم المنح المالية الكثيرة التي تعهدت بمنحها عدد من الدول، ليضيف للمشهد صور أكثر رعبا تهيمن على يوميات المواطن الغزاوي.
الانقسام الداخلي .. سيد الموقف ومفاوضات السلام.. إلى إشعار آخر
موازاة مع ذلك ظل فيه الانقسام الفلسطيني الداخلي سيد الموقف، ومكرس للقطيعة بين حركتي فتح وحماس، والذي نقل إلى حوار وطني بين الطرفين، والذي رعته مصر إلى ست جولات انتهت بتعثرها، حيث صاغت القاهرة ورقة مصالحة، وافقت عليها حركة فتح ورفضت حماس التوقيع عليها، مبررة ذلك بأن لديها ملاحظات على عدد من بنودها جرى تعديلها دون موافقتها وطلبت إجراء نقاش حولها لكن القاهرة رفضت وتم تأجيل الحوار إلى أجل غير مسمى.
كما شهدت سنة 2009 فشل مسيرة مفاوضات السلام مع إسرائيل لاستمرارها في تنكرها وعرقلة الطريق أمام أي محاولة إقليمية أو دولية لإحقاق الحقوق الفلسطينية ومحاربة حل الدولتين لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، واشترطت السلطة وقف الاستيطان بشكل كامل بما يشمل النمو الطبيعي للمستوطنات في الضفة ومدينة القدس والالتزام بحل الدولتين وهو الأمر الذي رفضته إسرائيل، وفشلت مساع أمريكية في جسر الهوة في الموقفين ما دفع السلطة الفلسطينية إلى السعي إلى بلورة صيغة يمكن من خلالها التوجه بقضيتهم لمجلس الأمن الدولي والمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ضمن حدود الرابع من جوان 1967 لحمل إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
وقد دفعت المباردة التي أطلقتها السويد الرئيسة الدورية للإتحاد الأوربي المتمثل في الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين ، إلى القيام بالعديد من الجولات عبر عدة دول من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وقطع الطريق أمام إقرارها من قبل وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، وهو الأمر الذي باء بالفشل مع اعتماد المبادرة السويدية من قبل وزراء الخارجية للاتحاد الاوروبي.
وهو الأمر الذي وصفته أوساط فلسطينية ودولية بأنه يشكل محطة مهمة تساعد على إطلاق مفاوضات جادة تبدأ من النقطة التي توقفت عندها سابقاتها.
الرئيس عباس.. بين الرحيل والبقاء
وفي خضم ذلك أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بداية نوفمبر عزمه عدم الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة التي كان مقررا إجراؤها في جانفي المقبل، ما اعتبره البعض مؤشر على حالة الإحباط من عملية السلام المتعثرة.
وكانت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، قالت أن لا يمكنها إجراء تلك الانتخابات العامة في وقتها المقرر لعدم إمكانية تنظيمها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.
قرار فتح الباب لتأجيل الانتخابات ما من شأنه خلق فراغ في قيادة السلطة الفلسطينية، حيث أن ولاية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والمجلس التشريعي تنتهي في نفس التاريخ.
وقد مدد المجلس المركزي الفلسطيني تمديد ولاية الرئيس محمود عباس حتى موعد إجراء انتخابات جديدة في الأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي رفضته حماس واعتبرت بأنه غير شرعي.
وقال المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم إن قرار المجلس المركزي هو حيلة جديدة لإضفاء الشرعية على عباس من خلال القول إن الجميع (الرئيس والمجلس التشريعي) في سلة واحدة.
واعتبرت بعض الأطراف الفلسطينية القرار أنه مجرد أفعال بهلوانية، ومحاولة لطمس الحقائق والالتفاف على القرارات الفلسطينية، وذلك باعتبار أن المجلس المركزي لا يمتلك أي صفة شرعية أو قانونية تخوله تجديد ولاية الرئيس عباس.
بينما اعتبر ياسر عبد ربه أمين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن القرارات التي أصدرها المجلس المركزي تمثل إجراء وقائيا لحماية السلطة ومؤسساتها. واتهم حماس بعدم الرغبة في إجراء الانتخابات.
أما النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي وعضو المجلس المركزي حسن خريشة، قال أن المجلس المركزي لم يتخذ قرارا عمليا بتمديد ولاية الرئيس محمود عباس، مضيفا أن المجلس المركزي طالب الرئيس بالاستمرار في عمله إلى حين إجراء الانتخابات، وقد تم التوافق بالإجماع على أن يستمر عمل المجلس التشريعي وفق القانون.
تقرير غولدستون.. يرعب إسرائيل
وكان محمود عباس الرئيس الفلسطيني وجهت له انتقادات كبيرة من داخل فلسطين وخارجها بعد طلب السلطة الفلسطينية تأجيل النظر فيه من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويعد تقرير غولدستون الذي شكل حلقة أخرى في حياة الفلسطينيين والذي يعد أول تقرير دولي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وقد وثق التقرير الجرائم الإسرائيلية خلال حرب الأخيرة على غزة.
وقد وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 16 أكتوبر 2009 على تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون بتأييد 25 دولة ومعارضة 6 من بينها الولايات المتحدة وتحفظ 11 دول بينها بريطانيا من أعضاء المجلس الـ47.
وقد عرفت سنة 2009 تصعيدا استيطانيا خطيرا وغير مسبوق رغم دعوات دولية بوقف هذا النشاط الذي ظل لسنين عقبة في مسار السلام وفي مقدمتها نداءات الجامعة العربية والأمم المتحدة والولايات المتحدة .
ختامها.. جدار فولاذي
ويختتم الفلسطينيون سنة 2009 أيضا بإجراء جديد جاء ليزيد من معاناة الفلسطينيين وسكان قطاع غزة الذي يعتبره الكثيرون بأكبر سجن في العالم، بل التخفيف عنهم والذي يتمثل بشروع مصر بإقامة جدار فولا ذي عازل على الحدود مع غزة.
هذا القرار القاسي على عكس مرة أخرى الانشقاق داخل الصف الفلسطيني، حيث أيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بناء الجدار وقال إن ذلك أمر يتعلق بالسيادة المصرية.
بينما رفضت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”في قطاع غزة بناء الجدار الفولاذي على حدود القطاع مع مصر ،وأكدت أنه بدلا من ذلك “يجب اتخاذ إجراءات لتخفيف وإنهاء الحصار الظالم” الذي يعيشه سكان القطاع منذ أزيد من سنتين.
واستنكرت الحركة تصريحات عباس واعتبرتها “دليلا على تورطه في حصار غزة ومعاداتها والتحريض على أهلها،” على حد قوله.
وينهي الفلسطينيون عام 2009 بكل هذه المآسي والآلام، ولكن صمودهم أمام آلة الدمار الإسرائيلية وسياساتها التجويعية ضد الفلسطينيين والذي ظهر جليا خلال حرب غزة التي استهلوا بها هذا العام المنقضي، فإنهم بالتأكيد سيستقبلون عام 2010 وكلهم أمل وإصرار على الوحدة واسترجاع الأرض والحقوق المنزوعة منهم منذ عقود طويلة.